لا تنسى المواطنة عذبة الشمري ذات السبعين عاما الدرس البليغ الذي سنه أمير منطقة حائل آنذاك الأمير مقرن بن عبدالعزيز للمسؤولين في المنطقة حين قال لهم « أنتم لا تدفعون من جيبوكم شيئاً، وليس مطلوبا منكم توفير المال الذي هو أصلاً لمستحقي الضمان الاجتماعي، ضموها وأبناءها واصرفوا لها الإعانة المناسبة، بعد أن تتأكدوا من صحة أوراقها». استعادت عذبة الشمري وغيرها المئات من أبناء منطقتي حائل والمدينةالمنورة هذه الصورة وغيرها، وهم يتابعون عصر الجمعة على شاشات التلفزيون نبأ تعيين صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، تداعت مشاهد لقائهم بالأمير الجليل، ومواقفه، وانحيازه الدائم لقضاياهم ومطالبهم المشروعة. لا أحد في هذا الوطن من أقصاه إلى أقصاه إلا ويعرف جيداً من هو النائب الثاني الذي وقع عليه اختيار خادم الحرمين الشريفين، فالأمير مقرن الذي بلغ من العمر نحو 67 ربيعاً كد، وكدح، وعمل وفق سياسة صارمة سنها مؤسس هذه البلاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن ترتكز على أساس صلب واضح: أن من يعتلون هرم المسؤولية مجندون قبل غيرهم لخدمة المواطن والسهر على راحته ورضاه حتى لو كانوا من أفراد الأسرة الحاكمة. في ديار حاتم الطائي، وفي عام 1400 ه أدرك الأمير مقرن بن عبدالعزيز عندما تلقى أمراً ملكياً بالعمل حاكماً إدارياً، أنه أمام مرحلة مهمة وفي منطقة ضربت شهرتها الآفاق في الكرم وسمو النفس وعلو الهمة، ولهذا حرص طوال20 عاماً أنفقها من عمره هناك أن يكرس منهجاً ويبني سياسة واضحة في التعاضد والإنجاز، وهنا يتذكر أبناء المنطقة فلسفة الأمير في إدارة فريق العمل، وانضباطه ودقة مواعيده، وأثمر جهد الأمير وفريق عمله تطوراً في مجالات الحياة العمرانية والثقافية والزراعية، وكان فيها مثالاً للإخلاص والنزاهة، والتجرد من المظاهر، والحرص على لقاء المواطنين ومتابعة أمورهم المعيشية والرسمية، ورأس فيها عدداً من المجالس والجمعيات. انحاز الأمير مقرن إلى مصالح الناس، وعندما وجد أن قراراً أصدره لصالح مصلحة الإنسان تعدى على حقوق الآخرين تراجع عنه فوراً، يقول «عندما كنت في حائل جاءنا مواطنون يطلبون تصاريح قيادة لأبنائهم بغرض إيصال أمهاتهم وأخوانهم إلى الأماكن التي يحتاجونها وفي مقدمتها المستشفيات طلباً للعلاج، فلبيت رغبتهم، لكنني اكتشفت أن نسبة الحوادث زادت وأن من منحوا تراخيص قيادة هم السبب الرئيس في الحوادث، فقررت التراجع وبدأنا سحب تصاريح القيادة من الشوارع، وأعترف بشجاعة لقد كان قراري خطأ». يروي معالي الدكتور محمد عبده يماني رحمه الله قصة الشيخ صالح عبدالله كامل عندما استقل وعدد من رجال الأعمال طائرة خاصة وتوجهوا مباشرة إلى حائل للقاء الأمير في مزرعته، يقول «تأخرت الطائرة وعندما وصلنا استقبلنا وتم إيصالنا إلى المزرعة فدخلنا، حيث رأينا شخصاً يهذب الأشجار فنادى عليه أحد مرافقينا الذين كانوا معنا: (ياواد نادي عمك الأمير) وعندما دخلنا الصالون اكتشفنا أن الشخص الذي طلبنا منه نداء الأمير هو الأمير بذاته، وأضاف - رحمه الله - عندها قال الشيخ صالح كامل «إذن ضاع الغدا وإن شاء الله ما يسحب مننا جنسياتنا»!! ثمار الأمير مقرن اليانعة وعطاؤه الباسق يصعب حصرها في أسطر، وعندما استضافته الاثنينة الأشهر قال عنها صاحبها الشيخ عبدالمقصود خوجه «يجلس إلى جوارنا دون حاجب رئيس استخبارات عامة لأكبر دولة منتجة للنفط في العالم، والدولة الوحيدة التي تضم المقدسات الإسلامية ومهبط الوحي والحرمين الشريفين، يجلس بيننا متسلحاً فقط بالعدل، إنه ألق الحق الذي يرفع الهامات فوق الثريا.. ونمط التواضع الذي يعز به المولى عز وجل ويجتبي إليه من يشاء من عباده.. فهنيئاً لفارسنا هذا المرتقى الذي يتقاصر دونه رصفاؤه في معظم دول العالم». وزاد «هذه النفس الكبيرة، لها واحة فواحة الشذا في معية الشعر العربي القديم، وليس ذلك بغريب على من كان أميراً لديار حاتم الطائي على مدى عشرين عاماً.. فالشعر الأصيل ملتصق بحائل وهي ملتصقة به من خلال امرئ القيس، وطرفة بن العبد البكري، وزهير بن أبي سلمى وغيرهم من أساطين الشعر الرصين.. فوجد (ابن الصحراء) ضالته ومتعته في تلك الربوع البهية، فنهل وعلَّ، وازداد ولعاً بالشعر القديم، ليقيم مجداً لأعشى منفوحة مع رفاق الأمس بين أجا وسلمى. فاهنأ بتلك السبحات الماجدات أيها الشهم النبيل». يصف الفريق عبدالعزيز هنيدي قائد القوات الجوية الملكية السعودية سابقاً، منهج الأمير الصارم بقوله «ينفذ الأوامر بدقة وخاصة ما يتعلق بالطيران وأنظمته الدقيقة ويهتم كثيراً بأمن وسلامة الطائرات ومعداتها والعاملين عليها ويحرص كثيراً على الالتزام بالمواعيد، وكل ذلك انعكس على صفاته حتى بعد انتقاله للحياة المدنية». وأضاف «يتمتع بالمهارة في الطيران وحبه الشديد للطيران والقوات الجوية بصفة عامة، وحتى بعد أن تقلد مناصب أخرى خارج القوات الجوية ظل الأمير مقرن على اتصال بزملائه يتحدث عن كثير من ذكرياته في القوات الجوية ويعتز أنه كان واحداً من أصحاب «البدلة الزرقاء» الذي هو لون الملابس الرسمية في القوات الجوية، وكان يتميز باهتمامه بالتمارين الجوية وضرورة الالتزام بتعليماتها وتنفيذها بدقة للحصول على أعلى مستوى للقدرة القتالية الجوية، وباختصار كان سموه يتمتع بما يُعرف بالحس الجوي، وكان يغتنم الفرصة عندما تتواجد طائرات القوات المقاتلة قريباً من موقعه في حائل وفي المدينةالمنورة ليقوم بزيارة زملائه ويشارك حتى في الطيران معهم. وعن خصال سموه وسجاياه قال «تمتع بالتواضع الجم وحب الاختلاط بضباط الصف الفنيين وسماع ما لديهم من اقتراحات وكان سموه محبوباً من جميع من يحتك به، حب سموه للطيران كان متصلاً بحبه للفروسية والطرد القنص بالصقور وكان مولعاً بتربية الصقور وتدريبها على مطاردة الفرائس وخاصة الحبارى، كما كان سموه محباً للخيل وللشعر العربي الأصيل وخاصة ما يتعلق بالفروسية ومكارم الأخلاق».