الحديث عن مصر الغد.. والصورة المثالية لها لا يمكن أن يتحقق إلا بإيجاد التوافق الداخلي، ورفض ثقافة الإقصاء، وتعزيز الوحدة الوطنية، واحترام رأي الشعب الذي فرض على الجميع إرادته. ومع تمكن المعارضة المصرية من حشد الملايين في الساحات، وتبني الجيش لمبدأ التغيير وفق خارطة طريق خاصة به تتضمن تسليم السلطة لمجلس انتقالي والتحضير لدستور جديد وانتخابات نيابية ورئاسية، وإصرار القوى الإسلامية على الاصطفاف وراء مرسي في تحالف عريض، خصوصا بعد تشبثه في خطابه الأخير بالشرعية الدستورية التي أتت به إلى السلطة، تبدو مصر على مفترق تاريخي اليوم مع ضرورة وصول الأفرقاء لصيغة مناسبة وفق النظام الديمقراطي في مصر الغد، والمضي نحو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ضمن رزمة من الإصلاحات السياسية وتعزيز الوحدة والتماسك الداخلي وإرساء دولة القانون، ولا مفر من وضع الضمانات القانونية اللازمة لضبط تحييد مؤسسات الدولة وأجهزتها كي لا تكون طرفا في أي استفتاء أو انتخابات رئاسية أو نيابية، وكذلك تطبيق القانون بحزم ضد من يستخدم العنف ضد خصومه السياسيين كالذي نشهده في القاهرة والمحافظات، علما أن المشهد السياسي والإعلامي يمر بحالة من انعدام التوازن والمصداقية بعدما أصبحت كل كلمة تصدر من وسائل الإعلام تعبيرا عن موقف سياسي مسبق لا التزاما بحرية الكلمة أو الموضوعية. واللجوء لانتخابات مبكرة لإنهاء التوتر والتحدي؛ لكي يكون هناك احترام لإرادة الشعب المصري بكافة أطيافه وتوجهاته، لذلك فإن تحديد موعد الاحتكام إلى صناديق الاقتراع ينبغي أن تسبقه أولا إجراءات أمنية صارمة بإشراف الجيش، إضافة إلى الأجهزة المتخصصة الأخرى، في مرحلة انتقالية تخضع فيه مصر إلى ما يشبه حال طوارئ مؤقتة ومقيدة زمانيا ومكانيا، على أن تترافق تلك الإجراءات مع معالجات سياسية حكيمة لإنهاء سياسة الإقصاء وسياسة الانتقام. فالمطلوب، باختصار، أن تكون المرحلة الانتقالية بالتوافق بين كل الأطراف مناسبة للمصالحة والتقارب على هدف موحد هو خدمة الشعب المصري والنهوض بالبلاد بعد كل هذا الوقت والجهد الضائعين في المماحكات السياسية. أما مواصفات المرحلة الانتقالية، فيمكن أن تمتد لستة أشهر أو سنة، مع تشكيل حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات دستورية كاملة، وأخيرا ما نأمله لمصر الغد هو أن تعود مصر للأمة ولدورها القيادي في المنطقة.