هل السينما شيء تافه حقا، لا يستحق أن يذكر؟ وهل المطالبة بسينما سعودية نوع من الرفاهية و«البرستيج» الذي لا داعي له أبدا؟ وهل المثقف السعودي يخطئ عندما ينادي بالسينما بينما هناك ما هو أكثر أهمية ليطالب به في مجتمعه؟ تتداعى في ذهني هذه الأسئلة وغيرها بعد كل مرة أكتب فيها عن السينما في السعودية وأواجه نوعا من اللوم والعتاب من بعض القراء غير المقتنعين بجدوى وأهمية السينما في مجتمعنا. ومع اقتناعي أن هناك بالفعل ما هو أهم وأجدى أن ينجز في بلادنا قبل الخوض في مسألة السينما، ومع إدراكي أن الدين والأخلاق والعلم والإنتاج والعمل يجب أن تأتي أولا وقبل كل شيء إلا أنني أيضا مقتنع بأن وجود السينما والمسرح والمتاحف والحدائق والترفيه عموما مهم لصناعة شخصية متوازنة نفسيا واجتماعيا ومثقفة بشكل متكامل. وفي ظني أن السينما والمسرح ليست أمورا تافهة كما يعتقد البعض، فهي مع الإعلام التقليدي والإعلام الجديد والصحافة بكل أنواعها المرئية والمسموعة والمكتوبة جميعها تدفع بعجلة التنمية إلى الأمام. وهي أيضا وسائل ترفيه بشكل ثانوي ولكنها تظل من مصادر التعبير والقوة والسلطة للمجتمع. وعندما تراقب السلطات بعضها بعضا ويملك المجتمع قوى تعبير ينتج مجتمعا متقدما فكريا وإنتاجيا. ويقفز دائما السؤال العتيد: هل ممكن أن يتحقق الحلم ونشاهد «سينما سعودية»، فكم أتمنى ويتمنى الكثيرون أن يعاد النظر في قضية «السينما» لأن عدم وجودها غير مبرر في هذا الزمن من وجهة نظري، خاصة بعد أن أصبح لدينا أكثر من مئة ألف مبتعث في الدول المتقدمة والمتطورة والتي تشكل السينما إحدى الوسائل الرئيسية للترفيه الأسبوعي البريء فيها. ولا أعلم متى تحسم هذه القضية التي ندور حولها منذ عقود بلا جدوى. والمشكلة أن «الفضائيات» في رأيي تقدم أحيانا ما هو أسوأ من دور عرض السينما التي يمكن مراقبتها والتحكم بما يعرض بها. وعلى أي حال لولا «فسحة الأمل» لضاقت الحياة، وسيعيش محبو السينما في السعودية على أمل أن تتاح لهم يوما ليشاهدوها وفق «الضوابط الشرعية» والاجتماعية في بلادهم أسوة بالعالم المتحضر، والشعوب الراقية. وقد أسعدني وأسعد محبي «السينما» في السعودية عرض قناة «روتانا أفلام» لمهرجان «الفيلم السعودي» الذي ترأسه المخرج الصديق ممدوح سالم الذي حمل على عاتقه منذ زمن قضية السينما في السعودية، وفكرة المهرجان بلا شك مبتكرة وجديدة على مهرجانات السينما في العالم، فهي تعتمد على عرض الأفلام السعودية السينمائية في التلفزيون وتحكيمها ومناقشتها عبر لجنة تحكيم رباعية على الهواء مباشرة، واختيار الفائزين من قبل اللجنة والجمهور. هي بلا شك «خطوة» في طريق السينما السعودية الطويل، ولكن (أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا). [email protected]