بئر زمزم تقع شرق الكعبة المشرفة أسفل صحن المطاف محاذية للملتزم، وهي بئر قديمة العهد ترجع إلى زمن إسماعيل عليه السلام. لما ترك هاجر عليها السلام زوجها إبراهيم عليه السلام مع طفلها، في واد لا زرع فيه ولا ماء، قالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لا يضيعنا. آنست بالله في الظلماء، حتى نفد ما لديها من زاد وماء، والطفل يتلوى حولها، تسعى فتبحث عن الماء، مهرولة بين الصفا والمروة، وإذا بجبريل عليه السلام يحمل الأمن إليها مسرعا، يبحث بعقبه في الأرض، فينبثق الماء، فجعلت تحوضه، وتغرف منه في سقائها، وهو يفور بعدما تغرف. في تاريخ بئر زمزم مجموعة من المحطات المهمة التي تطورت فيها، إلا أن أبرزها ثلاث، أولها في العام 1383 ه، عندما انتهت مرحلة استخدام الدلاء نهائيا لانتشال الماء من البئر واستبدلت بالصنابير، بعدما أمر الملك سعود رحمه الله بتوسيع المطاف، فخفضت فوهة البئر أسفل المطاف في قبو عمقه (2.7) م، يتم النزول إليه بدرج ينقسم إلى قسمين: أحدهما للرجال، والآخر للنساء، وتم تطوير البئر إلى أبدع ما يكون. والمحطة الثانية كانت في العام 1399ه عندما صدر أمر الملك خالد رحمه الله بتنظيف بئر زمزم على أحدث الطرق وأتم وجه بواسطة غواصين متمرسين، وكان هذا العمل من أعظم أعمال التنظيف في تاريخ بئر زمزم، ونتج عنه أن فاضت البئر بماء أغزر مما كان بكثير. والمحطة الثالثة كانت في مطلع العام 1400 م، وهي محطة التنظيف الثاني للبئر. وعن المحطتين الأخيرتين يتحدث الدكتور المهندس يحيى كوشك الذي قال ل«عكاظ» إنه جرى تنظيف البئر مرتين في عصرنا الحاضر وأتيحت لي فرصة المشاركة في المرتين، مشيرا إلى أن بئر زمزم ليست كغيرها من الآبار التي يمكن وقف استعمالها لفترة لتنظيفها. وعن المرة الأولى قال «بدأنا بقياس عمق البئر من عدة اتجاهات وكان العمق يتراوح بين 19.20 مترا و 19.80 مترا، ثم قمنا بوضع ثقل بطرف حبل سميك وإنزاله رأسيا في البئر لارشاد الغواصين اللذين ارتديا ثياب الغوص كاملة، حيث نزلا البئر وهما يحملان الكشافات وبعدما مكثا في الداخل نصف ساعة قدما تصورا لداخل البئر، وأفادا أن البئر مليسة من الداخل بعمق تسعة أمتار، وتوجد فتحتان تحت منسوب التلييس لم يستطيعا تحديد اتجاهاتهما وذلك لتوقف البوصلة، والبوصلة سليمة وتم توجيههما إلى استكشاف قاع البئر، فغاصا ثانية وعادا وأفادا أن هناك كميات كبيرة من المواسير الحديدية والسطول وأوعية من الصفيح وكان هذا سبب عدم اشتغال البوصلة». وأضاف «أثناء عملية الاستكشاف التمهيدية للبئر برزت بعض الصعوبات الفنية، فقد كان الغواصان يستخدمان أثناء عملية الاستكشاف اسطوانات الهواء المضغوط للتنفس في الماء وكانت كمية الهواء داخل الاسطوانة تكفي لحوالي ثلث ساعة وأكبر اسطوانة تكفي لمدة نصف ساعة، ومن المعروف أن الغواص عندما ينزل في الماء ينزل ببطء شديد ويخرج ببطء شديد وتستغرق عملية الهبوط والصعود بين 10 و15 دقيقة، لذلك لم يكن الغواص يستطيع البقاء في قاع البئر أكثر من عشر دقائق نظرا لقرب انتهاء اسطوانة الهواء المضغوط، وكان لابد من إيجاد وسيلة لتزويد الغواص بالهواء بصفة مستمرة، ورأينا الاستعانة بمضخات الهواء (الكومبرسور) لضخ الهواء للغواصين وهما يعملان داخل البئر». وتابع أن المشكلة الأخرى تمثلت في نقل المخلفات والطمي من داخل البئر إلى خارجه ولذلك استعنا ببرميل من البلاستيك وكان لابد من إيجاد وسيلة للاتصال بالغواص تحت الماء، وقد اشتريت أجهزة للتهوية هي قناع يرتديه الغواص يمكن توصيله بخرطوم الهواء وفيه سماعات. وقال «واجهنا مشكلة أخرى وهي كيف يتغلب الغواص على الحرقان الذي كان يحدث في حنجرته، نتيجة لعدم وجود الزيت المطلوب للكومبرسور، وقد اتضح أنه إذا شرب الحليب قبل نزوله إلى البئر لن يشعر بالحرقان». وأضاف أنه رغم هذه الصعوبات تمكنا من رسم قطاع للبئر وتحديد اتجاهات المنابع الرئيسية وحصر جميع المخلفات التي كانت فيه ووضعها في متحف خاص ببئر زمزم داخل بدروم الحرم. وعن عملية التنظيف الثانية قال الدكتور كوشك إن هذه العملية كانت بعد أحداث الحرم في الشهر الأول من العام 1400 هجرية، حيث تجمعت المياه الجوفية حول البئر ودخلت على البئر لانقطاع الكهرباء التي كانت تسحب المياه الجوفية من حول البئر، وكان من الضروري لضخ المياه الموجودة في البئر الاستعانة بمضخات غاطسة، وبالفعل تم تأمين بعضها وبدأ العمل بتركيب مضخة واحدة وتوصيلها بالتيار الكهربائي من خارج الحرم، وكانت هناك في نفس الوقت مضختان تعملان طوال ال 24 ساعة لضخ المياه من المنطقة المحيطة بالبئر. وأضاف أن المضخة الغاطسة استطاعت تنزيل الماء في البئر إلى منسوب خمسة أمتار فقط، وكان المطلوب تغيير كمية المياه الموجودة داخل البئر، وكشفنا مصادر البئر لفترة قصيرة وأخذنا عينات من المياه المتدفقة من المصادر الرئيسية في زجاجات معقمة، وتبين بعد تحليل هذه العينات أن المياه التي أخذت من جهة الكعبة المشرفة لا يوجد بها أي تلوث أو بكتريا. وتابع أنه بعد ذلك بدأت عملية تنظيف البئر وكانت الخطة الموضوعة هي ضخ المياه لتحل محلها مياه جديدة وكان يجري ضخ هذه المياه بواسطة خراطيم ضخمة تمتد عبر المسعى الى مجرى تصريف الأمطار، وواجهنا بعض المشكلات حيث كانت هناك سيارات كثيرة تعبر المسعى وتمر على الخراطيم فتقطعها، كما أن بعض الأشخاص كانوا يحاولون قطع هذه الخراطيم للشرب من ماء زمزم لأن منطقة بئر زمزم كان الدخول اليها ممنوعا في ذلك الحين، واستمرت عملية ضخ المياه من البئر لمدة يومين أو ثلاثة وبعد ضخ أكبر كمية من المياه من جميع طبقات البئر، أوقف الضخ ووضعت كمية من الكلور في مياه البئر وتركت لمدة 24 ساعة ثم بدأ تشغيل المضخات لضخ المياه وكان الغواصان يجدان صعوبة في التنفس أثناء العمل لضيق المكان داخل البئر وانتشار رائحة الكلور في الداخل ومع ذلك تم تنظيف البئر وأصبحت المياه نظيفة تماما، وأخذت عينات من جميع طبقات المياه وتم تحليلها والتأكد من نظافتها وكانت نتائج التحليل مطمئنة، وأعتقد أن البئر أصبحت من ناحية المياه والحوائط وغيرها أكثر نظافة مما كانت عليه في السابق، وبعد ذلك سمحنا بضخ هذه المياه إلى الخزانات العلوية لتمر بعمليات التعقيم بالأشعة فوق البنفسجية وليعود الحجاج والمصلون يشربون من ماء زمزم ونفوسنا مطمئنة.