تتربع «الحسوة» على ارتفاع 2700 قدم شرق محافظة رجال المع، آسرة بمناظرها الخلابة وأجوائها الساحرة، وجمالها الأخاذ وصورها كمعشوقة تعانقها السحب وتلتف حولها في منظومة أشبه بقصة غرامية، وتلك القصة تمتد أيضا بينها وبين سكانها. إلا أن واقع الحال في الحسوة يصطدم بالألم ويشوه تلك الصورة العاطفية، ويحيل علاقتها بإنسانها إلى «فراق» قسرا، فبالرغم من غياب أبرز الخدمات الأساسية عن المركز، إلا أن نزوح سكانها بات حتميا وواقعا مريرا في ظل سوء خدمة الطرق ما أثر في تضييق صلتها بالمراكز. وعقبة الشقة على مسافة تسعة كيلو مترات من الطريق الرئيس إليها من محافظة رجال المع، ويخالج العابر في منحنيات العقبة التي أنشئت منذ ربع قرن تقريبا شعور بأن أجله بات وشيكا، وما يزيد هول هذه الهواجس والمخاوف افتقاد العقبة للصيانة او التجديد منذ إنشائها، بل يكون الأمر في قمة سوئه مع هطول الأمطار التي تصاحبها انهيارات صخرية على الطريق. وبين هذا وتلك تغيب مسؤولية القطاعات عن متابعة الطريق، بحجة عدم الاختصاص كما كشفت إدارة النقل في المنطقة من جهة، وعن عدم معرفة أمين عسير بالطريق من جهة أخرى، في الوقت الذي يحصد فيه الطريق دماء الأهالي. وبحسب نائب رئيس المجلس البلدي في محافظة رجال ألمع فايع يحيى سعد الحياني، فإن المركز هجره أهله بسبب غياب الخدمات فبعد أن كان عدد السكان أكثر من 30 ألف نسمة، أصبح تعدادهم لا يتجاوز 7 آلاف، فمعظم الأهالي تركوا المركز وتوجهوا إلى مناطق أخرى تتوفر بها خدمات، وما زال الكثير منهم يزورون المنطقة بين وقت وآخر لتعلقهم بها وجدانيا. ويشير الحياني إلى أن الأهالي يضعون يوميا أياديهم على قلوبهم بعد نهاية اليوم الدراسي ومغادرة الطلاب والمعلمين والمعلمات القادمين من خارج المركز والعابرين لعقبة المشقة، فبات سماع أخبار الحوادث والمآسي أمرا حتميا في كل يوم. ويكشف أحمد مساعد من السكان عن بطء مشروع إنشاء نفق حسوه والذي سيربط المركز برجال ألمع والمناطق المجاورة، حيث تجاوزت مدة تنفيذ وتسليم المشروع، فمن المقرر أن يتم الانتهاء منه عام 1432ه، إلا أنه وإلى الآن لم ينفذ منه إلا أجزاء محدودة من مساره، مضيفا أن الطرق تعد الشريان الأساسي للتنمية فعندما تتوفر الطرق الميسرة إلى أي موقع تصل كافة الخدمات الأخرى، فضلا عن الاتصال التجاري والثقافي والاجتماعي مع المراكز والقرى المجاورة. ويتذكر الحياني ما كان يردده أهالي المركز قديما، فكانوا إذا ذهبوا إلى خارج المركز للتجارة أو الحج، يلاحقهم القلق والتوتر في العودة مرورا بالطريق القاتل، ومن هنا سميت العقبة باسم «المشقة». وأضاف الحياني، يعاني المركز أيضا من غياب شبكة رئيسة للمياه فضلا عن عدم وصول صهاريج المياه إلى المركز بسبب سوء وخطورة الطريق، ما أجبر الأهالي على الاستهلاك من مياه الآبار المحلية والتي لا تخلو من الشوائب الضارة صحيا. ويعكس حصول المعلم يحيى علي الجرعي، من سكان نصيب على المركز الثاني في جائزة التميز في وزارة التربية والتعليم على مستوى المملكة، مدى الاهتمام العلمي لسكان مركز الحسوة، فالتعليم متوفر في مراحل التعليم الابتدائي والمتوسط الثانوي للبنين والبنات، ويبدو للزائر أن المنشآت التعليمية النموذجية مقامة على سفوف جبال الحسوة لتقديم العلوم لكافة أبناء المركز، إلا أن الجرعي يرى أن مشكلة المركز تكمن في المقام الأول في سوء خدمات الطرق وتحديدا عقبة الشقة، مضيفا أن المركز يفتقد لخدمات الدفاع المدني والهلال الأحمر، فكثير من الحوادث المرورية والحرائق يقف عليها سكان المركز، ولا أستطيع تذكر حالات الوفاة التي وقعت جراء الحوادث المرورية في عقبة الشقة، لعدم مقدرة السكان على إسعاف المصابين وعدم درايتهم بطرق التعامل مع المصابين. وللمعلمين والمعلمات المعينين في مدارس المركز حكاية ومعاناة أخرى، فأغلبهم يقطعون العقبة طلوعا ونزولا يوميا للوصول إلى المدارس، بل امتدت معاناتهم إلى أبعد من ذلك، وكما يصفها المعلم محمد الألمعي أن جميع المعلمين والمعلمات لا يتقاضون «بدل جبلي» رغم أنهم يوميا في مواجهة طريق الموت، رغم أن البدل يحصل عليه معظم منسوبي التعليم في مناطق مجاورة أقل خطورة، مضيفا أن بعض المعلمين رفعوا شكوى إلى وزارة التربية والتعليم لصرف البدل، وبدورها أحالت الوزارة المعاملة إلى وزارة الخدمة المدنية التي أوفدت لجنة للوقوف على أوضاعنا إلا أن اللجنة للأسف رأت أننا لا نستحق البدل. «عكاظ» رصدت ميدانيا بالصورة واقع مركز الحسوة، وبدا لها من أول وهلة حقيقة ما يتردد عن نزوح الأهالي وهجرتهم إلى مراكز وقرى مجاورة تتوفر فيها مقومات الحياة الرئيسة، حيث بدت الشوارع والممرات خاوية من السكان، ويعم المكان الصمت سوى من بعض العمالة في محلات تجارية وفي أعمال الزراعة والري، في حين توسد بعض كبار السن الطرقات يتحسرون على واقع حالهم بنظرات مكسورة صوب البيوت التي هجرها سكانها، وغاب معهم التواصل والعلاقات الاجتماعية في المركز. اختصاص البلدية مدير عام الطرق والنقل في منطقة عسير المهندس علي بن سعيد بن مسفر قال: إن صيانة وسفلتة طريق عقبة الحسوة، من اختصاص البلدية كونها الجهة المنفذة للطريق، مضيفا أن أي جهة حكومية من مسؤولياتها متابعة مشاريعها التي تولت تنفيذها. وبدوره، أوضح أمين منطقة عسير المهندس إبراهيم بن محمد الخليل عن عدم علمه عن مشروع عقبة الحسوة، وأضاف لابد من الرجوع لرئيس البلدية في رجال ألمع.