عندما تذكر الثقافة اليمنية والأدب اليمني والشعر يذكر على الفور المناضل اليمني والشاعر محمد محمود الزبيري والشعراء زيد الموشكي وإبراهيم الحضراني والدكتور الشاعر والناقد الكبير عبدالعزيز المقالح والشاعر الكبير عبدالله البردوني ولطفي جعفر أمان ومحمد سعيد جرادة... وآخرون. وعندما يذكر الغناء اليمني تضيء هذه الأسماء أحمد عبيد قعطبي ومحمد جمعة خان ومحمد إبراهيم الماس وفضل اللحجي من الرواد، فيما تضيء أسماء تمثل حركة التجديد في الغناء اليمني، وهم محمد مرشد ناجي ومحمد سعد عبدالله وأحمد قاسم وعلى الآنسي وفيصل علوي وأيوب طارش وعلي السمة... وغيرهم من الأسماء الفاعلة. أتذكر واستعيد هذه الأسماء التي ارتبطت بذاكرتي وشكلت جزءا من وجداني وثقافتي وأنا اسمع نبأ وفاة الفنان الكبير محمد مرشد ناجي الذي كنت وما زلت أراه أحد الفنانين الذين يمثلون الوجه الناصع والمضيء للغناء الراقي والملتزم من خلال ارتهانه إلى ثقافة أدبية وشعرية وسياسية، ونظرا لمعايشته لأبرز التحولات الاجتماعية والسياسية في اليمن الكبير من صنعاء إلى عدن، وانحيازه للقضايا الوطنية، حيث شكلت أغانيه تجسيدا للمراحل المفصلية التي مر بها اليمن. لم يكن محمد مرشد ناجي مجرد فنان كأغلب فناني اليوم فناني الترف الذين يملكون الكثير من الشهرة والوجاهة والمال ولا يملكون الموهبة الحقيقية إنهم مصنوعون لا موهوبون. لقد التقيت بالأستاذ محمد مرشد ناجي في جدة، برفقة الزميل علي فقندش، وقد جاءنا إلى «عكاظ» زائرا، وقد أتيح لي أن ألتقيه خلال تلك الزيارة في منزل الأستاذ الفنان الصديق محمد عمر.. في ليلة لا أنساها ضمت مجموعة من الأصدقاء، وكان حوارا ممتع معه حول قضايا الفن والثقافة، وقد التقيته قبل زيارته إلى جدة في العاصمة العراقية بغداد في لقاء عابر، حيث جاء ضمن الوفد اليمني المشارك في مهرجان المربد، وبرفقة شعراء ومثقفين بارزين من محمد عبده غانم إلى إبراهيم الحضراني وعباس المطاع وعلي بن علي صبرة... وآخرين. في حواراتي معه أتذكر وعيه الجاد والحاد بالشعر، وقد غنى لكبار الشعراء اليمنيين، وريادته المبكرة في تلحين القصائد، بل إنني اعتبره من الفنانين الأوائل على مستوى الجزيرة العربية والخليج من ارتكز على فهم الشعر الحقيقي في أهدافه ومراميه ومعانيه، فلم يكن من الفنانين العابرين الذين لا يملكون ثقافة أو من هؤلاء الذين تغلب عليهم السطحية والهشاشة في أحاديثهم ولقاءاتهم، إنهم يحمل وعيا ثقافيا وسياسيا عاليا. أتذكر محمد مرشد ناجي وأنا أستمع إلى أول أغنية جذبتني لهذا الفنان الاستثنائي، كان ذلك في مدينتي جيزان، حيث كان المجتمع هناك وما زال يعشق الفن الصنعاني والعدني والحضرمي، إنها أغنية «يا نجم يا سامر» كلمات الدكتور سعيد الشيباني والتي طلبتها منه شخصيا ليغنيها ليلة سهرتنا معه في منزل الفنان الصديق الفنان محمد عمر. لا يمكن أن تمر وفاة الفنان محمد مرشد ناجي هكذا دون أن أتذكر أزهى وأجمل سنوات حياتي في مدينتي جيزان، حيث كانت المجالس و«المقايل» تشكل جزءا مهما من حياة اجتماعية تتداخل فيها الثقافة بالفن، وكان الفن المصري، واليمني والفن الحجازي حالة وجدانية وثقافية وشعرية وإبداعية عامة. ذلك أن الفن له حضوره الطاغي في حياتنا، وثمة مساحة هائلة وواسعة يحتلها الغناء تحديدا بوصفه ثقافة وارتقاء، وليس مجرد سماع فقط. محمد مرشد ناجي غنى للوطن والأرض والإنسان والبحر، غنى «أنا الشعب»، و«مخلف صعيب»،، و«يا بلادي»، و«مش مصدق»، و«لقاء»... وغيرها. إنه تاريخ فني وثقافي لم يلتفت إلى أهميته وريادته إلا القليل الذين يعرفون ويدركون مسؤولية الفنان ومواقفه، إنه أحد الفنانين الكبار في هذا الزمن العابر. [email protected] للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات، 636250 موبايلي، 737701 زين تبدأ بالرمز 203 مسافة ثم الرسالة