تختلف مسميات مخيمات النازحين وأماكنها، ولكنها تتفق في مآسيها وقصصها الحزينة.. قتل.. تدمير.. نزوح.. العيش في العراء.. لا غذاء ولا ماء. والسبب في كل هذه المآسي واحد.. الظلم والعدوان. في مخيم محافظة عمران لنازحي صعدة الذي يبعد 25 كم شمال صنعاء.. وهو أحد المخيمات العديدة في اليمن التاريخ يعيد نفسه.. إذ يعيش المئات من النازحين في ظروف إنسانية صعبة جدا.. يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.. بلا كهرباء.. ولا أغطية. «عكاظ» قامت بزيارة مخيمات المهجرين من أبناء محافظة صعدة في عمران هؤلاء النازحين الذين تعرضوا للاعتداء والقتل وتدمير الممتلكات من قبل جماعة الحوثي، بدأت رحلتنا فجرا من العاصمة صنعاء برفقة أمين عام رابطة نازحي صعدة وحرف سفيان الدكتور عمر مجلي ومعنا بعض الحراسات الأمنية وحينما صعدت إلى السيارة وجدت بندقية ملفوفة بكيس ما جعلني أتخوف قليلا من أن يكون الحوثيون قد وصلوا إلى موقع المخيم في محافظة عمران. الرحلة لمحافظة عمران كان هادئة وبدون منغضات منذ أن خرجنا من صنعاء، فيما عدا استوقافنا من قبل مجاميع مسلحة قبلية للسؤال عن وجهتنا، عن البطاقة، ثم تركونا نواصل رحلتنا التي استمرت قرابة ساعة. في مخيم النازحين في عمران استقبلنا مسؤول المنظمات الإغاثية الذي طلب عدم ذكر اسمه بالإضافة إلى رئيس المخيم والمعروف باسم الشيخ عبدالله وهو شيخ المخيم الذي صاحبنا في الزيارة مع عدد من أبناء المخيم وقدم لنا شرحا كافيا عن وضع المخيم الذي يتسع لقرابة 60 أسرة مهجرة. مخيم عمران يعد أقل المخيمات عددا والذي يحتضن المبعدين قسريا من أبناء محافظة صعدة تحت تهديد السلاح الحوثي. هولاء النازحون قرر الحوثي إبعادهم لرفضهم فكره ومعتقداته وأجندته التي ينفذها في صعدة بإيعاز من إيران ورفضهم أيضا دفع الجبايات أو العمل كمجندين في صفوف الحوثي ضد السلطات الرسمية. وبحسب الإحصائيات، فإن إجمالي النازحين من صعدة وصل إلى 300 ألف مهجر وهم موزعون على عدة مخيمات، منها مخيم حرض الذي يعد الأكبر ويتسع لمئات الآلاف من الأسر النازحة، بعض أفرادها معاقون وآخرون لايزالون يعانون من الإصابة جراء عمليات القتل العمد وتفخيخ المناطق بالمتفجرات. الشيخ عبدالله رئيس المخيم تحدث عن معاناة النازحين قائلا «جميع النازحين في هذا المخيم هم من صعدة ومن أبناء رازح، حيث قام الحوثي وجماعته بتهجيرهم وسلب ممتلكاتهم من مزارع ومنازل مما اضطرهم للخروج مع الأطفال كأقل شيء يمكن أن يفعلوه من أجل الحفاظ على سلامتهم». معونات قليلة وأوضح أن بعض الجمعيات الخيرية تمنحهم معونات، بيد أنه قال إن الكثير من الأسر تتلقى الوعود بالدعم لكنها لم تحصل عليه جراء بعض التدخلات التي لم يعط تفاصيل بشأنها. معاناة وتشريد داخل إحدى الخيام كانت طفلة تبلغ الثالثة من عمرها تلهو بين الأتربة ببقايا عجلة سيارة وعلى وجهها أثر البرودة جراء تسرب سوائل مخاطية من على أنفها بشكل مستمر يداعب لعبتها لتقف برهة، ثم تنظر إلى الجموع التي أحاطت بنا وتعتقد أننا ممثلون لجمعية خيرية جئنا لتقديم المعونات الإنسانية. سمعت أحد النازحين يدعى محمد مخاطبا رفاقه في المخيم قائلا «لا تفرحوا فقد ألفنا على الوعود من كل من يزورنا وهم ينسون معاناة أطفالنا في الحر والبرد والجوع والتي حولتنا من مواطنين نكرم الضيوف إلى نازحين». وزاد «أقسم بالله أنني أشعر بالخجل وأنتم تزوروننا، فلم تكن عادتي أترك الضيف يأتي ويذهب دون أن أقدم له على الأقل شيئا ولو كوب شاي وأهديه كرتون برتقال أو تفاح من مزرعتي التي استولى عليها الحوثي وجماعته ودمروها جراء رفضي بيعها بمبلغ زهيد على أحد أبناء المنطقة ممن يشاطرهم الرأي والفكر». مخيم عمران، خاو على عروشه ولا يوجد فيه فرن ولا ثلاجة ولا فرش نظيف ولا ماء ولا سخانات تقي الأطفال برودة الجو القارسة. مجرد خيام فارغة من الداخل قدمتها الأممالمتحدة والصليب الأحمر. وإلى جانب معاناة هؤلاء النازحين، فإن الحكومة لم تراع خطورة المنطقة التي وضعت فيها المخيمات لقربها من مصنع الأسمنت الذي يبعد قرابة 500م من الأطفال والأمهات، حيث يتعرضون لأتربة المصنع ليزيد الطين بلة على النازحين. نظام استخباراتي حوثي اقتربت مع زميلي أحمد الشميري من شخص يدعى «سعيد» حيث قال «لقد أبعدني الحوثي وجماعته بقوة السلاح مع أطفالي جراء عدم استئذاني منه قبيل استقبالي أحد أقاربي المهجر»، مضيفا أن الحوثي يمارس نظاما استخباراتيا تعسفيا بالقوة على الأبرياء شبيها بالنظام الاشتراكي ويجبر كل قاطني المنطقة بالإبلاغ عن أي شخص يدخل المنطقة ويتم استضافته دون إذن مسبق من زعيم الجماعة أو أبو حسين القائد الميداني. مسؤول المنظمة الإنسانية قال إن ما يحصلون عليه من معونات يتم تقديمها للنازحين من دقيق وبر مؤكدا أنه ولا يوجد أي تمييز أو تفضيل على الآخر وهناك بعض من النازحين يملكون بطاقات للحصول على المعونة. خالد أحد النازحين قال إن استمرار الجماعات الحوثية في القتل والتدمير والتهجير وسعيها للتمدد إلى محافظات أخرى مثل حجة وعمران وإلى الجوف ومأرب لا يهدد الأمن والسلم في اليمن فحسب بل يهدد المنطقة. وأضاف أن أزمة مجاعة يعانيها النازحون في صعدة جراء الوضع المعيشي الصعب الذي يعيشه المهجرون في مخيمات التهجير. أمين عام رابطة صعدة وحرف سفيان الدكتور عمر مجلي قال لنا ما شاهدتموه ليس إلا 1% من المعاناة التي يواجهها الأبرياء من أبناء محافظة صعدة وعمران جراء الممارسات الحوثية الطائفية. وضع مأساوي وأضاف «هناك آلاف الأسر داخل منازل في صنعاء تعيش وضعا مأساويا وتواجه العيش بمرارة في ظل غلاء الإيجارات وعدم امتلاكهم لأي مقومات لمواجهة الأزمات الاقتصادية التي تعصف باليمن»، داعيا الحكومة إلى هبة إنسانية وأخلاقية لتقديم الدعم والمساندة لتلك الأسر التي تواجه قساوة برودة الشتاء وحر وأمطار الصيف بخيام وبطانيات. نازحو صعدة بقوا وحيدين في مخيماتهم ولم يتوجه أعضاء اللجنة الفنية للحوار أو مسؤولي الدولة اليمنية ومبعوث الأممالمتحدة جمال بن عمر لزيارة تلك المخيمات للوقوف على الواقع الإنساني والبحث في إعادة حقوقهم المنهوبة قسرا. وأضاف أن على الدولة التعامل بشكل جدي مع خطر الحوثي الذي ينفذ تحت غطاء ديني وفكري يهدف لتحويل اليمن إلى دولة تواجه المجاعة والصراع الطائفي والانقسامات. غادرنا المخيم ونحن في حالة اكتئاب وحزن، فالمشهد لا تستطيع الأقلام وصفه.. ويبقى السؤال: إلى متى تظل تلك الفئة من الشعب اليمني من أبناء صعدة ضحية لمؤامرات إيران التي تسعى لتدمير اليمن؟.. وهل سينجح الحوار الوطني الذي انطلق في صنعاء في إعادة حقوق أبناء صعدة؟. والسؤال الآخر: هل سيتلمس المشاركون في مؤتمر الحوار الوطني الذي يضم كل المكونات السياسية والشعبية والذي يعقد في ظروف استثنائية وتطورات سياسية خطيرة معاناة قضية هولاء النازحين ويناقش احتياجات هولاء الأبرياء الذين حولهم الحوثي لمهجرين ومبعدين عن منازلهم وممتلكاتهم وموطنهم الأصلي؟ خاصة أن الحوثي يشارك في هذا الحوار ب37 مقعدا. قصص النازحين كثيرة.. ولكن من ينقل هذه القصص لصناع القرار كي تتحول هذه القصص إلى مشاريع عمل على أرض الواقع لكي تنهي أزماتهم بشكل نهائي؟.