أمير الشرقية يستقبل الرئيس التنفيذي لهيئة تطوير محمية الملك عبدالعزيز الملكية    الموافقة على الإطار العام الوطني والمبادئ التوجيهية للاستثمار الخارجي المباشر    أمريكا تختار الرئيس ال47.. ترمب أم هاريس؟    مقتل 37 فلسطينياً.. مجزرة إسرائيلية في قطاع غزة    الاستخبارات الأمريكية تكثف تحذيراتها بشأن التدخل الأجنبي في الانتخابات    بدء الاقتراع الرئاسي في نيوهامبشر بالولايات المتحدة    الأكبر في الشرق الأوسط.. مقر عالمي للتايكوندو في الدمام    رابطة محترفان التنس..سابالينكا تحجز مقعداً في نصف النهائي.. ومنافسات الغد تشهد قمةً بين إيغا وجوف    منتدى "بوابة الخليج 2024" يختتم أعماله بإعلانات وصفقات تفوق قيمتها 12 مليار دولار    كيف يعود ترمب إلى البيت الأبيض؟    محافظ الخرج يستقبل مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف بالرياض    انعقاد مؤتمر الأمراض المناعية في تجمع عالمي وطبي    أمين عام رابطة العالم الإسلامي يرأّس اجتماع المؤسسة الثقافية الإسلامية بجنيف    أطفال اليمن يتألقون بتراثهم الأصيل في حديقة السويدي    "الصناعة والثروة المعدنية" تعلن فوز 11 شركة محلية وعالمية برخص الكشف في 6 مواقع تعدينية    الطائرة الإغاثية السعودية ال19 تصل إلى لبنان    المملكة تثري الثقافة العربية بانطلاق أعمال مبادرتها "الأسبوع العربي في اليونسكو" في باريس    توقعات بهطول الأمطار الرعدية على 5 مناطق    مركز مشاريع البنية التحتية بالرياض يشارك في المنتدى الحضري العالمي الثاني عشر بالقاهرة    أرباح «أرامكو» تتجاوز التوقعات رغم تراجعها إلى 27.56 مليار دولار    إشكالية نقد الصحوة    الاتفاق يواجه القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج للأندية    الاختبارات.. ضوابط وتسهيلات    الهلال يمزق شباك الاستقلال الإيراني بثلاثية في نخبة آسيا    المملكة تستحوذ على المركز الأول عالمياً في تصدير وإنتاج التمور    تركيا: نستهدف رفع حجم التجارة مع السعودية إلى 30 مليار دولار    «جاهز للعرض» يستقطب فناني الشرقية    «التعليم»: 5 حالات تتيح للطلاب التغيب عن أداء الاختبارات    الأسمري ل«عكاظ»: 720 مصلحاً ومصلحة أصدروا 372 ألف وثيقة    سلوكيات خاطئة في السينما    إعادة نشر !    «DNA» آخر في الأهلي    المحميات وأهمية الهوية السياحية المتفردة لكل محمية    العلاج في الخارج.. حاجة أم عادة؟    للتميُّز..عنوان    لماذا رسوم المدارس العالمية تفوق المدارس المحلية؟    غيبوبة توقف ذاكرة ستيني عند عام 1980    " المعاناة التي تنتظر الهلال"    في الجولة الرابعة من دوري أبطال أوروبا.. قمة بين ريال مدريد وميلان.. وألونسو يعود إلى ليفربول    تنوع تراثي    الأمير تركي بن طلال يستقبل أمير منطقة الجوف    الأمير عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في قيادة القوات الخاصة للأمن والحماية    نحتاج هيئة لمكافحة الفوضى    في شهر ديسمبر المقبل.. مهرجان شتاء طنطورة يعود للعلا    زرًعِية الشبحة القمح العضوي    كلمات تُعيد الروح    قصص من العُمرة    ربط الرحلات بالذكاء الاصطناعي في «خرائط جوجل»    مسلسل حفريات الشوارع    الاستقلالية المطلقة    تشخيص حالات نقص افراز الغدة الدرقيه خلال الحمل    النظام الغذائي المحاكي للصيام يحسن صحة الكلى    «تطوير المدينة» تستعرض التنمية المستدامة في القاهرة    سعود بن بندر يهنئ مدير فرع التجارة بالشرقية    السعودية تؤكد دعمها لجهود التنوع الأحيائي وتدعو لمؤتمر مكافحة التصحر بالرياض    أمير تبوك يستقبل القنصل البنجلاديشي لدى المملكة        مقال ذو نوافذ مُطِلَّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عبدالله بن صالح العثيمين : بريدة يغلب عليها التشدد والمحافظة وعنيزة أكثر انفتاحا !
نشر في أنباؤكم يوم 27 - 06 - 2009


بريدة - عبدالله السعيد :
" من الصعب أن تعمم على القصيم لكن يمكن القول إن في القصيم مدرستين مختلفتين، أولاهما مدرسة آل سليم رحمهم الله في بريدة وكان يغلب عليهم طابع مدرسة العارض والرياض وفيها نوع من التشدد والمحافظة، والثانية مدرسة عنيزة وهي أكثر انفتاحا ومن علمائها القاضي ابن عائض وكان يدرس في مصر والحجاز ثم جاء بعده الشيخ صالح العثمان القاضي وهو من طلاب الأزهر والحجاز ثم جاء من بعدهم الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله فهذه مدرسة مختلفة وكل له فضله واجتهاده " هكذا أجاب الأستاذ الدكتور عبدالله بن صالح العثيمين الشاعر والمؤرخ والأديب والأمين العام لجائزة الملك فيصل العالمية في سؤال وجه إليه عن طبيعة التشدد في منطقة القصيم والذي برأ فيه مسقط رأسه " عنيزة " عن كل إثم وخطيئة وتعرضت " بريدة " لنقد وملاحظات عدها البعض أنها مخالفة للحقيقة فيرى مراقبون ومؤرخون من أهل المنطقة أن " بريدة " هي مدرسة التعدد الفكري بكل أطيافه وألوانه مستشهدين بعدد من الأحداث والتواريخ المتنوعة والكثيرة ويرى آخرون خلاف ذلك ولايمكن الإجابة عليه بمثل هذا التعميم البسيط .
فإلى نص الحوار من جريدة عكاظ السعودية :
حوار : بدر الغانمي
لن أبني قصورا من الثناء للأستاذ الدكتور عبدالله بن صالح العثيمين الشاعر والمؤرخ والأديب والأمين العام لجائزة الملك فيصل العالمية، لأن قدره أن يكون نهبا لمواهبه المتعددة .. فالشعراء يقولون أنه مؤرخ والمؤرخون يرون أنه شاعر.. وفي الحالتين فهو شاعر ملتزم بقضايا أمته وشعره واقعي لا يحلق في فضاءات الخيال واستطاع أن يحوله إلى وثيقة تاريخية للأحداث.. عايش السراب العربي ومازال متمسكا ببقاياه رغم رؤيته خيبات الأمل .. العثيمين الذي نشأ في بيت علم وفضل يعترف بأنه مازال متدثرا بعباءة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، لكنه لا يجد حرجا في الاعتراف بأنه على خلاف التخصص .. كشف أوراقا وأدلى باعترافات وأعلن وقفته الصادقة مع طه حسين والقومية العربية، وأثبت بالدليل القاطع أنه ظل مسيرا في كل خطواته وليس مخيرا .. حوار فيه من الشفافية وملامسة الجروح ما يستدعي قراءته والتوقف عند نقاطه وحروفه ..
•الناس يقولون إنك مازلت متدثرا بعباءة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين ولم تخرج منها؟
أسعد وأفتخر إن كانت هذه العباءة تظلني سواء في نظرة المجتمع، أو من حيث تأثري به، وليس هناك من شك أنه رحمه الله أبرز شخصية في أسرتنا، وله الفضل في تدريسي في المرحلتين المتوسطة والثانوية، لكن تأثري به محدود من الناحية العلمية لأن تخصصي في التاريخ مختلف عن تخصصه في العلوم الشرعية.
• ألا تجد حرجا يوم أن يكتشف الناس أنك شقيق الشيخ محمد ولست متبحرا في المسائل الشرعية؟
إطلاقا، وأنا أقولها دائما بصراحة لا تسألوني عن العلوم الشرعية، والمسألة ليس فيها أي حرج، ولك أن تعرف أن أولاد الشيخ الخمسة ليس فيهم واحد متخصص في العلوم الشرعية أيضا.
• اهتمامك بدراسة التاريخ لم يكن عن رغبة؟
كنت أميل إلى العلوم الطبيعية أكثر من الأدب، ولكن ما حدث معي في كل حياتي منذ أن كنت صغيرا وإلى الآن يتم دون تخطيط مني، ومازلت مسيرا في كل خطواتي ولا أشك أن ما يحدث لي هو قضاء وقدر من الله سبحانه وتعالى.
• منذ المرحلة الابتدائية في عنيزة؟
لم أدرس من البداية في مدرسة حكومية، بل في كتاب متطور نوعا ما حيث درست الخط والإملاء والأناشيد والحساب بأسسه الأربعة إضافة إلى القرآن الكريم، وعندما انتهيت منه وكنت في الثانية عشرة من عمري كان والدي يعمل في الرياض فكتبنا له أنا وابن عم لي يكبرني بأربع سنوات على أساس أننا عرفنا العلم وصرنا نقرأ ونكتب فذهبنا وعملنا مع والدي وعمي في دكانهم وبقينا هناك إلى أن أصبت بالتهاب رئوي شفت الموت من ورائه وظللت أشعر بالبرد رغم أنني أكلت فلفلا في العشاء لعله يدفئني، إلا أن ذلك لم يفلح وأصبت بضيق في التنفس وعندما أكح يخرج من فمي دم، فقرر الوالد أن يعالجني بالكي الشعبي رغم وجود طبيب في الرياض في ذلك الوقت وفعلا كانت نظرته صائبة رحمه الله فقد قمت بعد الكي وصببت القهوة للوالد وعمي والجالسين والغريب أنني لحظة الكي لم أشعر بالألم مع أنني لو وطأت على جمرة لما تحملتها، وأصابني الملل بعدها من البقاء في الرياض فعدت إلى عنيزة.
• عدت للدراسة؟
لا، اشتغلت مع عمي في مزرعةللأسرة في الوادي..وادي الرمة وكنا نطلع قبل أذان الفجر بساعة إلا ربعا على الحمير ونشتغل إلى منتصف العصر، واستمررت لأكثر من سنة ثم جاءتني رسالة من الوالد يخيرني فيها بين مسألتين: إما الذهاب إلى الرياض والعمل في الدكان أو دخول المدرسة العزيزية للدراسة، فاخترت المدرسة ليس حبا فيها ولكن لعدم رغبتي في العودة إلى الرياض، وعندما ذهبت للمدرسة اختبرني مساعد المدير عبد الله اليحيى رحمه الله فوجد أن خطي جيد وعندي معرفة بالحساب فقال لي: نحطك في ثالثة أو رابعة فاخترت الصف الرابع وكنا في الفصل الثاني من السنة، وكانت مادة القواعد تبدأ من هذا الصف ولم يكن عندي علم بها وكان مدرس المادة عبد الله العلي النعيم أمين مدينة الرياض سابقا، فقال لي: رح للشيخ محمد بن صالح العثيمين واطلب منه أن يشرح لك أقسام الكلام، وفي نصف ساعة شرحها لي رحمه الله وخلال ثلاثة أسابيع استوعبت المادة، والحقيقة لم أضطر في يوم من الأيام لمراجعة أية مادة درسها لي في البيت لطريقته السهلة والفريدة في الشرح، ومن شدة دقته في مادة أصول الحديث أعطاني 29 وثلاثة أرباع الدرجة من ثلاثين، ولا أدري كيف أخذ مني ربع الدرجة المتبقي، ولا أنسى أن عبد الله النعيم أمسك بيدي أمام الطلاب وقال لهم بالعامية: شوفوا هذا اللي يده مثمنة من المسحاة والمخلب خلال ثلاثة أسابيع صار أزين منكم.. واستمررت وصعدت للسنة الخامسة والسادسة وأنا في المركز الأول، وبعدها ذهبت للمعهد العلمي في الرياض ودرست السنة الأولى ومع نهاية العام فتحوا فروعا للمعهد في بريدة وشقراء والمجمعة وعنيزة، فعدت إلى عنيزة وكان معهدها يختلف جوهريا. ففي الرياض كان لابد من أن يلبس الطالب مشلحا، ويكون مكسرا وليس زريا، أما في عنيزة فكنا بثيابنا العادية، وأتذكر أن تلك الفترة شهدت نشاط الأجواء العربية وتوهج القومية وبخاصة بعد مؤتمر باندونج لدول عدم الانحياز عام 1955م، ثم العدوان الثلاثي على مصر فعملنا «نادي» عن طريق الانتخابات وعملنا مسرحية عن غزوة بدر وألبسنا أحد الأولاد لباس امرأة ترعى الجرحى وكان الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله حاضرا .
• لم يعترض على شيء؟
كان متفتحا رحمه الله وسبق علماء منطقته في ذلك الوقت، وكان قد أفتى قبل وفاته عام 1376ه بجواز نقل الأعضاء وكانت مجرد فكرة ولم تجر أية عملية ذلك الوقت.
• الذي عرفته أنك كنت تدرس مرحلتين في وقت واحد؟
في ذلك الوقت كانت عندي ميول إلى العلوم فكنت وأنا في المعهد أحضر نفسي لأخذ الكفاءة على أساس أنه يمكن أن انتقل إلى الثانوية، فدرست الرياضيات والإنجليزي والهندسة عن طريق مدرسين أدفع لهم من جيبي وفعلا قدمت للكفاءة ونجحت فيها وفي نفس الوقت انتهيت من السنة الرابعة في المعهد التي تعادل أولى ثانوي ومع بداية السنة وكنت عازما على الاستمرار، لكنني فوجئت بقرار فصلي من المعهد مع اثني عشر طالبا آخرين لسبب لاأعلمه حتى الآن.
• هل يعقل أن تفصل دون إبداء الأسباب؟
إلى هذه اللحظة لا أعرف لماذا فصلوني، ولكن الخطاب الذي استلمته من مدير المعهد في عنيزة بأنه بناء على ما تلقيناه من فضيلة المدير العام للمعاهد والكليات المبني على توجيه سماحة المفتي: اعتمدوا طي قيدكم.
• ربما من أجل المسرحية؟
لا أعتقد لأن المفصولين كانوا من كل المعاهد والكليات في تلك السنةالتي أطلق عليها البعض ( سنة التطهير).
• كنت متمردا من الصغر؟
ليس تمردا بل عدم القبول بالضيم الاجتماعي من جهة وما ينال الأمة الإسلامية من جهة أخرى .
• عدت للعمل مرة أخرى؟
كنت حاصلا على شهادة الكفاءة والذين فصلوني سمحوا لي أن أدرس في المرحلة الثانوية بالانتساب والمعهد كان يصرف لي مكافأة، ولو ذهبت للثانوية فستضيع المكافأة، فقدمت على وظيفة مدرس بالابتدائي وتم قبولي فقضيت السنة الأولى في الرياض ثم عدت إلى عنيزة في السنة الثانية، و أثناء تدريسي قدمت للشهادة الثانوية في المعهد السعودي في مكة بالانتساب وأخذت الشهادة عام 1378ه وجاء ترتيبي الأول على المنتسبين والثاني على المنتظمين، وكنت آمل أن أبتعث إلى مصر بالذات في ذلك الوقت مع صعود تيار القومية والوحدة العربية، وكنت منبهرا بهذه الأجواء ولكنني صدمت مرة أخرى برفض ابتعاثي وهذا آلمني كثيرا فكتبت قصيدة بعنوان (لا تظلموه) ونشرتها في جريدة الرياض ومن ضمن ما قلته فيها:
وظننت أن المرء يبعث بالتقدم والنجاح
وإذا بغير الواسطات يضيع مفعول السلاح.
• وهل وجدت رجعا للصدى؟
أبدا، فقررت الالتحاق بجامعة الملك سعود.
• شعرت بأن الفرصة ضاعت عليك من الناحيتين العلمية والفكرية طبعا؟
بدون شك من الناحيتين.
• الغريب أن المد القومي ظل سرابا في كل نتائجه؟
بغض النظر عن ذلك فأنا مقتنع بأنه لن يتم نصر للأمة العربيةإلا بوحدتها وأي عدم تضامن بين أقطارهاخسارة لها.
• في ظل نظرية أنك مسير ولست مخيرا، ما الذي حدث عندما التحقت بجامعة الملك سعود؟
لم تكن عندي ميول لكلية الآداب ولكنني لم أجد بديلا لها فالتحقت بها، وكنت في ذلك الوقت معجبا بطه حسين عميد الأدب العربي رحمه الله، وكان يدرسنا الأدب الجاهلي في الكلية الدكتور أحمد الحوفي وكان كل هدفه أن يحطم نظرية طه حسين، فكنت دائما أتناقش معه ومع مضي الأيام كان مصطفى السقا هو عميد الكلية ومدرسنا في مادة القواعد وظل يكن حبا لي ولزملائي القادمين من المعاهد العلمية، لأننا درسنا ابن عقيل ولغتنا العربية جيدة جدا، وحدث أنني كتبت مقالة في اليمامة انتقدت فيها الأساتذة وطريقتهم وأن تدريسهم ضعيف ولا يختلف عن الثانوية فلم يعجب هذا الأمرأغلب أساتذتي.
• خطوة متهورة منك؟
ليست تهورا بقدر ما كانت محرجة لإدارة الجامعة، لأن معظم الأساتذة من مصر وهؤلاء طالبوا بفصلي، فالجامعة ردت عليهم بأنني شاب ناشئ ولا أفهم شيئا، فاستثارني كلامهم فكتبت مقالة ردا على خطاب الجامعة وذهبت إلى سعد البواردي في مجلة اليمامة وعندما قرأ مقالتي، قال لي : وين أنت رايح، ولن ننشره لك وستسمع أخبارا فرجعت، وبعد يومين أخبروني أنني فصلت، فذهبت لناصر المنقور رحمه الله مدير الجامعة فسألته: من الذي فصلني، فقال: هذا قرار مجلس الجامعة، فقلت له: ومن هو مجلس الجامعة، فقال لي :هذا ماهو شغلك، فخرجت من مكتبه.
• لم تبذل أية محاولات للعودة من قبلك؟
كانت الجامعة صغيرة وكان من زملائي الطلاب في تلك الفترة في كلية العلوم الدكتور محمد عبده يماني وفي كلية العلوم الإدارية الدكتور منصور التركي وكنا كتلة واحدة فساءهم قرار فصلي، ومن الصدف أن أحمد زكي يماني كان مستشارا في مجلس الوزراء قبل أن يصبح وزير البترول ويلقي عليهم محاضرات في القانون فاجتمعوا وأنا موجود ولم يكن يعرفني، فأخبروه بالموضوع وطلبوا شفاعته لدى إدارة الجامعة، فقال جملة مازلت أذكرها إلى الآن : يابويا هذا لم يخطئ بحق الجامعة فقط بل أخطأ بحق الدولة.
• بماذا فسرت موقفه؟
إن الله لم يسخره للخير في ذلك الوقت، ومن مفارقات الصدف أن زارنا الملك فهد رحمه الله بصفته وزيرا للمعارف ورئيسا أعلى للجامعات واجتمع بالطلاب والأساتذة على ضوء ما كتبته في المقال وانتقدني كثيرا على تصرفي.
• لم تراجع نفسك بعد كلامه؟
بعدين عندما فكرت وجدت أنه رحمه الله لا يلام على موقفه لأن المصلحة العامة ومصلحة الجامعة كانت أهم من طالب واحد، ومن حسن حظي بعد هذه الزيارة بيومين أن الشيخ أحمد صلاح جمجوم وزير التجارة آنذاك، كان يلقي محاضرات على طلاب كلية التجارة، فطلبوا شفاعته في الموضوع، فقال: ولا يهمك، أنا أكلم المنقور ولم يكن يعرفني أصلا، وفعلا تم الحديث بينهما واتفق على أن أحضر خطابا من الأساتذة بالسماح لي بالعودة فحل نصف الموضوع ولا أنسى لذلك الرجل النبيل هذا الموقف معي أبدا، وتولى الدكتور مصطفى عامر مستشار الجامعة بعد أن ذهبت إليه التحدث مع الأساتذة الغاضبين فاتفق على أن اكتب اعتذارا فكتبته وعدت بعد ثلاثة أسابيع من الفصل وكانت الاختبارات على الأبواب وأمامي ثلاثة خيارات فإما اللغة العربية أو الجغرافيا أو التاريخ، ونظرا لتخوفي من قبل الأساتذة الذين اصطدمت معهم في قسمي الجغرافيا واللغة العربية، لم يكن أمامي من خيار سوى الالتحاق بقسم التاريخو لم يكن خيارا مني، ولكن هكذا سارت الأمور.
مرحلة الخويطر
• يقال إن أمورك انقلبت رأسا على عقب بعد تولي الدكتور عبد العزيز الخويطر إدارة الجامعة؟
هذا صحيح ولم يكن الأمر باختياري أيضا فقد أعلنت الجامعة بعد توليه المسؤولية عن رغبتها في خمسة موظفين للمكتبة فتقدمت مع المتقدمين وتم اختياري، وعندما رأى الدكتور الخويطر اسمي طلب أن أعمل معه في المكتب ولم يكن يعرفني، لكن ربما كان لتفوقي في اللغة العربية دور فأصبحت أول سكرتير له، وكنا نجلس متقابلين في مكتب واحد، وإذا جاء شخص لا يريدني أن أسمع حديثه كان يطلب مني المغادرة، والحقيقة أن الدكتور الخويطر تعامل معي بحب ورقي وحرص على أن تتحقق مصلحتي ومصلحة العمل في آن واحد.
• توقفت عن الدراسة طبعا؟
لا، عقدنا اتفاقية أنا والدكتور الخويطر تسمح لي بحضور بعض المحاضرات على أن أحضر ليلا للعمل خارج الدوام بدون مقابل مادي، كما أصبحت وهذه من عجائب الصدف أحضر مجلس الجامعة الذي فصلني في العام الماضي بصفتي سكرتيره وكاتب المحضر، وظللت أحضر المجلس إلى أن عين الدكتور عبد الله الوهيبي رحمه الله أمينا عاما للجامعة، فاقترح عميد كلية الآداب عزت النص عدم حضوري في ظل وجود أمين عام للجامعة.
• أعتقد أن الدكتور الخويطر كان مديرا للجامعة ومحاضرا أيضا في قسم التاريخ؟
كان يدرسنا تاريخ المملكة ونصوصا تاريخية، وإذا أراد أن يمشي للمحاضرة من مكتبه لإلقاء المحاضرة يقول لي: مشينا، وهذا أيضا مقابل نفس الشرط الذي ذكرته وهو أن أعمل خارج الدوام بدون مقابل مادي وكنت سعيدا بهذا الأمر، لأنه أضاف لي سنتين من الخبرة الإدارية إضافة إلى سنتين في التدريس مسبقا وهذا يضيف لي درجة في التوظيف.
• استفدت منها بعد تخرجك في الجامعة؟
خيرت من قبل الدكتور الخويطر بعد أن حصلت على المركز الأول في الكلية بين أن أكون معيدا في الجامعة براتب أقل وبين العمل بالسنوات الأربع كخبرة وذلك وفق النظام، فاخترت أن أكون معيدا لأنني ظللت أحلم بالابتعاث إلى الخارج وتعلم اللغة الإنجليزية وفعلا صرت معيدا وجاءني القبول من بريطانيا وأمريكا، فأشار علي الدكتور الخويطر بالذهاب إلى جامعة أدنبرة في اسكتلندا لأبتعد عن صخب العاصمة البريطانية، فذهبت إلى اسكتلندا وعين لي أكبر مستشرق بريطاني (مونتجمري وات) مشرفا واقترح علي أن أكتب عن تاريخ الحركة الوهابية بعد أن كتب في نص قراري العبارة التالية (على أن لا يتخصص في تاريخ المملكة العربية السعودية) طبعا بسبب أن الدكتور محمد الشعفي سبقني بمرحلة لا بأس بها في دراسة تاريخ المملكة، وأنظر كيف تسير الأمور.
• الغريب أنك قضيت خمس سنوات في تحضير الرسالة وهي فترة طويلة بلا شك؟
الحقيقة أنه كان لي مشرف آخر اسمه مستر وولش إلى جانب مونتجمري وات فاستغللت الفرصة ولعبت على الحبلين وتفرغت للعمل الوطني بعد نكسة 1967م فكنت اشترك في إقامة المناظرات مع البريطانيين من المتعاطفين مع القضية العربية والإسلامية وانشغلت كثيرا بهذا الموضوع وبعد سنتين كان كل مشرف يظن أنني أذهب للآخر، فكتبت جامعة الملك سعود تسأل عني فبدأت أعمل على الرسالة وانتهيت منها عام 1972م .
• ما الذي ميز المستشرق مونتجمري وات؟
أولا تأليفه أكثر من عشرة كتب عن تاريخ الإسلام وحضارته أشهرها محمد في مكة ومحمد في المدينة ومحمد نبيا ورجل دولة.
• وكان منصفا في طرحه؟
بالنسبة لهم، أما نحن فنعتبره جيدا والرجل درس عددا كبيرا من الأقطاب في عالمنا العربي وكان متعاطفا مع الإسلام، وكان يقول :لقد احترت فالمسيحيون يظنونني قد صبوت بمدحي للرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون يقولون له ولماذا لم تسلم بعد أن توصلت لهذه الحقائق فالرجل كان معقولا.
طه حسين
• إعجابك بطه حسين ألم يواجه انتقادات حادة، خصوصا أن الرجل وصل إلى مرحلة تم تكفيره فيها من قبل بعض العلماء؟
لو سمعت طه حسين في أسلوبه وطريقة إلقائه فإنك تتمنى أن لا يتوقف عن الكلام، ثم إن كتابته عن الحركة الوهابية كانت جيدة جدا، وفي أواخر أيامه كتب (على هامش السيرة) و(الوعد الحق) وهي كتب تؤثر في قارئها أكثر من الدراسات الأكاديمية، بل وصلت في مستواها كأنك تشاهد فيلما مؤثرا فالرجل يرجى له الخير إن شاء الله .
• لكنه كان ضد القومية التي تؤمن بها إلى الآن؟
من المعروف أنه ضد القومية وإن كان يتحمس للغة العربية، ولم يكن وحده فكل الرعيل الأول من المصريين باستثناء حافظ إبراهيم إلى حد ما كانوا ضد التوجه القومي.
• هذا الإعجاب بالرجل وأنت لم تدرس في مصر فكيف بك الحال لو ابتعثت إلى هناك؟
بالعكس ربما كان سيحدث العكس فأنا درست في الغرب، ولكنني ضدهم في كتاباتي فليس من الضروري أن يتأثر الإنسان بالمدرسة التي تخرج منها .
• وهذا يستدعيني لأسألك يا دكتور عن أسباب الإشارة إلى منطقة القصيم دائما على أنها متشددة أكثر من غيرها من مناطق المملكة؟
من الصعب أن تعمم على القصيم لكن يمكن القول إن في القصيم مدرستين مختلفتين، أولاهما مدرسة آل سليم رحمهم الله في بريدة وكان يغلب عليهم طابع مدرسة العارض والرياض وفيها نوع من التشدد والمحافظة، والثانية مدرسة عنيزة وهي أكثر انفتاحا ومن علمائها القاضي ابن عائض وكان يدرس في مصر والحجاز ثم جاء بعده الشيخ صالح العثمان القاضي وهو من طلاب الأزهر والحجاز ثم جاء من بعدهم الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله فهذه مدرسة مختلفة وكل له فضله واجتهاده .
تاريخ المملكة
• لماذا توقفت في كتابة تاريخ المملكة عند فترة الملك عبد العزيز فقط؟
ما لم أتحدث عنه هو موضوع الكتابة عن الشخصيات بمعنى أن أحولها إلى حقب لكنني رصدت التطور الذي حدث وتكلمت عنهم ككل وفي رأيي أن الأمور التي حدثت بعد وفاة المؤسس رحمه الله أقرب إلى العلوم السياسية منها إلى التاريخ .
• في كتابتك عن الحركة الوهابية كتبت آراء معارضيه في الفصل الخامس لكنك لم توضح موقفك الشخصي منها؟
رأيي أن ابن عبد الوهاب أقرب إلى الصواب لأنه يعتمد على مصدري التشريع في الإسلام وهما القرآن والسنة، وأكثر شيء بين الشيخ ابن عبد الوهاب وخصومه هما قضية القبور والتوحيد.
• عندما تتحدث عن الشعر تحاول دائما الابتعاد عن الغزل فما المعيب فيه؟
لا خلاف عندي مع الشعر الغزلي وعندي قصائد متعددة فيه لكنني لا أميل إلى نشره.
• لأنك من أسرة علم ودين؟
أنا لا أميل إلى نشرها الآن لأنني وصلت إلى مرحلة متقدمة من العمر ولو كنت أخرجت هذا الشعر قبل ثلاثين سنة لكان مناسبا لوقته، خصوصا ما يتعلق بالحب والمحبوبة.
• هذا يعني أنك جربت الحب؟
ومن منا لم يمر به.
• بالمناسبة.. من يعجبك في شعره الغزلي داخليا وخارجيا؟
في النبطي الشاعر النابغة عبد الله بن سليم، لكن الذي تلذذت بقراءة شعره ولم يمر علي مثله وإن كان أكثر شعره عن الخمر والغزل فهو بشارة الخوري، أما في الشعر المحلي وإن كنت لست متابعا له كثيرا فيعجبني شعر الدكتور غازي القصيبي.
• ورواياته؟
لم أهتم بها كثيرا وإن كنت في أوقات فراغي أثناء الدراسة قرأت روايات أجنبية فيها شيء يستحق القراءة مثل همنجواي ومسرحيات برنارد شو.
• ما الفارق في التقييم بين جائزة نوبل وجائزة الملك فيصل رحمه الله؟
جائزة نوبل تركز في مجال الأدب على الإبداع، وجائزة الملك فيصل تركز على الدراسات، وإن كانت اهتمت بالإبداع ثلاث مرات كما اهتمت بالترجمة، ونحن لدينا أدب عربي وهم أدب عالمي، ولكن الملاحظ أن جائزة نوبل محايدة في العلوم والطب ومجاملة في الأدب، وكلنا يعرف أن الجائزة أثناء الحرب الباردة كانت تذهب لمن يهاجمون الاتحاد السوفييتي، أما في السلام فيمكن الحكم عليها بأنها لم تتوان في منحها لمناحم بيغن مثلا.
• ما الذي تأخذه على من سبقوك في كتابة تاريخ المملكة؟
أنا أتصور أن أي مدح يزيد عن المعقول ينقلب إلى ضده وكانت ملاحظتي عليهم أن مدحهم للقادة كان مبالغا فيه على ما فيهم من الخير لكن كيف تصوغ هذا المدح، والأمر الثاني دخولهم في تفصيلات الحقب بعد الملك عبد العزيز .
• بماذا تفسر تمرير ما كتبته في كتب (ابن عبد الوهاب) و(تاريخ نشأة إمارة آل رشيد) وترجمتك لأول ما كتبه فيلبي عن جزيرة العرب تحت عنوان (بعثة إلى نجد) دون اعتراض من الرقابة؟
السماح بطباعة هذه الكتب يعطيك فكرة عن نوعية المناخ المتفتح الذي تريده القيادة.
• في هذا السياق هل كتب التاريخ الوطني بموضوعية؟
يعتمد هذا على أية نقطة، لكنني أعتقد أن كتابات الزركلي كانت جيدة وكذلك فؤاد حمزة وهم من المؤسسين وفي رسائل الماجستير والدكتوراة التي ناقشت هذا الموضوع هناك كتابات أكثر من جيدة في هذا المجال بعضها نشر وبعضها لم ينشر.
• دكتور.. لماذا مارستم تعتيما إعلاميا على حالة الشيخ محمد قبل وفاته وكأنكم كنتم تتخوفون من شيء؟
أبدا لم نمارس هذا الشيء وكل ما في الموضوع أن مرضه رحمه الله استشرى في كل أنحاء جسمه قبل أن يكشف بشكل دائم، وهذا المرض أنواع فأحيانا يكون سريانه بسرعة وأحيانا بطيئا.
• هل صحيح أنه رفض العلاج الكيماوي؟
لا، لم يرفض ولم يعارض العلاج الكيماوي واقتنع به، ولكن أمر الله كان نافذا والحمد لله.
• قبل أن أودعك أحببت أن أعرف .. إلى متى ستستمر في منصب أمين عام جائزة الملك فيصل العالمية التي قضيت فيها حتى الآن قرابة ربع قرن؟
أنا سعيد بثقة المسؤولين عن هذه الجائزة وسأبقى فيها لأنني استفدت كثيرا وشكلت معرفتي بالعلماء الفائزين بها ومخالطتهم مكسبا لا يقدر بمال، ويكفي ميزة أن القائمين على الجائزة لا يتدخلون في اختياراتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.