وأنت في طريقك إلى قصر بن سليمان في حي الشرائع في مكةالمكرمة تستعيد من أرشيف الذاكرة ملامح القصور التاريخية التي ما زالت تقاوم تصاريف الزمن، وكيف أن برحاتها وردهاتها كانت تعج بنبض الحياة في السنين الخوالي، وكيف أنها في الراهن أصبحت غرفا ساكنة وموحشة يمشي الصمت في مفاصلها. ويعتبر قصر بن سليمان من أبرز المعالم التاريخية والأثرية في ضاحية الشرائع العليا شرق مكةالمكرمة، هذا القصر الذي تجاوز عمره نحو 90 عاما إلا أنه لا يزال شامخا بتصاميمه البديعة الفريدة وبطرازه الإسلامي العريق، ليحكي للأجيال الحديثة عظمة التاريخ. وهو أحد القصور الأثرية التي عاصرت بداية العهد السعودي، وهو أحد القصور القديمة التي شيدها عبدالله بن سليمان وزير الدولة في عهد الملك عبد العزيز -رحمه الله- ويقع على طريق مكةالطائف من جهة السيل، وهو قصر منيف يقع على ربوة عالية. ويقال إن القصر شيد على ربوه عالية ويشرف على عدد من المزارع التي تحيط بالقصر لغرض التنزه، وهو يقع فيما يسمى الآن بحي الشرائع العليا شرق مكةالمكرمة. وأكد الدكتور فواز الدهاس المشرف العام على إدارة المتاحف بجامعة أم القرى وأستاذ التاريخ والحضارات الإسلامية على ضرورة الاهتمام بالقصور التاريخية التي تقع في منطقة مكةالمكرمة، وحمايتها من العبث والتلف، خصوصا أن تلك القصور تحكي وقائع مهمة تمتد من عصر الإسلام الأول وحتى تاريخ الدولة السعودية. وقال الدهاس إن هناك العديد من الآثار المعاصرة لهذا القصر التي أصبحت عرضة للتلف والعبث من بعض الذين لا يعرفون قيمة الآثار، لذلك فإننا نلتمس من هيئة السياحة والآثار وهي الجهة المعنية بحفظ الآثار أن تعطي لهذه المواقع اهتماما للحفاظ عليها أو ترميمها والعناية بها. وأضاف أن ما يميز هذا القصر هو وقوعه بجوار المكان الذي وقعت فيه معركة «حنين»، كما أن هذه المنطقة شهدت المشروع العملاق الذي تبنته السيدة زبيدة زوجة هارون الرشيد، وحولت مياه المزارع من آبار وعيون في تلك المنطقة إلى مكةالمكرمة لسد حاجة أهل مكةالمكرمة والحجاج. وأشار الدهاس إلى أن حول قصر بن سليمان يوجد العديد من المزارع التي كان بعضها ملكا له وكانت محطات ينزل فيها ضيوفه سواء كانوا قادمين من مكةالمكرمة أو في طريقهم إلى الرياض، حيث كانت هذه المنطقة تعتبر الظهير الزراعي لمنطقة مكةالمكرمة، إذ يجلب منها جميع الخضراوات الورقية من الليمون والموز، الذي يوجد بكثرة في منطقة «الزيما» القريبة منها التي كانت تهتم بالمنتجات الزراعية التي تتوافر في هذه المنطقة. والقصر يتكون من عدة غرف ومجلس كبير للضيوف وقد بني بالحجارة، كما روعي في اتخاذ موقع القصر أمران، أحدهما أن يكون في منأى عن السيول الجارفة وهو يقع في وادي إبراهيم، والسبب الآخر ليعطي منظراً خلاباً للمزارع التي تحيط بالقصر من كل الجوانب، مؤكدا أن مجرى المياه مصمم بشكل هندسي جميل، ومن الطريف أن منبع عين حنين يبدأ من جبال عالية تسمى بالصدر، حتى تصل إلى قصر بن سليمان.