على الرغم من الأهمية الكبيرة لقضية الإسكان التي ناقشها منتدى جدة الاقتصادي، كمحور رئيسي وشبه وحيد على أجندته هذا العام، إلا أن التجارب الدولية الناجحة التي قدمها ستظل كما هي العادة، حبيسة الأدراج وبلا جدوى، إذا لم تتغير العقلية التي تدير الأزمة في المملكة بشكل عام، ولعلي أحسبها أزمة إدارة وتخطيط بالدرجة الأولى. وبغض النظر عن المرئيات والتنظير المقترح، فإن تفكيك المشكلة إلى عناصرها الأولىة يمكن أن يؤدي إلى حلول منطقية لو توفرت الإرداة لذلك، بعيدا عن اللجان الحكومية العتيدة. ولعل المتابع لا يجد صعوبة على الإطلاق في القول إن المشكلة تنبع من ارتفاع تكاليف الوحدات التي تدخل السوق سنويا وهو ما يؤدي بالتالي إلى ارتفاعات جنونية في الأسعار. ويمكن أن يضاف إلى ذلك التشخيص بعض العوامل الأساسية التي تزيد من عمق الأزمة، وفي صدارتها ارتفاع تكاليف مواد البناء، وأجور العمالة، والصعوبات في الحصول على التصاريح اللازمة للبناء، في الوقت المناسب، فضلا عن ارتفاع أسعار الأراضي بصورة كبيرة في السنوات الخمس الأخيرة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار توفير الدولة للأراضي، والتمويل اللازم، فإن الأزمة تظل إدارية وتخطيطية بالدرجة الأولى. ومن هذا المنطلق أتمنى أن تأخذ وزارة الإسكان زمام المبادرة لتحقيق المعادلة الصعبة التي تقوم على ضخ وحدات سكنية إضافية في السوق وبأسعار مناسبة، خاصة في ظل عزوف البعض عن الاستفادة من قروض الصندوق العقاري لعدم توفر الأرض لديهم. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال الدعم اللوجيستي الذي تقدمه الدولة للشركات العقارية المطورة سواء من الداخل أو الخارج، بهدف تذليل العقبات التي تواجهها أولا بأول، ومن ثم الإسراع في بناء وحدات سكنية. ولا جدال أن الجميع يتطلع إلى الاستفادة من التجارب الدولية التي عرضت خلال المنتدى، بشرط أن تأخذ طريقها إلى التطبيق بعيدا عن الروتين المعتاد، ولا سيما إذا كانت مناسبة لمجتمعنا الذي يعاني فيه أكثر من 60 في المئة من السكان من عدم امتلاك مساكن لهم. * متخصص في الشؤون العقارية