على هامش الحياة تجد ملامحهم منطفئة، ورغم ذلك فإن جذوة الأمل تطلق عصافير الفرح في نفوسهم.. إنهم أناس بسطاء ولكنهم يتكيفون مع الحياة ويقبضون على وهج اللحظات الهاربة، لا يهتمون بالمكان والزمان ويبقى هدفهم توفير قوت يومهم من بضائعم البسيطة التي تتناثر على بسطاتهم.. وليس أمامهم سوى الانتظار الممل بين خطوات المارين. هناك باتجاه سوق البلد حيث صعوبة الطريق وصخب المكان بين الأزقة الضيقة، وأزيز المركبات وخطوات العمال والعربات المتحركة التي تنقل البضائع من المستودعات الى المحلات.. تترجل من سيارتك بعد معاناة من البحث عن موقف، وتأخذك قدماك إلى البسطات المختلفة، إلى أن تتوقف عند أحدها ويلفت انتباهك رجل مسن ما زال يكافح في هذه الحياة بكل همومها ومتاعبها؛ يجلس على بسطته المتواضعة على الرصيف، طالبا في الرزق، اقتربنا منه لنجده دخل في نوم عميق على بسطة المساويك والخيزران، لم نرد إيقاظه من نومه غير أن محمد رداد الذي يجاوره في بيع المساويك أيضا، تدخل وتحدث إلينا قائلا: «إنه رجل مسن يبيع المساويك، ماذا تريدون منه اتركوه نائما، ثم سألناه عن تواجده هنا فأجاب: أنا هنا منذ خمس سنوات تقريبا، بضاعتي مساويك أجلبها من خارج مدينة جدة، وتحديدا من القنفذة، أما جاري (العم محمد) فهو من الناس القدامى هنا في البلد وفي بيع المساويك لا يتحرك كثيرا بحكم سنه ولا يتحدث أيضا فظروف صحته علمته الصمت.. فمنذ عشر سنوات حط رحاله ولا أعرف عنه شيئا آخر سوى أنه رجل صامت قليل الكلام. تركنا المكان وأكملنا جولتنا بين عشوائيته واختلاف البسطات التي تفترش الرصيف إلى أن توقفنا عند بسطة أخرى ينام عليها رجل مسن تحت مظلة قماشية يداري بها الشمس، استيقظ ثم عاد إلى النوم بعد أن انتظر طويلا مترقبا زبونا ربما يأتي!! وفي بسطة أخرى، كان يوسف مطلق (46 عاما)، يجلس في ظلال أحد محلات التمور والحلويات، وعن مهمته يقول: منذ الصباح الباكر آتي الى هنا وآخذ مكاني مبكرا، وأضاف.. ليس هناك مكان معين أو محدد لبسطتي وهذا يعود لصاحب المحل وحسب انزعاجه من تواجدي على رصيف المحل، وقال: يمتد وقتي إلى الثانية ظهرا بعد هدوء المكان من الحركة الدؤوبة التي يشهدها، وبعض الوقت قد يمتد إلى المساء وكل هذا من أجل ريالات معدودات من بيع المساويك، لكنه عاد مقتنعا، ومن فضل الله فيها خير ورزق، فهي تحقق لي كفاية العيش بالستر، من المساويك آكل وأشرب وأنفق على أسرتي منها.