يغريك كبر أذنه بأن تقتحم خلوته لتفترسه بمحاضرة، فلا شيء يمتعك مثل أن تجد من يصغى لحكمتك. بخفة المفترس تحاصره، وبدهاء ترسم خطة الاقتحام وتحدد محاضرة عن الاحتكار، فلا بد أنه يقاسي كمستهلك. ما إن تبدأ بالسلام وتنطق بلفظ الاحتكار إلا وتباغت وتتحول من مفترس إلى فريسة سهلة المنال، فهو يستخدم كبر أذنه كشرك اصطياد. تصغى وهو يقول أنه سبحانه وتعالى ميز حياة الإنسان، فالروح من أمره وأن من قتل نفسا فقد قتل الناس جميعا، ولكن قتلى الحروب ليس بأفدح مصائبها. فالموت حقيقة الزمن، فالكل من يقتل أو يشارك أو لم يشارك سيرحل عن الدنيا، سواء قتل في المعارك أم مات على الفراش. أفدح المصاب هو ما تسفر عنه محصلة الحرب. ففي فتن الجمل وصفين قتل من كل جانب كثير من خيار البشر، وهذا مصاب جلل، ولكن فداحة المصاب هو ما آلت إليه الفتنة من احتكار فكر الإسلام، كل فئة احتكرت لنفسها الفكر، ولم تكتف باقتناعها بصواب الرأي، ولكن سفهت فكر الفئات الأخرى، وتطرف بعضها إلى أن من لم يخضع لاحتكار فكرها فقد كفر وخرج من الإسلام. بمقاومة الفريسة تقاطع استرساله، فما لنا الآن وأحداث ألف وأربعمائة عام خلت. لا يبالي ويسترسل أن احتكار الفكر هو أسوأ ما يعانيه الإنسان، حتى اختلاف الرأي في فقه الفكر وليس في المنهج أدى إلى تطرف تسفيه رأى الآخر إلى درجة ما روي في بعض كتب التاريخ أن الإمام الشافعي قد مات نتيجة اعتداء أحد اتباع فقه الإمام مالك، وإن كان هناك ضعف في توثيق الرواة، إلا أن تطرف الرأي كان واقعا مزق المجتمع بولادة فرق أخرى احتكرت لنفسها الفكر وسفهت الرأي الآخر إلى حد الضلال. تفرس في عالم اليوم، وأعد النظر هل ترى أي مجتمع في عالم دول الإسلام لا يعاني من احتكار الفكر. كم ممن يقتل وكم ممن يخرب وكم ممن يرهب وكم من يسفه وكم من يصنف بدونية الآخر كنتاج لاحتكار الفكر. كم من تفرق واستعلاء واتهام بالضلال في حدود جغرافية المجتمع الواحد وعداء بين جغرافيات المجتمعات. كم من إهدار لقدرات الأمة وسرف مذموم للموارد أدى إلى التخلف الذي أصبحنا نعاصره في سبق الحضارة مع الأمم الأخرى. تبدأ بالاستمتاع بدور الفريسة إلا أنك لا تزال تقاوم وتتساءل بقصد الإحراج: أليس الاختلاف في الرأي هو طبيعة الإنسان وأن الحل هو في الحوار. بحرفية المفترس يوافقك، ولكن ليست المعاناة في اختلاف في الرأي، ولكن فدح المصاب في أن تطرف احتكار الرأي وتسفيه ودونية تصنيف الآخر ورأيه وفكره أوصلنا في كثير الأحيان لعدم القدرة على التعايش مع بعضنا بسلام واحترام. أما الحوار فليس له جدوى والبعض يرى الآخر في ضلال وغي، فيتحول الحوار إلى فرض رأى وإخضاع، وكم سيكون له من جدوى إن كان الغرض هو التعايش مع بعضنا البعض باحترام وقبول الاختلاف بدلا من فرض الاتفاق. تنسحب، ويغمرك إحساس بأنك لم تكن فريسته، ولكن مجرد فريسة.