أثناء حرب الخليج قبل عقدين كان والدي رحمه الله حريصا على متابعة الأخبار، وعندما بدأت القنوات الفضائية تدخل إلى المنازل على استحياء، كان من يقوم بتركيب «الدش الفضائي» يتخفى مثل «الجاسوس» ، حتى الحديث حول الصفقة في الهاتف كان بالألغاز وكانت الأسعار مرتفعة وتصل لمئة ألف ريال لبعض أنواع «الدشات». وعندما قمنا بتركيب أول «دش» في الحي كان الأهالي والأصدقاء «الملتزمون» يناصحوننا في المسجد بوجوب تكسير «الدش» المركب فوق سطح منزلنا ولم يكن أمامنا سوى أن نتقبل نصيحتهم ونخبرهم عن رغبتنا في متابعة الأخبار في تلك الفترة «الحرجة» على قناتي «سي إن إن» و «إم بي سي». وكانوا يتقبلون رأينا على مضض. دارت الأيام وأصبحت الفضائيات في كل مكان وبات بعض إخواننا وجيراننا «الملتزمين» الذين كانوا يحاربون «التلفزيون» لديهم فضائيات ناجحة ويملأون القنوات والبرامج ظهورا وضجيجا. اكتشف الجميع بعد زمن أن التلفزيون «وسيلة إعلامية»، والوسيلة عبارة عن «وعاء» يحمل «رسالة»، قد تكون «منحلة» وغير أخلاقية وممكن أيضا أن تكون «ملتزمة» ومحترمة. واكتشف الجميع بعد سنوات أنه من الممكن أن يستخدم «التلفزيون» في بث رسائل وأعمال الخير. وبعد تحريم «التلفزيون» ومن ثم تحريم «الفضائيات» و «السينما» شاءت الأقدار أن يقتنع البعض بإمكانية الاستفادة من «التلفزيون والفضائيات» ولكن بقيت «السينما» في دائرة العيب والحرام وحدها. ولا أدري لماذا تحارب السينما في السعودية ولا يحارب الآن «التلفزيون» الذي يدخل كل بيت وتشاهده كل فئات المجتمع والصغير قبل الكبير؟ أسئلة كثيرة تدور في ذهني حول وضع «السينما» غير المفهوم لدينا ، وللأسف إن نظرة سريعة على بعض القنوات الفضائية «المنحرفة» تؤكد أن هذه التي يسمح لها بدخول كل بيت في المجتمع هي من يستحق أن يراقب وربما يمنع نهائيا وليس «السينما» المحترمة التي تؤدي دورها الثقافي والتنويري بأدب وأخلاق في مجتمع يتوق للتطور، هذه المفارقة بين السينما وبعض القنوات الفضائية الخارجة عن الذوق العام تجعلني أضع يدي على رأسي وأقول: «والله السينما أرحم يا ناس». ولكن يبقى الأمل في أن يحدث للسينما ما حدث للتلفزيون الذي كان مرفوضا وعيبا عند البعض وأصبح مقبولا بعد سنوات ويتسابق إليه الجميع، فهل يأتي اليوم الذي تصبح فيه «السينما» في السعودية فنا حلالا ونستفيد منها لعرض ثقافتنا وقضايانا وفننا أمام العالم؟. [email protected]