تفيض ملاعب الحواري والأحياء في مدن المملكة بالمواهب الرياضية الفذة التي ما فتئت تحرث الميادين الترابية عرضا وطولا، تداعب المستديرة بثقة ومتعة وقد طوقتها الأحلام والأمنيات بأن تبصرها أعين الكشافين أو مدربي الأندية، ولطالما ظل هاجس المحسوبيات في مدارس الأندية الكبيرة وغياب الفرصة الحقيقة والأكاديميات الفعالة عائقا بينهم وبين عالم الأضواء والاحتراف والنجومية على حد وصفهم، وهو ما دفع بعضا منهم إلى الارتكان للمشاركة في دورات الأحياء والحواري فقط، مفضلين الركض على مسطحات التراب عن اللعب في المعشبات الخضراء لحيثيات يرونها الأجدى لهم هربا من قيود الانتظار والترقب واستجداء الفرصة. يقول أحد مواهب هذه الملاعب سلطان الأسمري: لهذا الجيل طموحات وأحلام كبيرة على المستوى الرياضي تتجاوز في كثير من الأحيان حدود المحلية إلى العالمية عبر بوابة الأندية الكبيرة، غير أن كثيرا من العراقيل تحول بينه وبين سبر أغوار النجومية ودائما ما نصطدم برفض الأندية لنا في وقت نحتاج فيه إلى الصقل والدعم وفي أقل الأحوال الفرصة، فمن غير المنطق أن يتم الحكم من أول تجربة وتسريحنا مبكراً، فالقادمون من الحواري يترقبون فرصة كاملة ويعيشون تحت الضغط النفسي فضلا عن اختلاف طبيعة الملاعب إذ من الطبيعي أن تكون مشاركة لاعب الحواري في أول تدريب في الأندية الرسمية محفوفة بالخوف والارتباك وبسببها قد لا يظهر في المرة الأولى بالمستوى المقنع ثم يفاجأ بتجميده في التدريب الثاني بل وتطفيشه حتى لا يعود مرة، ولو منحنا ربع الفرص التي تمنح لمحترفين أجانب يكلفون الأندية الملايين من الخسائر المادية فضلا عن الخسائر الفنية وتم توجيههنا بشكل صحيح لكسبت الأندية مواهب لا تعد ولا تحصى ولنا في بعض الحالات تجارب، فكم من لاعب طرد من ناد وهمش لكنه تألق في آخر وبينهم من يستقطب الآن بملايين الريالات. بينما يقول الموهبة حمود الحربي لطالما كنت أحلم بالانضمام لناد معروف ألا أنني بصراحة أصبحت أفضل اللعب في الحواري؛ فقد صدمت بسرعة الحكم على مستواي خلال فترة قصيرة ومن أول تدريب حيث لم أستطع أن أقدم خلال هذه الدقائق المعدودة كل ما لدي من إمكانات ومن ثم طلب مني عدم المجيء مرة أخرى رغم أنني أثق في قدراتي وقادر على تقديم المستوى الذي يشفع لي بالتسجيل في النادي ولكن للأسف لم أمنح الفرصة الكافية كما أن الاعتماد على الرأي الفردي والشخصي مقصلة لحظوظنا في الاستمرار. ويتحدث فهد العتيبي قائلا على مستوى الحواري في منطقتي يعرفني الجميع وأنا مجبر على اللعب في الحواري والمشاركة في دوراتها فوالدي حريص جداً ومهتم بتحصيلي العلمي ويرى أن الارتباط بالأندية الرسمية يترتب عليها غيابات متكررة بسبب المعسكرات والمباريات والتي تحتاج إلى السفر والغياب عن المدرسة بعكس اللعب في الحواري لتواجد الملاعب قريبة من منازلنا وليس هناك مشكلة قد تؤثر على انتظامي في المدرسة ونمارس لعبنا فيها في أوقات الفراغ والإجازات. ويذكر اللاعب هتان فلاتة بأنه كان ملتحقاً بأحد الأندية فترة محدودة عندما كان النادي الذي يقع مقره بعيداً يؤمن لنا المواصلات والتي تنقلنا من أمام منازلنا إلى النادي والعودة بنا بعد نهاية التدريب، وعندما أوقفت إدارة النادي هذه الخدمة أصبحنا عاجزين عن الذهاب للنادي، وقد حاولت مع بعض الزملاء الذهاب بواسطة سيارات الأجرة ولكن هذا أرهقنا كثيراً من الناحية المادية إلى جانب أن بعد مسافة مقر النادي يتطلب منا الخروج من منازلنا قبل صلاة العصر ثم العودة إلى منازلنا في ساعة متأخرة، وهذا على حساب دراستنا، ولم نجد الدعم من الأندية أو المسؤولين في احتضان المواهب وتأهيلها عبر أكاديميات مختصة تدعم تواجدنا بمواصلات وتوفيق في التمارين، حرمت من الفرصة بسبب قلة الدعم وأتمنى أن أعود للنادي وأجد فيه فرصتي الكافية لإبراز مواهبي الكروية. من جهته، يشير اللاعب حسن بخاري بأن اللعب للأندية الرسمية يحتاج إلى انضباطية في التدريبات وعدم الغياب عنها، وقال نحن مطالبون بالحضور في ساعة معينة وفي حالة التأخر أو الغياب عن التدريبات تتم معاقبتنا «باللف عدة مرات حول المضمار وممارسة بعض التدريبات الخاصة من أجل عدم تكرار الغياب والتأخر» ويمتد العقاب لحرماننا من لعب المباريات الودية والرسمية، وأخيراً أجد نفسي مرغماً إلى العودة من جديد لملاعب الحواري لأمارس فيها هوايتي بكل أريحية بعيداً عن رسميات والتزامات الأندية الرسمية. أما اللاعب عبدالله الصاعدي فذكر أن رغبة اللاعب الجديد والذي يرغب في الانضمام للأندية الرسمية قد تصطدم بممارسات سلبية ينتهجها بعض اللاعبين القدامى في النادي ضد كل لاعب جديد، فهناك في بعض الأندية وبعيداً عن أعين المدرب والإداريين نشاهد تآمرا على اللاعب الجديد من أجل تطفيشه مبكراً؛ ففي التدريبات لا تمرر له الكرة بشكل جيد من أجل إحراجه ومحاولة إفشاله في المهمة أو لا تمرر له الكرة إلا قليلاً حتى لا ينجح في التجربة، وقد لا يسلم من ممارسة العنف والخشونة ضده، وأمام هذه التحديات قد لا يجد اللاعب الجديد بداً من الهروب من النادي والعودة من جديد لأندية الحواري. ويقول التربوي يوسف محمد بلحمر إن الطريقة الأفضل للاعتناء بالمواهب والاهتمام بالقدرات الكروية التي تحتضنها ملاعب الحواري هو أن يتم تنظيم بطولات لأندية الحواري في أوقات الإجازات تحت إشراف الأندية الرسمية ومن خلالها يتم اختيار اللاعبين الموهبين بكل عناية من الذين يبرزون في البطولة حتى يتم إلحاقهم بالنادي رسمياً، وأقترح أن تتبنى الأندية إقامة ملاعب مخصصة على حسابها تحت إشراف مدربين وطنيين من معلمي التربية البدنية والذين يحمل كثير منهم شهادات تدريبية وتؤمن للاعبيها كل ما يحتاجونه من ملابس وأحذية وخلافه من مواصلات ووجبات غذائية ومكافآت مالية للاعبين المميزين، حيث إن تواجد هذه الأندية وسط الأحياء أو قريباً منها سيشجع المواهب على الالتحاق بها قبل انضمامهم للأندية الرسمية.