أعلن الدكتور عماد أبوغازي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة عن إطلاق ملتقى القاهرة الأول للدراسات النقدية. جاء ذلك في ختام فعاليات الندوة الدولية للنقد التي أقيمت بالمجل الأعلى للثقافة بالقاهرة، حيث أشار أبوغزي إلى أن الملتقى الجديد سيكون إضافة إلى ملتقات الشعر والرواية والقصة القصيرة ولن يقتصر على مجال النقد الأدبي فقط، بل سيكون ملتقًى للدراسات اللغوية في الآداب والفنون التشكيلية والموسيقى والسينما والمسرح، مبينًا أن الملتقى سيصاحب الإعلان عن جائزة القاهرة للدراسات النقدية. كما استغل أبوغازي توقيت الندوة لإعلان جائزة طه حسين للدراسات النقدية التي يمنحها المجلس لأول مرة وذهبت جائزة عام 2010 إلى الناقدان الدكتور محمود الضبع والدكتور عماد عبداللطيف. أزمة النقد وكانت جلسات الملتثى قد شهدت محاولة النقّاد للوصول إلى تعريف لأزمة النقد العربي تمهيدًا لحلها قبل تفعيل مسعاهم نحو نظرية عربية في النقد الأدبي، ولكن ما لبث أن تذكر الشاعر والناقد الفلسطيني عز الدين المناصرة خلال مائدة مستديرة عقدت في ختام الندوة الدولية “للنقد الأدبي والواقع الثقافي” أنه منذ دراسته الآداب في الستينيات وهو يسمع عن أزمة النقد، حيث قال “لم أسمع في مرة أنه لا يوجد أزمة ومازلنا إلى الآن نتحدث عن الأزمة وكأنها حالة طارئة”، وعقّب عليه الدكتور أحمد درويش مقرر الندوة بقوله: “يبدو لي من واقع الجلسة والمناقشات التي دارت بيننا أنه لا توجد لدينا أجوبة على أزمة النقد الأدبي، فالواقع أننا فى أزمة تتبع سلسلة من الأزمات، وعلينا كنقاد أن نواصل محاولة الإجابة على هذه الأسئلة”. ونسب الناقد التونسي الدكتور عبدالسلام المسدي أزمة النقد إلى أربعة أسباب أجملها في أن هناك أزمة مفتعلة بين المبدعين والنقاد وأسماه بصراع ظاهري بينهما. لعبة البراغيث الحوار المكرر بين النقاد أدى إلى تعليقات جانبية في جنبات الندوة التي استمر ت لمدة ثلاث أيام بالمجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، فناقد سوري يقول: إننا نتفق في معظم الأحاديث ليس لأننا نملك آراء متشابهة ولكننا لا نعرف أننا مختلفون، فيما وصف الناقد المصري الدكتور عماد عبداللطيف ما يحدث في الجلسات النقدية لعبة كانت موجودة في السيرك الأمريكي في الثلاثينيات تسمي “علبة البراغيث”، ماضيًا إلى القول: أري ما يحدث الآن مثل لعبة كانت تؤدي في سيرك أمريكي حين وضع لاعب مجموعة من البراغيث داخل علبة كبريت صغيرة ودرّب البراغيث على ألا تقفز أعلى من حافة العلبة وإلا خرجت منها، فنحن ندور أيضًا في هذا الإطار، وندور كثيرًا حول أزمة النقد دون أن نحاول القفز فوقها ونجد لها حلولاً منطقية. جهود ضائعة وقلّل الناقد المصري الدكتور جابر عصفور في المحاضرة الافتتاحية للندوة من أهمية تصدي الأكاديميين العرب لتدشين نظرية عربية في النقد العربي معقبًا على كلمة الدكتور أحمد درويش مقرر الندوة إلى مقترح مؤتمر دولي عقد قبل عامين للوصول إلى نظرية عربية للنقد الأدبي. يقول عصفور: لا نستطيع التكريس لنظرية نقدية عربية، لأن النظرية لا تنتسب إلى دين واحد أو قومية لكنها تنتسب إلى عنصر تكويني مثل البنيوية أو التفكيكية، ويمكن أن يكون هناك اتجاه عربي يتبنى نظرية نقيدة ويحملها مجموعة من الهموم القومية فتبصح النظرية ملكًا له وليس لمؤلفها الأوروبي أو الأمريكي. كما انتقد عصفور تراجع دور النقد الأدبي مما أثر على الذائقة العامة وأدى إلى انتشار أنواع من الأدب والفن غير ذائقة المجموعات القرائية، مشيرًا في كلمته إلى رواية “بنات الرياض” للأديبة السعودية رجاء الصانع بقوله: “أعتقد أن اختلاف الذائقة الجمعية يمكن أن يفرز نوعًا مختلفًا من الأدب والفن يرضي هذه الذائقة وتكاد تختفي أمامها الأعمال الرفيعة ويصعب إدراك قيمتها في وقتها، وقد يكون هذا أحد أسباب انتشار رواية “بنات الرياض”، ويجعل أحد أهم موسوعات الأدب في العالم ”بينجيوين” تطلب ترجمة الرواية إلى الإنجليزية، وأبلغني صديقي المترجم الأمريكي أنه رفض ترجمتها لأنها أقل قيمة من أعمال عربية كثيرة ترجمها من قبل”. ودعا عصفور إلى تمسك النقاد بمبدأ القيمة الأدبية في تقييم النصوص الأدبية، وتساءل خلال المحاضرة الافتتاحية للندوة الدولية للنقد الأدبي والواقع الثقافي “هل وظيفة الناقد أن يكون قارئًا ممتازًا ينقل الرؤية لقارئ عادى؟”، وأضاف “المذاهب النقدية المعاصرة قد صرفت النقّاد عن مسألة القيمة، وهو ما أدى إلى أن ينسى الناقد أصل كلمة نقد قديمًا في اللغة عندما كان يعرف بنقد الصيارفة وهى التفرقة بين العملة الزائفة والعملة الأصيلة، وأعتقد أن نسيان الناقد لمسألة القيمة أدت إلى فساد الحياة الأدبية والثقافية، ولا يوجد ناقد الآن يستطيع أن يقول لفاروق جويدة مثلاً إنه لن يصل لقيمة صلاح عبدالصبور أو روائي ما أنه لن يقترب من مستوى نجيب محفوظ، وأصبح النقّاد يكتبون مجاملة في المقلات النقدية في الصحف”. تغريبة التناص والقي الناقد السعودى الدكتور سعيد السريحي ورقة بحثية في الجلسة النقدية الأولى للندوة حول “مخاتلة البلاغة للنقد الحديث.. تغريبة التناص نموذجًا” جاء فيها قوله: “إذا كان الإرث البلاغي والنقدي يشكّل إغراءًا لكثير من الباحثين التقليديين الذين لا نكاد نجد في ما يقدمونه من دراسات غير ما يزيد عن أن يكون استنساخًا لذلك الإرث فأنه يشكّل إغوائًا لباحثين آخرين يقدّمون أنفسهم باعتبارهم منتمين إلى اتجاهات الحداثة وما بعدها فيما لا تتجاوز الحداثة وما انبثق عنها من نظريات لغوية ونقدية لديهم استخدام مصطلحات يتوازى خلفها ضرب من التفكير لا يكاد يختلف عن تفكير الذين وقفوا جهودهم على استنساخ الإرث البلاغي وإضافة شرح له ولعل التقليديين أكثر وضوحًا من الذين تحوّلت دراساتهم إلى حجاب يحول دون الوعي الصحيح بالمناهج الفلسفات التى تنتمى إليها الالنظريات الحديثة. النعمى والمشري مشاركة الدكتور حسن النعمي تمثلت في تقديم قراءة بحثية حول الروائي السعودي عبدالعزيز المشري كنموذج للمبدع الناقد، حيث قال: “إن ممارسه المبدع للنقد تتسم بالمفارقه بين وعيه بالكتابه بوصفه مبدعًا وانشغاله بالتنظير، وكتاب المشري “مكاشفات السيف والوردة” كتاب تنظيرى في كيفية الكتابة الروائية واشتراطاتها الموضوعية وقد قاده هذا الكتاب إلى الإسهام بتطبيقات نقدية على بعض نصوصة السردية. فوعي الكاتب بالنظرية السردية والنقدية ضرورة لإبداعه وتدخل في جانب الفضلة المعرفية التى لا تضيف ولكنها لا تضر وأضاف النعمي: الواقعية هى المنهج الذى تنباه المشري، وأمام كتاباته نحن نكون أمام واقعية وتمثيلاً موضوعيًّا للواقع الاجتماعي، كما إنه دعا إلى اتخاذ الواقعيه كاستراتيجيه وتبني الواقعية ومواكبته في النصوص الإنجليزية المترجمة، فرواية “البشرى” ليست آليه مطلقة لتسجيلها، فهي واقعية عاشها الكاتب عن كثب وهنا تظهر الرؤية السردية؛ بالإضافة إلى اهتمامه بقضية التحوّل الاجتماعي، ودأب البشرى على التبصير عن التحوّلات وما أحدثه في بنية المجتمع. وأشار النعمي إلى أن من يقرأ للمشري يخرج من قراءاته بأنه يكتب ليوثّق وتتحوّل الرواية عنده لتسجيل نمط العادات، فهو يمارس الكتابة بوعي وليس بالضرورة الكتابة النقدية، وبالتالي انعكست الرؤية السردية في كتاباته. أنيميا ثقافية وأشار الناقد الدكتور أحمد درويش أستاذ النقد الأدبي بدار العلوم ومقرر الندوة التى أهديت دورتها الثانية إلى الناقد المصري الراحل “محمد غنيمي هلال” إلى شيوع ظاهرتين تبدوان في لغة النقد العربي المعاصر تشف الأولى عن نوع من “الأنيميا الثقافية” والتخمة الثقافية أحيانّا ويبرز ذلك في سياق قوله: “تبدو أحيانّا ثقافة الناقد وكأنها عاجزة عن مجاراة ثقافة النص، ويحاول هذا النقد التعويض من خلال اللجوء إلى التعميم أو الجنوح إلى محيط العمل الأدبي السياسي أو الاجتماعي ليفرغ فيه قصوره النقدي، والظاهرة الأخرى الأشد خطورة هى التخمة الثقافية أو التظاهر بها حين يستعرض الناقد مصطلحات غالبًا ما تكون أجنبية أو لغة أخرى من لغات الإبداع، ويحاول الناقد أن يستخدمها دون أن يكون النص قد استدعاها أو هيأها الناقد لاستدعائها وتكون النتيجة أن يختفي النص الإبداعي تحت ثقل النص النقدي. وأضاف درويش: “الأسئلة التى طرحتها دورة الندوة الأولى قبل عامين تحت عنوان “نحو نظرية عربية في النقد الأدبي” ما تزال مثارة وهي أبعد ما تكون عن الدعوة إلى الابتعاد عن ثقافة الناقد العالمية المسمتدة من الاطلاع المباشر على الابداع ونقده في لغات أخرى.