تنثر إجاباتها بهدوء وعمق، تحملق في اتجاهات كثيرة لتتأمل الأشياء.. هكذا بدت الشاعرة والأكاديمية العمانية الدكتورة حصة البادي في حوارها الخاص مع «عكاظ» الذي أكدت فيه أن النقاد والأدباء انشغلوا كثيرا بالمصطلح النقدي على حساب اهتمامهم بالمنجز الإبداعي، وقالت إن غالبية الدراسات النقدية مأخوذة من دراسات أجنبية، مشيرة إلى أن الشاعرة بداخلها تحاول التخلص من سلطة الناقد.. الدكتورة حصة البادي تناولت العديد من المسائل الثقافية المهمة، وتحدثت عن المشهد الإبداعي في منطقة الخليج العربي.. فإلى تفاصيل حوارنا مع الشاعرة الدكتورة حصة البادي: يشتغل عدد من النقاد في الآونة الأخيرة على نقد الخطاب من جهة، وعلى الدراسات الثقافية من جهة ثانية، وعلى ما يسمى بالنقد الثقافي من جهة ثالثة. في ظل إشكالية المصطلح.. كيف تنظرين إلى هذه المسائل؟ أنا أرى أن انشغالنا بالمصطلح في العالم العربي أكثر من انشغالنا بالإبداع نفسه، وهذه أزمة حقيقة نعاني منها، ويمكن أن قليلا من النقاد والدارسين انتبهوا إليها، حتى الأسئلة الآن اغلبها يترتب على المصطلح وأين وصلنا بالمصطلح، ولذلك حتى كتاباتنا النقدية تحولت إلى مباريات في ابتكار مصطلحات جديدة، وحين نقرأ بحثا نقديا نجد أننا أمام مصطلحات مشتقة من ذاتها، وأغلب هذه الدراسات التي نتحدث عنها أغلبها مأخوذة من دراسات أجنبية، وهؤلاء الأجانب ليسوا منشغلين بهذا التنظير بقدر الكتاب العرب للأسف، يعني نجد هذه اللغة المتعالية ليس على قارئي النقد، بل حتى على المشتغلين معه في الكتابة النقدية. وهنا لا يصبح الهدف هو خدمة الإبداع وإظهار النص وجمالياته، وتصبح هذه الدراسات لعبة مفردات، وهنا تنشأ هذه الفجوة الوهمية، أتمنى مع الوقت أننا نتخلص من الانشغال بالمصطلح كلية وننشغل بالنص وتحليله، من خلال هذا التحليل نبتكر أدواتنا ونظرياتنا الخاصة بنا، وننشغل بالأدب، لا أن ننشغل بالاشتقاق المصطلحي، وكل منهم يتباهى، فمثلا، مصطلح التناص هناك من يقول: أنا الذي أسميته التناص، وهناك من يقول: أنا أسميته التعالق النصي أو التداخل النصي... وهكذا، طيب، ماذا أضفت بهذا المصطلح الجديد؟! فالمفهوم واحد. جاء في حديثك أن أغلب هذه الدراسات مأخوذة من دراسات أجنبية، ولكن ألا توجد لدينا دراسات نقدية أضافت لمشهدنا الأدبي والإبداعي؟ ما زلت أقول الآن النقد والإبداع بينهما خلاف، وحتى المبدع لا يقرأ النقد، غالبا ليس معنيا بقراءة ما يكتب عنه، وخصوصا الأسماء المتحققة منهم يعتقد سلفا أن الناقد في وادٍ وأنا في واد آخر، وأنا لست معنيا بما يكتب، وهو ليس معنيا بما أكتب، ويرى بعض المبدعين أن النقد مجرد عناية شكلية، وأن بعضهم يرون مستوى قصائدهم أكبر من مستوى النقد الذي قدم فيها، سلفا يفترض أن ما يكتب عن نصه ليس جديرا بالقراءة، فنحن لا نتحدث عن علاقة مشتركة والتأويل يفسد النص. حينما تكتبين نصا شعريا.. من ينتصر على الآخر، النقد، أم الشعر؟ وأنت مسكونة بالشاعرة؟ أحاول دائما أن أتحرر وأهرب من الناقد قدر الإمكان؛ لأنني اعتقد أنني لم أحسن التخلص من الناقد، أحيانا أدوات الناقد تقتل الشاعر، ويحبذ أن يكون الشاعر متحررا من قيود النقد، ويكون مع النص فقط، وعليه ألا ينشغل بأدوات الناقد. تبرز العديد من الأسماء في المشهد الإبداعي.. من يستحوذ على اهتمامك كناقدة وشاعرة؟ أنا مغرمة بالبحث، لا أقول عن مهمل، ولكن مسكوت عنه، أما هذه الرموز التي يروج لها الإعلام بشكل مبالغ به أقرأها وأتابعها، وأنت وأنا نعرفها لها نصيب، ولكن يعجبني أن اكتشف نصا لشاعر لم يعرف بعد، يعجبني أن اكتشف اسما جديدا .. ففي الهامش كثير من النصوص المسكوت عنها، ونستقطبها لدائرة الضوء، والنص يدل على الناص، ولكن إخراج نص غير معروف يضيف لي كناقدة. كيف ترين تفاعل طالباتك وطلابك في الجامعة وأنت تدرسين لهم مناهج الأدب؟ أخشى أن أقول كلاما يزعج الأكاديميين وأنا أكاديمية، ولكن أحيانا الوسائل التقليدية التي تلقينا عبرها العملية التعليمية جعلتنا نكرر ما وقع به غيرنا من أخطاء، وإن لم تكن هذه المادة بحب لطالباتي وطلبتي، بالتالي لا أتوقع منهم أن ينتجوا شيئا في هذه المرحلة بالذات مرحلة التهميش تهميش العلوم الإنسانية، وهي معاناة في كثير من دول العالم ككل، والعناية للتكنولوجيا والعلوم التطبيقية، وصار هذا العصر عصر السرعة لا مجال فيه للحديث عن جماليات فنية. لا بد من تعب على توصيل هذا الحب للطلبة قبل تأسيس المعلومة، علينا أن نزرع فيهم الفضول قبل أن نلقنهم معلومات، وأنا أشعر تجاههم بإشفاق. المنتج الروائي يبدو قليلا في سلطنة عمان مقارنة بدول خليجية أخرى.. ترى ما أسباب ذلك؟ نعم، قليلة مقارنة بدول في مجلس التعاون الخليجي، ولكن في الآونة الأخيرة بدأ يظهر حراك سردي على مستوى الخليج، أقول فطوال فترة الصمت خزل الكثير من الحكايات في هذه الفترة؛ لأنه يتكئ على الموروث والمحكي واستخدام توظيف التراث طبعا وبكثافة أكثر، من قبل، كان عدد الروايات محدودا، وكان يعد على أصابع اليد الواحدة، ولكن مؤخرا العدد بازدياد، الكاتب العماني لديه أدوات الكتابة، ولكن يعاني من ما يحسبه تواضعا، وهو في الحقيقة تهميش لتجربة يعتقد أنه ليس جاهزا بعد للكتابة، يعني ليس مستعدا للنشر، وهذا يؤجل حتى تطور كتابته، لا بد أن تخطئ حتى تصيب، والآن الانفتاح الإعلامي بينهم وبين دول الخليج ومع الدول العربية والعالم بوجه عام، وللأسف، هناك الآن نسخ مكررة في التجارب لأجيال تكتب الرواية. ما أبرز الأعمال الروائية مؤخرا في سلطنة عمان؟ هناك هدى الجهوري وبدرية الشحي كانتا ملفتتين في معرض الكتاب، في مسقط أيضا من كتاب القصة سليمان المعمري. الكاتب العماني اليوم في ظل المتغيرات.. ما الوجع الذي ما زال ينتصب في طرقاته؟ أعتقد أنه ربما يكون هما عربيا إن لم يكن إنسانيا، لا بد من وجود هذا الوجع لتوجيه نواة الكتابة، وهي من ملاحظة لدينا قلة الأعمال الروائية والقصصية، ولكن هناك وجع، فمثلا الروائية العمانية هدى الجوري وهي تكتب معاناة الفتاة في حالة الرعي واستخراج الماء من البئر القديم كانت تطرح عليها الأسئلة في الملتقيات الخليجية بأنها كانت تتحدث عن جدتها، وهي ترد: تقول أنا أكتب عن حكايتي أنا؛ لأن المشهد ما زال موجودا في عمان، في حين يظن العديد من أبناء الخليج أنه غير موجود، فالوجع موجود وأشكاله كثير. كمتابعة للمنتج الروائي في المملكة العربية السعودية كناقدة وأكاديمية من يعجب الدكتورة حصة البادي؟ أحاول أن أكون دبلوماسية في الإجابة، لكن ثمة أعمالا هي نسخ من روايات عربية أخرى، وأنا أثني على الجرأة في اقتحام التجربة السردية، وأعتقد أنها ظاهرة صحية لأن الوقت سيغربل الغث من السمين، لكن ما يزعجني أحيانا هذا الاحتفاء الإعلامي بتجربة هي عبارة عن نسخة مشوهة لروائية أخرى قد تكون عربية أو عالمية، وتصوير هذا المنجز إما تهويلا أو تحقيرا، والموضوعية وهم في تناول الأعمال الروائية، هذه هي الحقيقة، ولا ينبغي للناقد أن يكون مجاملا، خصوصا في ورقة نقدية، ولكن يجوز له أن يكون دبلوماسيا في الصحافة.