حبست مصر أنفاسها طول نهار أمس في انتظار صدور قرار من القوات المسلحة يحدد معالم «خريطة مستقبل» التي انهت حكم الرئيس محمد مرسي. وجاء القرار في صورة اتفاق مع شيخ الأزهر وبابا الأقباط وممثل المعارضة الدكتور محمد البرادعي، وممثلين عن «تمرد» في خطوة فُسّرت بأن هدفها دحض ما أعلنته جماعة «الإخوان المسلمين» إن ما حصل كان إنقلاباً عسكرياً. وعلى رغم أن الجيش لعب دوراً أساسياً في إنهاء حكم جماعة «الإخوان» المستمر منذ سنة، فإن تحركه ما كان ليتم بالطريقة التي تم بها لو لم يتضح لقادة القوات المسلحة أن بقاء «الإخوان» في السلطة بات يشكّل خطراً على مستقبل مصر، في ظل الإنقسام الشعبي الواضح الذي يهدد بالتحوّل إلى حرب أهلية. وبذلك تكون ميادين مصر قد انتزعت السلطة من «الإخوان»، برعاية الجيش، تماماً كما حصل قبل عامين ونيف عندما انتزعت الملايين التي نزلت إلى الشارع السلطة من حكم الرئيس السابق حسني مبارك، برعاية الجيش أيضاً. وأعلن الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع، بعد اجتماعه مع القوى السياسية في بيان صحافي تلاه في حضور شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وبابا الأقباط تواضروس الثاني وقادة في الجيش والمنسق العام لجبهة الإنقاذ الدكتور محمد البرادعي والأمين العام لحزب النور جلال مرة والكاتبة الصحافية سكينة فؤاد وشباب من حملة «تمرد»، أن اجتماع القيادة العامة للقوات المسلحة مع الرموز السياسية الساسية والدينية والشبابية انتهى إلى الاتفاق على تعطيل العمل بالدستور الحالي موقتا وأن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلي منصور إدارة شؤون البلاد على أن يؤدي اليمين القانونية أمام الجمعية العمومية للمحكمة وتكون له سلطة إصدار إعلانات دستورية خلال تلك المرحلة التي ستشهد تشكيل حكومة كفاءات لادارة البلاد والإشراف على الانتخابات وتشكيل لجنة لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور المعطل بشكل مؤقت، ومناشدة المحكمة الدستورية إقرار مشروع قانون تنظيم الانتخابات البرلمانية من أجل الإسراع في الانتخابات النيابية. وناشد السيسي المتظاهرين النأي بأنفسهم عن العنف، محذرا من أم القوات المسلحة ستتصدى مع رجال الشرطة بكل قوة لأي خروج عن السلمية. وكشف السيسي عن أنه سبق أن دعا الى حوار وطني استجابت له كل القوى، لكن الرئاسة رفض في اللحظات الأخيرة. واعتبر أن خطاب الرئيس أمس لم يلب مطالب الشعب. وفور إعلان البيان هتف الملايين في ميدان التحرير وأمام قصر الاتحادية تأييدا لتلك الخطوة: «الشعب خلاص أسقط النظام»، فيما هتف أنصار الرئيس في ميداني النهضة ورابعة العدوية: «باطل» و «يسقط يسقط حكم العسكر». وظهر شريط مصور بثه الرئيس محمد مرسي على موقعه الرسمي كرر فيه تمسكه بالشرعية وأشار إلى أنه عرض مبادرة لحل الأزمة. وأكد أن دور المؤسسات هو الحفاظ على الشرعية الدستورية، في رفض لبيان السيسي. وبذلك، أعاد المصريون بذلك صنع التاريخ مرة أخرى وأطاحوا أول رئيس مدني منتخب بعد عام واحد من حكمه ينتمي إلى جماعة ترجع جذورها إلى العام 1928 من القرن الماضي. ودخلت مصر عهداً جديداً استجاب فيه الجيش لإرادة ملايين المتظاهرين الذين ملأوا الميادين منذ الأحد الماضي مطالبين إزاحة جماعة «الإخوان المسلمين» والرئيس محمد مرسي عن الحكم. وكان مرسي كتب في تدوينة على صفحته على موقع «فايسبوك» بعدما ظهر جلياً أنه عزل وبات في «قبضة الجيش» معزولاً عن أي من مساعديه: «ليعلم أبناؤنا أن أباءهم وأجدادهم كانوا رجالا. لا يقبلون الضيم ولا ينزلون أبداً على رأي الفسدة ولا يعطون الدنية أبداً من وطنهم أو شرعيتهم أو دينهم». وفي حين اختفى مرسي، بعدما بات في «قبضة الجيش» وقُطع أي اتصال بينه وبين مساعديه وقيادات الجماعة، أظهر مساعدون للرئيس ومقربون منه من أعضاء «الإخوان» تمسكا بالمضي في المعركة للنهاية، فكتب مساعده الأبرز عصام الحداد على حسابه على موقع «تويتر»: «ما يجري الآن انقلاب عسكري. في اللحظة التي اكتب فيها هذه السطور فإنني أدرك تماما أنها قد تكون آخر مرة أتمكن فيها من الكتابة على هذه الصفحة»، مضيفا: «الانقلاب لن ينجح في مواجهة الإرادة الشعبية من دون إراقة كثير من الدماء. مئات الآلاف تجمعوا لدعم الديموقراطية والرئاسة. ولن يغادروا في مواجهة هذا الهجوم. ولن يتحركوا إلا باستخدام العنف». وقال مدير مكتب الرئيس في تديونة على صفحته على موقع «فايسبوك»: «اللهم إنا على العهد باقون، ولمرضاتك سائلون، ولجنتك متشوقون». وعلمت «الحياة» أن اتصالات الساعات الأخيرة شهدت مساومات من قادة «الإخوان» بالتضحية بورقة مرسي في مقابل ضمان وجود التنظيم في العملية السياسية في المستقبل، اذ أرسل العسكريون رسائل احتوائية إلى الجماعة، كما جرت اتصالات بالخارج للطمأنة الى ان الوضع في مصر «مستقر والانتقال السياسي سيمرر بسلمية». وروى مصدر عسكري ل «الحياة» أن الجماعة «كانت تلعب بورقة شرعية الرئيس محمد مرسي، لكنها أبدت استعدادها التنازل عنها»، في مقابل «ضمان تماسك التنظيم ووجوده في أي عملية سياسية مستقبلية، وهو ما رحب به العسكريون»، ولفت إلى أن تصريحات قادة «الإخوان» التي خرجت في الساعات الأخيرة لتحض على الجهاد دفاعا عن الشرعية «كانت بهدف الضغط والمساومة». وأشار المصدر إلى أن قادة الجيش أمروا بمنع التحليق المعتاد للطائرات العسكرية في ميدان التحرير والميادين التي يحتشد فيها المتظاهرون المحتجون، لعدم «استفزاز أنصار مرسي». وأوضح أن اتصالات جرت مع الخارج بهدف طمأنتهم «كون الوضع السياسي مستقراً وسيتم احتواء جماعة الإخوان المسلمين، وتمرير التسوية السياسية من دون عنف». وفي واشنطن، اعتبرت وزارة الخارجية الأميركية أن خطاب مرسي ليلة أول من أمس «لم يحمل خطوات ملموسة» تتجاوب مع مطالب المتظاهرين، وأكدت الناطقة جان بيساكي أن واشنطن تراقب الوضع عن كثب وما زالت تدعم «حل سياسي». وكانت الادارة الأميركية تابعت بترقب الأحداث في الشارع المصري وحصرت الاتصالات الرسمية بالقيادة العسكرية من خلال اتصال لوزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل بالسيسي. وفيما لم تعط الوزارة أي تفاصيل حول مضمونه، قالت مصادر موثوقة ل «الحياة» إن الادارة الأميركية تريد «عملية انتقال ناعمة» في مصر وليس «انقلاباً عسكرياً يعطي الجيش صلاحيات الحكم». وأضافت أن التركيز كان في محادثات المسؤولين الأميركيين مع القيادات في مصر هو حول التهيئة لمرحلة انتقالية ناجحة، تشمل انتخابات مبكرة، وأن تلك كانت النصيحة التي قدمها باراك أوباما للرئيس محمد مرسي، وتمنى عليه الاصغاء «لمطالب المتظاهرين». وكانت الادارة حرصت على نهج كثير الحذر في التعاطي مع مرسي، الذي لم يجتمع به أوباما منذ توليه الحكم العام الفائت، وتم الغاء زيارته للبيت الأبيض في كانون الأول (ديسمبر) وأيضاً الغاء الاجتماع على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما كانت الإدارة قد مارست ضغوطا على مرسي لتقديم تنازلات للمعارضة بعد الاستفتاء على الدستور، وفي تشكيل الحكومة، لكنها أيضاً أخذت على المعارضة تمسكها بالتظاهر وعدم ممارسة اللعبة السياسية.