يعرف البعض مقرن بن عبدالعزيز، ليس فقط كطيار، أو كأمير منطقة، أو كرئيس للاستخبارات العامة، أو كمستشار ومبعوث لخادم الحرمين الشريفين، أو كنائب ثان لرئيس مجلس الوزراء، أو كمحب لعلوم الفلك، أو كعاشق للتقنية والطبيعة والقنص، بل يعرفونه كمواطن قريب منهم، إنسان في تعامله، خلوق في فضائله، مرح بطبعه، إداري بارع في عمله، لكن البعض لا يعرفه حق المعرفة، إلا من خلال تلك المواقع التي شغلها. تتجلى في الأمير مقرن صفات يصعب في هذه العجالة ذكرها، لكن في ذاكرتي احتفظ بمواقف عدة، فهو قمة في التواضع والإنسانية، رقيق في مشاعره، بسيط في تعاملاته، حازم في إدارته، محنك من الطراز الأول. تعود بي ذاكرتي إلى مواقف عدة مع سموه والتقط هنا بعض المواقف التي أتذكرها: عندما زار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز المنطقة الجنوبية وقبل انتهاء الحفل بلحظات كنت خارج مقر الحفل، وإذ بالأمير مقرن يغادر وبعد مصافحته سألني ممازحا «وش عندكم هنا» فقلت له «ننتظرك»، فتبسم ضاحكا «الصحافة ورانا ورانا»، فقلت له: «أنت صديق الإعلاميين»، فرد بتواضعه المعهود: «أنا صديق لكل مواطن، وأخ للصغير والكبير»، تحدث معنا بعيدا عن دائرة النشر . أتذكر في مكالمة مع سموه، وما إن سمعت صوته قلت له سلامات صوتك على غير العادة، فرد قائلا «مزكوم لدرجة أني مريض»، وأطلق ابتسامة عريضة، فقلت له: «سلامات، الزكام يحتاج لراحة»، فقال ممازحا: «صحيح، لكن أشك إني أروح العمل بكره». فكان يحب المزاح والدعابة، ويتحلى بروح المرح، والابتسامة التي يصنعها ولا تفارقه، وفي اليوم التالي هاتفته للاطمئنان عليه، فإذا هو في مكتبه، عندها أيقنت أن مثل مقرن لا يتحمل البقاء على سرير المرض؛ لان عقله وروحه مشغولان بالوطن. مكالمات عدة كانت تدور مع سموه ومن بينها اتصلت فيه إبان رئاسته جهاز الاستخبارات العامة، وطلبت منه لقاء لإجراء حوار، فقال: «الله يحييك، تعال نشرب قهوة ونسولف، واعتذر عن الحوار»، قلت: «ولكن حواري ليس عن مهمات عملك، بل إنه عن إنجازات وطن، وذكرى البيعة»، فأخجلني بكلماته، وحدد لي موعدا لأزوره في الرياض. التقيته في مكتبه في الرياض، وما أن صافحته وجلسنا قال لي قبل بدء الحوار: «رؤساء الاستخبارات في العالم يتوارون خلف الكاميرات، وأنا ابتعدت عن الإعلام منذ دخلت هذا الجهاز»، فقلت له: «ولكن مقرن بن عبدالعزيز لا يتوارى عن الكاميرات مهما كانت المهمة وحساسية الجهاز»، تبسم ضاحكا وقال بكل عفوية: «ما أقدر أغلبك.. صحفي»، وبدأنا حوارنا عن ذكرى البيعة. الجمعة الماضية اتصلت بسموه مباركا عقب الثقة الملكية، فقال لي كلمة شعرت أنها تخرج من قلبه: «احتاج كل دعوة، من الصغير والكبير، الدعاء ينير لي الطريق»، وبعد أيام اتصلت به، وفي ثنايا المكالمة وكانت الساعة تشير للعاشرة مساء، قال: «للتو عدت للمنزل الذي غادرته من الصباح»، قلت له: «أعانكم الله، وأمدكم بالصحة والعافية»، فقال: «الله لا يخليني منك»، وتلك الكلمة تعودت سماعها من سموه في كثير من المكالمات. اختاره الملك ليكون عضده الثاني؛ لأنه أهل للثقة، تجتمع فيه الحكمة، والحنكة السياسية والأمنية والإدارية، وخير سند لولي عهده وساعده الأيمن، وحق للوطن أن يفاخر بحكمة قيادة وطنه، وأن لكل مكان مناسب فيه رجلا مناسب له. [email protected]