لم تبدأ العناية ببئر زمزم منذ اللحظة التي أمر فيها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بأكبر مشروع لسقيا زمزم على مر التاريخ، بل هي مسيرة سعودية مباركة في الاعتناء بهذا الماء المبارك الذي جمع بين السماء والأرض. ففي عهد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود أمر أن يُعمل على حسابه الخاص سبيلان أحدهما بالجهة الشرقية مما يلي قبة زمزم على الجناح الجنوبي والثاني بجوار حجرة الأغوات من الجهة الجنوبية لبيت زمزم بجانب السبيل القديم المعمول في زمن سلاطين آل عثمان. و أمر الملك عبدالعزيز أن تجدد عمارة السبيل على نحو السبيلين اللذين سيعملان باسمه الخاص، و قام بهذا العمل الشيخ عبيدالله الدهلوي، فعمل كل سبيل بالحجر الرخام المرمر، وكتب على علوٍ من كل سبيل (أنشأه الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود)، وطُلي ذلك بالذهب، وصارت السُبل الثلاث، سقاية لمن يريد شرب ماء زمزم من أهل مكةالمكرمة، سواء من الحجاج والمعتمرين و الزائرين آناء الليل و أطراف النهار. وصرف على إنشائها ما يربو على 300 جنيه ذهب، وتم إنشاء السبيل مما يلي حجرة الأغوات سنة 1345ه، والآخر الذي يلي قبة زمزم سنة 1346ه. وفي سنة 1374ه شيدت بناية جديدة أمام بئر زمزم و في جزء من جانبيه، و هي عبارة عن جدران مسقوفة، فيها فتحات لشبابيك من الحديد، يستظل الشاربون تحتها وقد وضع إلى جانبيها صنابير (بزابيز) عدة يشرب الناس منها ماء زمزم. و قد عمل الدرج الموصل إلى أعلى البئر من الخارج بعد أن كان قبل ذلك في أصل البناء القديم وله باب، وقد كتب على الشباك الشرقي مما يلي باب القبة من الجهة الشرقية «ماء زمزم شفاء من كل داء»، ومكتوب على الشباك الجنوبي مما يلي باب قبة زمزم أيضاً «ماء زمزم لما شرب له - لا يجمع نار زمزم نار جهنم في جوف عبد»، و مكتوب على جدار قبة زمزم الشمالية مما يلي الجهة الغربية «وسقاهم ربهم شراباً طهوراً» بخط فارسي نقش على الحجر. وكان ماء زمزم في ذلك الزمن يستخرج من البئر بواسطة الدلو، وكان يوضع في حنفيات، و كل حاج يدلي بإنائه داخل الحنفية لكي يشرب منه كما كان هناك مغاريف ليغترف بها من ماء زمزم كل من يرغب في الشرب، و نظراً لما كان لهذه الطريقة من أضرار صحية و نتيجة للتطور الذي تشهده البلاد ارتأت مديرية الأوقاف سنة 1373ه طرح مناقصة لعمل مظلة أمام بئر زمزم يُوضع بها (خزانان) كبيران، و بكل خزان اثنا عشر صنبوراً. وأمرت المديرية كذلك بتوسعة مكان المكبرية التي كانت فوق بئر زمزم و عُمل سلم خارجي لهذه المظلة يوصل إلى المكبرية، و قد تم طرح هذا المشروع في مناقصة و رست على حمزة كوشك - والد الدكتور يحيى كوشك- بمبلغ عشرين ألف ريال. و قد وضعت مضخة غاطسة في البئر لاستخراج ماء البئر بطريقة وفيرة و نظيفة، وبعد رفع المياه بواسطة المضخة أصبحت مياه زمزم أكثر عذوبة لأن الدلاء كانت تأخذ من سطح الماء أما المضخة فتأخذ من عمق مترين تحت سطح الماء، وكانت المضخة تعمل بالكهرباء و ليس لها أي صوت يزعج الطائفين والعاكفين. وقد أدت الزيادة المضطردة في أعداد المسلمين في العالم عاماً بعد آخر، وظهور عدد من الدول الإسلامية المستقلة بعد الحرب العالمية الثانية، وتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية وسهولة السفر إلى زيادة أعداد الحجاج منذ العام 1355ه وحتى العام 1401ه، وقد شكلت هذه الزيادة عبئاً على الخدمات المحدودة في مكةالمكرمة خاصة، ما دعا المغفور له الملك عبدالعزيز إلى التفكير في عمارة وتوسعة المسجد الحرام. وقد بدأت العمارة العام 1375 واستغرقت 20 عاماً نظراً لضخامة المشروع، وقد شملت التوسعة الجهات الأربع للحرم، إضافة إلى التوسعة الداخلية للمطاف، ومع توسعة المطاف هدم البناء الذي فوق بئر زمزم، وخفضت فوهة البئر أسفل المطاف بالقرب من المحيط الخارجي لدائرة المطاف، بحده من ناحية الكعبة جدار نصف دائري يبلغ نصف قطره نحو أربعة أمتار، ويحده من الجوانب الأخرى حاجز مستطيل الشكل، ويمكن الوصول إلى منسوب الأرض المحيطة بالبئر عن طريق درج من الجهة الشرقية. وكانت المياه الفائضة من صنابير زمزم في حال استعمال دائم تتجمع في مجارٍ سطحية بجوار الجدار، صمم بتصريف نحو قسم النساء ثم تتجه غرباً، إذ تضخ إلى شبكة مجاري المدينة خارج الحرم. ويتكون الجانب الشرقي من البئر من هيكل من الصلب، وتمكن مشاهدة البئر من خلال القضبان، ويمكن الوصول إلى البئر خلال أبواب ثبتت في هذا الهيكل الحديدي، وهذه الأبواب عادة مغلقة. وتتصل شبكة توزيع مياه زمزم بخزان باب السلام، والبئر مركب عليها مضخات ذات طرد مركزي تدار بالكهرباء قوتها 20 حصاناً، وتمد خزان باب السلام بالماء في ماسورة من الحديد المجلفن قطرها 3 بوصات. وتشتغل المضخة بلا انقطاع مدة تراوح بين ست وسبع ساعات في اليوم، وذلك في غير موسم الحج ومتوسط الضخ 750 لتراً في الدقيقة. أما في موسم الحج فتعمل المضخات على فترات أطول. وخصصت وزارة الحج والأوقاف غرفاً في البدروم، لغرض تخزين مياه زمزم على نطاق ضيق في أوعية، وهذه الغرف متصلة بشبكة زمزم ومجهزة ببراميل معظمها معدني وفخاري لخزن الماء. وكان الزمازمة يملأون دوارقهم من هذه البراميل، ويقدمون الماء في أكواب بمرورهم بين زوار الحرم وحوله، أو بجلوسهم في أماكن معينة في منطقة الحصاوي حول المطاف ليشرب منها الزوار. أما في المشروع الجديد فإن مستودع التخزين يعمل بشكل آلي بواسطة نظام تقني متقدم من دون تدخل بشري للوفاء بحاجات المواطنين والمقيمين وقاصدي بيت الله الحرام من الزوار والمعتمرين وضيوف الرحمن في أوقات الذروة، إذ يتم تخزين واستخراج العبوات آلياً من خطوط الإنتاج بمصنع التعبئة عبر سيور ناقلة آلية تصل بين خطوط الإنتاج والجسر الناقل الذي يصل بدوره بين مصنع التعبئة والمستودع المركزي سعة 1,5 مليون عبوة. وتستخدم في هذا النظام أحدث أنظمة التخزين العالمية المعروفة باسم التخزين الآلي والاسترجاع الآلي AS/RS، إذ تدخل العبوات المنقولة عبر الجسر الناقل إلى المستودع المركزي بواسطة رافعات رأسية حمولة كل منها 2000 كيلوجرام، وتُخزن هذه العبوات في أماكن محددة ويُتحكم فيها وتدار عن طريق برنامج تخزين متطور، يتم من خلاله التخزين بحسب تاريخ الإنتاج وخط الإنتاج، ويتيح هذا البرنامج المتطور تحديد أولويات التوزيع بحسب تاريخ التخزين ونتائج الاختبارات الخاصة بالمياه المنتجة التي تتم في مختبر المحطة. وبهذا يبين التاريخ أن اهتمام الدولة السعودية بكل ما له علاقة بالحرمين الشريفين. هي خصلة جُبلوا عليها ويبقون مطبقين لمعنى مسمى «خادم الحرمين الشريفين».