أوضح المستشار القضائي الخاص والمستشار العلمي للجمعية العالمية للصحة النفسية بدول الخليج والشرق الأوسط الشيخ الدكتور صالح بن سعد اللحيدان أن كثيرا من النقولات العلمية أو النقدية أو الثقافية التي يطرحها بعض العلماء والمثقفين والنقاد تفتقد التوثيق وتبيين مصدرها المنقولة منه، مثل الدليل أو التعليل، مشيرا إلى أن هذا عور بين يجعل المطروح يفتقر إلى النواهض التي لا بد منها، مضيفا «هذه دعوة مني لكافة العلماء والباحثين والمثقفين لمراعاة ذلك، إذ هو أمر من لازمه خلود العمل المدون». وقال الشيخ اللحيدان ل«عكاظ الأسبوعية»: «هناك خلط واضح رأيته وتكرر خلال قراءتي لكثير من الأطروحات والفتاوى والأعمال الثقافية في الهيئات والمجالس العلمية والصوالين الثقافية؛ ذلك هو الخلط الإنشائي الذي قد يكون تأثيره مؤقتا فيما يتم تناوله». وأضاف معقبا: «إن الطرح الإنشائي في المسائل العلمية العالية والثقافية المؤصلة والنقدية الجيدة لا يحسن أن يكون، ولعل العجلة وكثرة التنقلات وتضارب معاني الأدلة والمفردات من أهم الأسلوب الإنشائي الممل حتما، والذي يبحر بالتالي إلى ضحالة الفكرة والرأي حتى وإن كانا جيدين». وتطرق الشيخ اللحيدان إلى ما طرحته «عكاظ» نهاية الشهر الماضي فيما يخص «اللغة العربية»، وما تم حيالها في جامعات مجلس التعاون الخليجي، مبينا أن اللغة العربية أصل في المسار العلمي ومسيرة الثقافة، حتى أن البخاري ومسلم والدارقطني والقرافي وابن فرحون وابن قتيبة والسخاوي والسيوطي وابن خلدون وابن حجر كانوا إذا زل الواحد منهم بمفردة ما أو عبارة ما أعادوها جذعة، مشيرا إلى أنه أولى اللغة جل الاهتمام والوقت وواسع النظر، معقبا بقوله «لا جرم، فإن هذه الفعاليات الجيدة المنطلقة بشعور من المسؤولية وشدة حرص على هذه اللغة لا يمكن للعلم ولا الثقافة أن يقوما بها واضحة بينة». وأضاف الدكتور اللحيدان: «الذي أود تناوله في هذا الصدد هو ضرورة التجديد الجيد في المسار اللغوي بإضافات غير مسبوقة، ولا سيما أنه قد دخل اللغة ما دخلها من لهجات وعبارات ليست منها سبب هذا البلبلة وركاكة النطق ورداءة الكتابة». وطالب اللحيدان بشدة التوصيات للمعنيين عن العلم والثقافة والإعلام لتدارك السبيل للحفاظ على اللغة العربية نطقا وكتابة، مؤكدا أن اللغة العربية ما كانت كذلك خالدة أبدا لولا حفظ الله جل وعلا لها بحفظ كتابه الكريم، ثم بما يقوم به كثير من المعنيين من العلماء عبر القرون لتثبيتها والمحافظة عليها حسا ومعنى. وقال الشيخ اللحيدان معقبا: إلا أن بعث أصول اللغة والنحو وأساسيات البلاغة مع الإضافات المتجددة هذا أمر هو «بيت القصيد» في هذا كله، ولهذا جاء اهتمام «مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية»، الذي لعله يبعث أصول ما يجب أن يبعث، ويثير ما يجب أن يثار نحو اللغة العربية وآلياتها التي لا تنهض إلا بها تماما، فحينما أسس السيرافي شرحه على «كتاب سيبويه»، وحينما وضع ابن هشام شرحه على «ألفية ابن مالك»، وما فعله ابن عقيل، وحينما أسس ابن العربي تفسيره للقرآن الكريم في كتابه «الأحكام»، وكذلك فعل الشوكاني. وأوضح اللحيدان أن «هؤلاء العلماء حينما قاموا به إنما قاموا به من منطلق حي قادر موهوب بصياغة استقامت بها حال الأمة على تجرم العهود، وكذلك لثقل لما قاموا به من تنوع جديد وقفزات سديدة في مجال توظيف اللغة توظيفا محمودا بقي من جاء بعدهم عالة عليهم ما لم يأت مثلهم بجديد حميد». وأضاف قوله: «حينما قام شعبة بن الحجاج ويحيى بن سعيد القطان ومحمد بن بشار وأبو بكر بن أبي شيبة والقاسم بن أبي شيبة وحمادة ابن سلمة وحماد بن زيد، حينما قاموا بهضم اللغة ودلالاتها على المعاني ووظفوا مسيرتها لبيان العلم وأحكامه والآداب ومعانيها أصاخ لهم الناس ودونت آراؤهم على تتالي الدهر». وقال الشيخ اللحيدان: «إذا كان العلم والأدلة والأدب والثقافة وأصول النقد ومعطيات الحياة لا تنهض إلا بمعرفة اللغة وأساسياتها ودلالاتها على معاني القول، وإذا كان التجديد في مساراته كلها إنما يكون من خلال اللغة، فإن المرء أيا كان بحاجة إلى هذه اللغة مثل حاجة البدن إلى الهواء والماء سواء بسواء». وأكد أن إقامة مؤتمرات للغة العربية في جامعات دول مجلس التعاون بادرة خير ونور، إلا أن المحصلة التي ينشدها العمل هي التجديد، والحماية، وقوة التوصيات والتأكيد على القيام بها، وفتح الباب أمام الباحثين والمحققين والكتاب الذين يهتمون باللغة أو أولئك الذي يزاولون الكتابة في صنوف العلم والثقافة، موضحا أن «كل هذا يبحر تبعا إلى إثراء اللغة ودوام سيرها من خلال شدة العناية بها وحمايتها وما يكون هذا مما قد يتولد من رأي ونظر واجتهاد جديد تحمد عقباه في هذا الحين المحتاج إلى البذل والعطاء وتوليد ما عساه أن يكون فتحا تنهض بسببه الأمة المسلمة وتكون على ما كانت عليه قبل حين».