بدأ حياته معلما وتدرج في العمل الوظيفي حتى أصبح أمينا للرياض ثم استقال، إنه عبدالله العلي النعيم الذي عمل في الدولة في العديد من المناصب والقطاعات المهمة والتي شملت التعليم والبلديات، وكذلك عدد من الجهات الخدمية وهو الآن رئيس مجلس أمناء المعهد العربي لتنمية المدن ورئيسا لمجلس إدارة مركز الأمير سلمان الاجتماعي بالرياض. يتذكر النعيم أنه في وقت توزيع الأراضي على المحتاجين في حي العريجاء طلب منه محمد أبا الخيل وزير المالية آنذاك أن تقوم الأمانة بسفلتة جميع شوارعها قبل بدء المواطنين بالبناء فأجابه أن المشروع كبير وليس له اعتماد فقال «اطرح المناقصة وقم بترسيتها وأنا مسؤول عن إدراجها في الميزانية القادمة». ضيفنا تحدث عن العديد من الذكريات ونقاط التحول في حياته.. فإلى نص الحوار: • عملتم في مسيرتكم المهنية في قطاع التعليم عبر وزارة التربية والتعليم (وزارة المعارف في السابق) من هم الأشخاص الذين تعاملتم معهم والذين تركوا انطباعاً مؤثراً في سنوات عملكم في الوزارة؟ وما هي تلك المواقف؟ •• عملت في وزارة المعارف (التربية والتعليم حالياً) مدة طويلة مدرساً في المدرسة العزيزية في عنيزة، وكيلا للمدرسة الثانوية في عنيزة، وكيلا للمدرسة النموذجية الثانوية في جدة، مديراً لمعهد المعلمين في الرياض، ثم أخيراً مديراً عاماً للتعليم في منطقة الرياض «أكبر منطقة تعليمية» قبل أن أنتقل إلى جامعة الملك سعود أميناً عاماً، هناك أشخاص كثير كان لهم تأثير كبير علي أو تعاملت معهم، أولهم المرحوم المربي الكبير صالح بن ناصر بن صالح شيخي وأستاذي، كان مديراً للمدرسة حيث كنت طالباً، ثم عندما أصبحت معلماً للغة العربية، وأذكر أنه عندما طلب تعييني كمعلم، وبعد انقطاع عدة سنوات عن التعليم، قامت لجنة في مدينة عنيزة باختياري، فلم أوفق، ورفضوا تعييني، لكنه رحمه الله قال لهم، أمهلوه أسبوعين وأعيدوا الامتحان، وأوصاني بالمذاكرة المستمرة خلال هذين الأسبوعين، وفعلا نجحت بجدارة، وتعينت، من الشخصيات المهمة في حياتي آنذاك، المرحوم الشيخ الجليل عبدالرحمن بن ناصر السعدي، العالم المشهور، حيث كنت طالب علم عنده، بعد تركي الدراسة المنتظمة في المدرسة، وأذكر أنه رصد مبلغ مائة ريال مكافأة لمن يحفظ كتاب «بلوغ المرام» غيباً، فحفظته، وأختبرني ووجد عليّ أغلاطاً قليلة جداً، لكنه منحني الجائزة، وكنت الوحيد الذي فاز بها، آخر عمل لي بالتعليم في عنيزة هو وكيل المدرسة المتوسطة الثانوية بعدها انتقلت إلى جدة وكيلا للمدرسة الثانوية النموذجية، لمدة عام، وجئت إلى الرياض، وقابلت المرحوم الزميل سعد أبو معطي، مدير التعليم آنذاك، عرض عليّ عمل مدير معهد المعلمين الذي سوف يفتتح، ووافقت وأخذ موافقة وزير المعارف آنذاك المرحوم الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ وافتتحت المعهد وبقيْت مديراً له خمس سنوات. من الشخصيات المهمة التي تعاملت معهم في الوزارة، الشيخ الفاضل محمد العبد الرحمن الفريح مدير عام وزارة المعارف (آنذاك)، ولي معه موقف طريف أيامها، قررت وزارة المعارف أقفال المعهد العلمي السعودي الذي كان موجوداً فقط في مكةالمكرمة والمدينة المنورة بعد انتشار المدارس المتوسطة والثانوية، أعلنت وزارة المعارف أن من يحمل الشهادة الابتدائية ومر عليه خمس سنوات، من حقه يدخل الامتحان النهائي (شهادة الثانوية)، لأن النظام الخاص بالمعهد سوف ينتهي نهاية العام الدراسي، أنا مدير تعليم عندي مئات المدارس ابتدائية ومتوسطة، وثانوية، وآلاف المدرسين، ولكني لا أحمل الابتدائية، ذهبت إلى الشيخ محمد الفريح، وبالمناسبة هو الذي رشحني لعمل مدير عام التعليم، وشرحت له الوضع، وقلت له ألا يكفي مئات المدارس تحت إشرافي، كيف تثقون بي للإشراف عليها، ولا تعتبرون كل ذلك مساوياً للابتدائية، وهل أقارن أنا مع سائق تاكسي مثلا يحمل الابتدائية؟ فتحمس، وكتب خطاباً بخط يده أخذه إلى معالي المرحوم عبدالوهاب عبدالواسع وكيل الوزارة آنذاك، وأشر عليه ثم أخذه بنفسه إلى الشيخ المرحوم عبدالعزيز آل الشيخ الوزير آنذاك ووقعه منه، هذا الخطاب موجه إلى مدير تعليم «نجد» اسمها آنذاك للسماح لي بدخول الامتحان، وقد دخلت ونجحت وكنت الأول بين مئات الممتحنين.. هذه مكرمة لا أنساها من الصديق محمد الفريح فتحت لي الطريق إلى الجامعة، حيث حصلت على شهادتها بمرتبة الشرف الأولى. • من أبرز الشخصيات التي أثرت في حياتك؟ •• من الأشخاص الذين أعتز بهم وله تأثير طيب على مسيرتي معالي الأخ الدكتور عبدالعزيز الخويطر، الذي طلبني وأنا مدير تعليم للانتقال إلى الجامعة كأمين عام مساعد وشغلت عمل الأمين العام، لأنه كان في بعثة دراسية هو والمرحوم الدكتور عبدالله الوهيبي. لا أنسى تأثير والدي المرحوم علي الصالح النعيم الذي كان أكبر مشجع لي وكان يتابع خطواتي ويرشدني دائماً إلى طريق الخير، وكذلك كانت والدتي رحمها الله فهي لم تبخل عليّ بمشورة وتشجيع. • كما أنكم أدرتم شؤون أمانة منطقة الرياض عندما كنتم أميناً لها في سنوات ماضية، ما هي المواقف التي واجهتموها والتي تطلبت رؤية فردية لها؟ ومن هم الأشخاص الذين ساهموا في تقديم يد العون لمعاليكم خلال تلك الفترة من عملكم؟ •• بالنسبة للعمل أميناً لمدينة الرياض لا شك أن أول مشجع ومؤازر هو المرحوم الأمير ماجد بن عبدالعزيز وزير البلديات آنذاك فهو الذي رشحني وأصر على ذلك، والحقيقة أنها كانت مغامرة ولكنها الحمد لله موفقة. أما صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير الرياض آنذاك فهم أكبر مشجع وداعم، خلال عملي في الأمانة لمدة تزيد على أربعة عشر عاماً، كان الاتصال به يومياً، وكان يساند ويساعد ويدافع ويراجع الجهات العليا في مشاريع مدينة الرياض، إنه كان نعم الموجه والداعم والمؤيد والمدافع أيضاً عن الأمانة. • حدثنا عن أبرز المواقف التي مررت بهم إبان عملكم أمينا للرياض؟ •• أما المواقف التي واجهتني خلال فترة عملي سواء كانت إيجابية أو سلبية، فهذه تحتاج إلى صفحات ربما تستغرق صفحات العدد كاملا، ولذلك لا أريد أن أجعل القراء يملون من القراءة، فخير الكلام ما قل ودل، وأقول باختصار أن تسعين بالمائة أو أكثر كانت إيجابية، لا شك أن هناك كثيرين ساهموا في تطوير مدينة الرياض سواء كانوا مسؤولين في الحكومة ابتداء من المقام السامي وأصحاب المعالي الوزراء، والمسؤولين في الحكومة، وكذلك المواطنين بدعمهم للأمانة، واتباع تعليماتها والتعاون معها، وكذلك موظفي الأمانة الذين كان لهم الفضل بعد الله في تطوير مدينة الرياض. لعلي أذكر هناك حالة إنسانية فريدة من التأييد والتشجيع وهي أنه عندما تم توزيع قطع الأراضي على المحتاجين في حيّ العريجاء، بعد تخطيطها، طلب مني معالي الأخ محمد العلي أبا الخيل وزير المالية آنذاك، أن تقوم الأمانة بسفلتة جميع شوارعها قبل بدء المواطنين بالبناء، ليسهل على المواطنين التنقل من ناحية، ولتتحدد حدود الأراضي حتى لا يحصل تداخل بينها فأجبته، أن هذا مشروع كبير، وليس له اعتماد، فقال اطرح المناقصة وقم بترسيتها، وأنا مسؤول عن إدراجها في الميزانية القادمة، هذه أول مرة تحصل أن تطرح مناقصة وترسي بدون اعتماد، وهذه خطوة هامة أقدرها له جزاه الله خيراً، هناك حالات عظيمة لا يتسع المجال لذكرها وتفاصيلها. • بصفتكم رئيساً للمعهد العربي لإنماء المدن، ذلك المعهد من أين استمدت فكرته وكيف رأيتم دور ذلك الشخص، ومدى تأثيره على قيام ذلك المعهد؟ •• المعهد العربي كانت فكرة وكالة الأممالمتحدة «الإسكوا» إنشاء مؤسسة، معهد، مركز، يعنى بشؤون بلديات المنطقة العربية ويكون تابعاً لمنظمة المدن العربية، وقد عرض مشروعه على المؤتمر العام للمنظمة في مدينة الرباط عام 1977م، وكنت أميناً لمدينة الرياض، عضواً في المؤتمر، وكان هناك فكرة أن ينشأ المعهد في مدينة عربية، لكني اقترحت تأجيل البحث في مقره، إلى أن أعود ربما وافقت حكومتنا الرشيدة على تبنيه وإقامته في مدينة الرياض، وهكذا وافق المقام السامي أيده الله على إقامته في مدينة الرياض على أن تتولى الحكومة الصرف عليه خلال الثلاث سنوات القادمة، وهكذا كان، وقام المعهد، ولا تزال المملكة مشكورة ومقدرة تدفع أكثر من 50 % من ميزانية المعهد. • هناك أشخاص كان لهم تأثير في حياتكم العملية وتركوا انطباعا وبصمة على مسيرتكم المهنية، من كانوا وما هي المواقف التي ساهمت في تشكيل آرائكم المستقبلية والمهنية والحياتية؟ •• من الصعب جداً ذكر الأشخاص الذين كان لهم تأثير في حياتي فعددهم كبير، ولعلي ذكرت بعضاً منهم، ومع ذلك فقد كان لوالدي ووالدتي وزوجتي ثم أسرتي تأثير بالغ في حياتي وتحديد مسارها، وأكتفي بذلك. • الحياة مواقف ما هو الموقف الذي أثر عليكم بشكل كبير ولم تنسه طوال هذه السنوات؟ •• لا شك أن الحياة مواقف، وهناك مواقف كثيرة مرت في حياتي قد لا تهم القارئ، ولعل أهم موقف اتخذته بعد تفكير عميق ودراسة متأنية، هو قرار طلب إعفائي من شرف العمل كأمين لمدينة الرياض، لقد فكرت وفكرت، وكتبت الطلب، وأعدت كتابته، وكانت أفكاره تتجمع وتفترق وأنا أمارس رياضة المشي، وبعد فترة ليست قصيرة اعتمدت على الله عز وجل، وقلت إذا عزمت فتوكل على الله، وأبلغت أسرتي بقراري، وشعرت بموافقة واضحة منهم، ثم قدمت طلب إعفائي، إلى كل من صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض الأمير سلمان حفظه الله، ومعالي وزير الشؤون البلدية والقروية آنذاك معالي الأخ الدكتور خالد العنقري. وحاولا معي أن أغير رأيي، ولكني كنت مصمماً على ذلك فقدرا موقفي، ورفعا خطاباً مشتركاً منهما للمقام السامي أيده الله، وصدرت موافقة المغفور له الملك فهد رحمه الله وانتهت مهمتي كأمين لمدينة الرياض، ربما أكون أحسنت كثيراً، وربما أكون أخطأت كثيراً فليغفر الله لي وليسامحني من يعتقد أنني أسأت إليه بدون قصد، إن شاء الله. • شخص قريب من معاليكم كان له دور في خلق جو من المؤشرات التي ساهمت في رؤيتكم للأمور بشكل مختلف؟ •• هناك كما قلت أشخاص كثيرون قريبون أو بعيدون نسبياً كان لهم دور إيجابي في خلق جو من المؤشرات التي ساهمت في رؤيتي للأمور بشكل مناسب وليس مختلفاً.