عبر تاريخ المسلمين تقرأ أخبار التنافس بين الأثرياء على بناء أكبر وأفخم المساجد وإسرافهم في إنفاق الأموال الطائلة على زخرفتها وفرشها وتزيينها كمسجد المنصور في بغداد والمسجد الأموي في دمشق وعمرو بن العاص في مصر وغيرها من المساجد الكبرى التي بنيت بتكلفة مالية عالية أنفق أغلبها على رخام وزخارف ونقوش وفرش وإضاءات وحدائق ونوافير وغيرها من الكماليات، واستمرت تلك الثقافة المتسمة بالتسابق والتباهي ببناء أكبر المساجد وأفخمها والسخاء في الإنفاق عليها إلى حد التبذير ترافق أثرياء المسلمين إلى يومنا هذا، ففي الجزائر بني خلال الأعوام القليلة الماضية مسجد ضخم صمم ليكون ثالث أكبر مسجد في العالم بعد الحرمين الشريفين ويقال إن تكلفة بنائه تجاوزت مليار يورو، وقبله بني مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي الذي يعد هو أيضا نموذجا للتنافس في الإنفاق على بناء أكبر وأفخم مسجد، حيث كلف بناؤه ما يزيد على ملياري درهم ويعد رابع مسجد في الحجم بعد الحرمين الشريفين ومسجد الحسن الثاني في المغرب، هذا التنافس في أحجام المساجد وفخامتها والإنفاق الباهظ على الكماليات ومظاهر الزينة فيها، ألا يدخل في حكم التبذير المنهي عنه في الإسلام؟ وأليس في ذلك تناقض مع الهدف من بناء المسجد الرامي إلى التقرب إلى الله؟ وهل المسلمون يبنون المساجد للعبادة ونيل الأجر من ربهم أم يبنونها للتفاخر والتباهي؟ أم أن المساجد حين تبنى بحجم أصغر وتكلفة أقل لا تؤدي الغرض الذي بنيت من أجله؟ إن هذا التنافس والتسابق إلى التباهي ببناء أكبر المساجد الكبيرة وأفخمها قد يكون مقبولا حينما يكون أهل البلد يجدون حاجاتهم الأساسية متوفرة، أما حين يكون أهل البلد يئنون من صعوبة الحياة ونقص الخدمات الضرورية لمعيشتهم كصعوبة الحصول على سرير في مستشفى، أو رداءة المباني المدرسية، أو حاجة كثير منهم إلى مساكن تؤيهم، أو بطالة تفتك بشبابهم أو غير ذلك من الاحتياجات الأساسية للبقاء، فإن خبر إنفاق الأثرياء مبالغ طائلة على بناء مساجد ضخمة فخمة في أماكن قليلة السكان حيث لا ينتفع بها عدد كبير، يصير خبرا باعثا على الحيرة، وذلك مثل الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام عن بناء أحد الأثرياء لجامع ضخم كلف بناؤه 150 مليون ريال في محافظة صغيرة لا يبلغ عدد سكانها ثلاثين ألف نسمة، فما قيمة أن تنفق ملايين على بناء جامع فخم ضخم في مكان صغير كهذا ؟! ألم يكن من الأجدى أن يقلص الإنفاق على كماليات ومساحات لا ينتفع بها أحد وأن تصرف بقية الأموال على مشروع ينتفع به المجتمع كالإنفاق على بناء مدارس أو مستشفيات أو مساكن أو إيجاد فرص عمل للعاطلين أو غير ذلك مما يفيد الناس؟ إن كانت الغاية ابتغاء وجه الله فإن الإنفاق لخدمة المجتمع هو من وجوه الخير التي يرجى نيل الأجر عليها من رب العالمين، فأعمال البر لا يدخل ضمنها التفاخر بالأحجام أو الكماليات ومظاهر الترف. فاكس 4555382-1 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة