في ظل غياب المعلومة، أو تعطيل الحس المعلوماتي عند الصحفي والكاتب، يعم ويسود الطرح العاطفي للقضايا الحيوية والمصيرية، والتي تحتاج إلى المعالجة الفكرية والموضوعية المتجردة. ومن سمات الطرح العاطفي للقضايا المبالغة، في الحالين، حالات السلب والإيجاب. وقد ظهرت المبالغة في حالات السلب بشكل واضح في التغطية الصحفية التي أعقبت حادثة مدرسة البنات في جدة (وغيرها من الحوادث والأحداث)، يومها انفتحت أبواب النقد الجحيمي بلا هوادة على المسؤولين بكل الجبهات، وانهالت القصائد والمراثي على صفحات الصحف. وبالنسبة لي شخصيا، كانت المسألة برمتها تبدو لا عقلانية بشكل غريب؛ لسبب بسيط وهو أنه لم يحدث قط من قبل أن أشارت إحدى الصحف مجرد إشارة إلى واقع هذه المدارس، وكأنما كان الأمر غير موجود قط من قبل. إذ «اكتشفت» الصحف فجأة أن هناك الكثير جدا من المدارس تعاني من القصور، سواء في بناياتها المتصدعة، أو في توصيلاتها الكهربائية السيئة أو المتكدسة الفصول... إلخ. كان الأمر أقرب ما يكون إلى الاستغلال الانتهازي للحادث. إلا أنها المبالغة في الطرح، والبحث عن الإثارة بقصد التميز والتفرد.. ولكن الجميع لم ينتبهوا إلى أنهم كانوا يرددون الأغنية نفسها. بينما تبدو المبالغة في حالات الإيجاب واضحة في تضخيم الإنجازات، وتبدو هذه الحالات بصورة كاريكاتيرية في صحافتنا الرياضية، إلا أنها أيضا لا تقل كاريكاتيرية في غيرها من الشؤون الأخرى، إذ يصبح ما هو متوقع؛ لأنه يندرج من باب الواجب على المسؤول أو المرفق الحكومي المعني، يصبح إنجازا وإعجازا يستحق عليه المسؤول الإشادة بشكل مضخم في الصحف. وإذا كان هذا النهج يعكس رغبة خفية في تأكيد التميز الوطني، ورغم أنه يؤدي إلى تزييف الحقائق وتزيين السلبيات في الحالة الثانية، فإنه في حالات السلب يؤدي أيضا إلى نفس النتيجة، أي لا يعكس الواقع الحقيقي، وربما يدل أيضا على رغبة لا واعية في جلد الذات. وفي كلتا الحالتين هو نهج عاطفي لا يمكن أن يقودنا إلى الطريق الصحيح، وإنما يوصلنا في نفق مظلم. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة www.binsabaan.com