في حضن الجبال الشرقيةلجدة، تتشوه الصورة وتختلط ملامحها معلنة خطرا لا يقل قسوة من السيل الذي داهم جدة قبل أعوام، فيما الاختلاف في قوة جريان السيل، إذ تتسارع عجلة المياه، فيما من يشوهون الصورة يسيرون ببطء لكن خطرهم يبقى ذا أثر بالغ. الوصول إلى الموقع ربما لا يكون سهلا، وهو أمر سهل للكثير على من يرغبون في الانزواء بعيدا عن العيون، فلا يراهم أحد، ولا يسمع بهم أحد، إلا أن مخاطرهم تعبر حواجز الصخور التي يحتمون أسفلها وصولا إلى قلب المدينة. لكن العابر إلى شرقي أحياء السامر الشعبي والتوفيق، وصولا إلى الاستراحات والأحواش العشوائية لا يعرف ما إذا كانت نظامية أم لا، فيما الغرض منها مجهول، أو لعله متنوع بين حظائر للإبل أو مستودعات للأعشاب أو ورش أو مساكن لإيواء العمالة، أو أراضٍ لمن يدفع. ويبدو السعر معقولا في المنطقة التي لا يفضل أن يقربها أحد، خاصة أن مستوى النظافة متدنٍ ولا يخضع -فيما يظهر- لأي معيار لشركات النظافة التي تولت للتو نظافة أحياء جدة، على الرغم من أن الحي مصنف ضمن الحيز المكاني الخاضع للنظافة، لكن المشهد لا يعكس مجرد تأخر في التسليم والتسلم وعملية الإحلال ما بين شركات قديمة وأخرى جديدة التي تبررها أمانة جدة كلما شكا أحد هذه الأيام من تدني سوء النظافة، بل يعكس خللا ما يحتاج لتدخل، خاصة أن الشوارع الترابية تؤكد أنه ليس حيا بالمفهوم العام، فيما روائح نفوق الحيوانات والطيور تعجل برحيل الغرباء، إلا من كان له هدف من بقائه وسط تلك النفايات. «عكاظ» وصلت إلى الموقع للتعرف على من يعيشون داخله، وما إذا كانت آمالهم تتعلق بنظافة ومياه وصرف، أم أن الهدف متغير تبعا لسوء الواقع. يرى بداية مشعل المطيري أن ما تعانيه تلك الأحياء من سلبيات تشكل خطرا لا تقف مؤشراته عند انتشار الأحواش العشوائية وتزايد أعداد العمالة السائبة بل يتعدى الأمر في حال استمرار وضع تلك الأحواش وتدفق المجهولين إليها من مشاكل قد تنعكس سلبا آثارها على مقدرات الوطن أمنيا واقتصاديا واجتماعيا، مشيرا إلى أن هذه الأحواش تحولت إلى مخابئ للمخالفين والمجهولين الذين وجدوا فيها مصدرا للرزق ومأوى بفضل ملاكها الذين ساعدوهم على تأمين العمل والمسكن دون الالتفات للسلبيات والمشاكل الناتجة؛ جراء استخدام المخالفين لنظام الإقامة والعمل والمجهولين على أمن الوطن والمواطن. وقال: «للأسف معظم هذه الأحواش ليست نظامية بل تم بناؤها بالتعدي على أملاك عامة وحولها أصحابها إلى استراحات يؤجرونها على المتنزهين فيما تحول البعض الآخر إلى مستودعات ومواقع لبيع الأعلاف ومواد السباكة بعد تأجيرها لمواطنين ومقيمين، لافتا إلى أن المنطقة تحتوي أيضا على ورش مخالفة للحدادة والنجارة والسباكة والبلوك تعمل في أوقات ما بعد الظهر وتدار بأيدي العمالة المخالفة والمجهولة، مطالبا الجهات المعنية بتخصيص حملات مباغتة للوقوف على المخالفات الموجودة في تلك الأحواش، لافتا إلى أن بين تلك الأحواش مواقع حولتها العمالة المخالفة إلى مخازن لاستقبال النفايات وبقايا الخردة والسكراب لفرزها تمهيدا لبيعها لاحقا. وقال عبدالله السلمي إن الأجزاء الشعبية من أحياء شرق الخط السريع تحولت إلى نسخة مصغرة من السلبيات التي تعانيها أحياء محافظة جدة: «حيث تعاني هذه الأحياء قصورا في الخدمات البلدية والأمنية وسوءا في التنظيم، خصوصا عدم وجود طرق رئيسية تربطها بأحياء غربي الخط عدا المدخل الوحيد الموجود على طريق الحرمين والعبارة الموجودة تحت الجسر الذي يصلها بحلقة الخضار ومثيلتها التي تصلها بمخطط الشعلة والشاكرين، رغم أنها مخططات معتمدة ونظامية، وسكان أحياء شرق الخط السريع سئموا من كثرة الشكوى والحديث عما يعانونه بسبب العمالة السائبة وخلل الخدمات البلدية، والملاحظ أن العمالة السائبة والمخالفة لنظام الإقامة والعمل آخذة في الازدياد بشكل لافت، وتحول المقيم منهم إلى مصدر لتأمين العمل لأبناء جلدته من الجنسين؛ رجالا ونساء، خصوصا منهم المخالفون والهاربون من كفلائهم من خلال تسهيل فرصة العثور على عمل بشكل سريع مقابل مبلغ مالي بسيط يتقاضاه كنسبة شهريا نظير تلك الخدمة»، لافتا إلى أن شريحة واسعة من العاملين في حراسة معظم العمائر والاستراحات في الأجزاء الشعبية من الامتداد الشرقي لأحياء الأجواد والتوفيق والسامر جميعها من المجهولين والمخالفين. وأشار سعيد الغامدي إلى أن أحياء شرق الخط السريع السامر، المنار، الربيع، الأجواد، الفهد والتوفيق تعاني بشكل عام من تدني الوضع البيئي وقصور واضح في الخدمات البلدية وسوء في التخطيط والتنظيم، إضافة لما تعانيه من مشاكل بسبب العمالة المخالفة وانتشار النفايات وتلفيات الشوارع نتيجة المياه الجوفية، مضيفا أن المعاناة لا تتوقف عند هذا الحد بل بلغت إلى حد وصلت فيه إلى تجرؤ بعض العمالة على المواقف الجانبية لبعض الشوارع والطرق وتحويلها إلى أماكن لإنشاء بسطات لبيع الأسمنت وعرض ناقلات الرمل في حين وجد البعض الآخر منهم العاملون في قيادة الشاحنات بجميع أحجامها في الواجهة الشرقية لأحياء شرق الخط السريع مكانا مناسبا لإلقاء مخلفات البناء والدمار بفضل غياب الرقابة البلدية وسهولة الوصول إليها من خلال بعض الطرق الفرعية غير المعبدة التي تخترق الأجزاء الشعبية منها، لافتا إلى أن النسبة الكبرى لهذه الشاحنات تعود ملكيتها للعمالة التي وجدت مجالا من خلال التستر للعمل بحرية من خلال تسجيلها بأسماء مواطنين رغم أن معظمهم لا يحمل رخصا تؤهله لقيادة السيارات الكبيرة، مطالبا المعنيين في أمانة جدة والشرطة والجوازات والمرور والصحة والمجلس البلدي بتكوين لجنة عاجلة لدراسة الوضع في تلك الأحياء وجميع المواقع التي تشهد انتشارا للاستراحات وحظائر المواشي وسرعة إيجاد حلول لما تعانيه من ظواهر سلبية قبل فوات الأوان. ودعا أستاذ الإعلام في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور علي بن ظافر القرني إلى أهمية تفعيل دور المؤسسات الإعلامية في بث رسائل توعوية لإيضاح مخاطر العمالة السائبة والمجهولة على أمن الوطن ومكتسباته ورفع مستوى الوعي الاجتماعي لمشاركة الجميع في محاربة هذه الظاهرة والإبلاغ عنها. وقال القرني: «مشاكل العمالة المخالفة والمجهولة بشكل عام وبعض الجنسيات تحديدا بشكل خاص التي طفحت على السطح مشاكلها وتجاوزاتها بشكل لافت مؤخرا باتت تؤرق كافة شرائح المجتمع، وهناك مؤشرات على تزايد خطرها على الوطن والمواطن جراء عوامل عدة ساهمت في تناميها وزيادة مشاكل ظاهرة العمالة؛ أبرزها التستر الذي تسبب فيه بعض المواطنين واستمرار بعض المهن التي ليس هناك حاجة لها وبقاء بعض العمالة لسنوات طويلة واستقدامهم لأسرهم، ما أدى إلى تفاقم مشكلة البطالة نتيجة لأبناء هذه العمالة المقيمة التي ليس لديها عمل وعدم تطبيق الأنظمة في بعض الحالات بصرامة وبالذات مع المخالفين لأنظمة الإقامة والسماح لهم بحرية التنقل والحركة والسفر داخل البلاد، لافتا إلى أهمية إعادة النظر في وضع مدد الإقامة لكل عامل والتشديد في جانب الاستقدام وعدم إتاحة فرصة الحصول على تأشيرة لاستقدام العائلة إلا في حالات محددة. بدورهما، أكد كل من المتحدث الأمني في شرطة جدة الملازم أول نواف البوق والمتحدث الإعلامي في جوازات منطقة مكةالمكرمة المقدم محمد الحسين، على خطورة العمالة المخالفة على الفرد والمجتمع، مشددين على أهمية تعاون المواطنين لمواجهة هذه الظاهرة والحد من انتشارها. وأوضحا أن هناك حملات دورية تستهدف تلك المواقع شبه المهجورة لضبط المخالفين، داعين الأهالي إلى المبادرة بالإبلاغ في حال التعرف على أي مخالفات بالاتصال بالرقم 6425550 للشرطة، أو 992 للجوازات، وسيتم التعامل مع أي بلاغ على وجه السرعة حرصا على أمن الجميع وسلامتهم. مصورات جوية أكد مدير المركز الإعلامي في أمانة جدة الدكتور عبدالعزيز النهاري مراقبة إدارة نظم المعلومات الجغرافية في الأمانة، لكافة أنحاء محافظة جدة بواسطة المصورات الجوية عبر الأقمار الصناعية من خلال رفع صور جوية عالية الدقة والوضوح يستطيع من خلالها مراقبو الأمانة والجهات المعنية كشف التعدي على الأراضي وبناء الأحواش خارج أوقات الدوام الرسمي ورصد أية مخالفات قائمة على أرض الواقع، سواء أكانت تعديات على أراض حكومية أو إنشاء أحواش بطرق غير نظامية بهدف تأجيرها على العمالة المخالفة التي تستخدمها للإضرار بالمواطن عبر إعادة التصنيع والغش التجاري، داعيا المواطنين إلى المبادرة بالاتصال على الرقم 049 للبلاغات.