سافر صديقان إلى خارج المملكة، أحدهما كريم جداً يرخي القرش، والثاني يقضبه قضبة الأعمى شاته، إذا صرف فكأنما يصرف من نور بصره، لكنّ هذا الشحيح المغلول اليد مرح جداً وهو ما صبّر صاحبه عليه إلى حد أنه يسافر به (محفولاً مكفولاً) ومع ذلك يصيبه من بلاء الشح جانب.. لاحظ البخيل أنه - بعد يومين من الوصول - إذا طلب شيئاً من الفندق تأخروا عليه كثيراً ويأتون به - إذا أتوا - بنفس شينة، بعكس صاحبه الكريم الذي تُلَبّى طلباته على طول، ومع الابتسامات والسرور، فقال لصاحبه: - ليش يسرعون لك ويرحبون ويتأخرون عليّ ويكشرون؟!.. كلنا أولاد تسعة. قال صاحبه: - لأنني أكرم الخادم إذا جاء.. رد: وأنا أقول له: جزاك الله خيراً.. ضحك صديقه وقال: ضع مع هذه العبارة الجميلة بعض النقود.. رد: يا أخي الأخلاق أهم من الفلوس.. ضحك قائلاً: إنما الأعمال بالنيات وأنت ما قلتها ناويها، ناوٍي ما تدفع.. ثم إني أعطيتك ألف ريال للإكراميات تغطي الرحلة وتزيد.. قال: لا.. هذي دخلت جيبي وصارت حلالي ما راح أبعثرها عليهم.. تبسم صاحبه يأساً منه وهو يسأل: يعني ما تعطي الجرسون ولا ريال؟ قال: ولا هللة!.. هذا عمله!.. هز الكريم رأسه ورد: ما استغرب!.. انت تمسك يدي إذا أردت إكرام الجراسين في المطاعم العامة والمبلغ من حلالي فكيف بما دخل جيبك.. العرب تقول: (أشد الشح أن يمنع الرجل صاحبه من الكرم) قال: لأنك مسرف مهبول!.. رد: أعطي الجرسون المسكين ريالين وتقول مسرف؟ دخل الجراسين على الإكراميات، ادفع تجد، رد: ما أقدر ما أقدر!.. قال صاحبه: وكذا أنت مع زوجتك وعيالك؟ قال: تقريباً إلاّ بالشديد القوي!.. أجابه: إذن صدق فيك الشاعر: «يعالج نفساً بين جنبيه كزة إذا هم بالمعروف قالت له مهلاً» أجاب ضاحكاً: مهلاً؟ بل كلاً!.. قال صاحبه: ألم تسمع قول الشافعي: «تستر بالسخاء فكل عيب يغطيه كما قيل السخاء»؟ أجاب: بل سمعت قول المتنبي: «لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال» كله ولا الفقر!.. تبسم صاحبه وقال: ماتفعله هذا الفقر.. بل أشد من الفقر وأسوأ.. الفقر معذور مقدور وأنت غني شحيح وتعيش عيشة أشد الفقراء بؤساً ومسغبة.