تهدد حياة العزلة والهجران مكتبة الحرم المكي الشريف، على الرغم من كونها أضخم دور علم ومعرفة في العالم وتزخر بنحو مئة ألف عنوان وسبعة آلاف مخطوطة. وسجلت المكتبة أكبر نسبة عزوف في تاريخها، فلم يعد يقصدها سوى نزر قليل من الدارسين الباحثين عن الشهادات الجامعية العليا لدعم رسائل التخرج والبحوث العلمية بمعلومات يستقونها من أمهات الكتب التي تزخر بها إحدى أهم المكتبات في العالم، وتقلص عدد زوار المكتبة من 400 زائر في اليوم حينما كانت بجوار المسجد الحرام إلى عشرة زائرين في اليوم، في حين سجلت النساء الأكثر توافدا على المكتبة مقارنة بالرجال الأقل عددا ليس حبا في القراءة، وإنما لكونها المكتبة الوحيدة التي تعمل على فترتين صباحية ومسائية في مكةالمكرمة. هذا العزوف كان سببه الرئيسي هو استئجار مبنى في العزيزية بعيد عن منطقة مركزية الحرم كون قاصدي المكتبة يبحثون عنها في منطقة المسجد الحرام لنسبتها إليه، إضافة إلى تحول المكتبة من قاعات فسيحة للقراءة والاطلاع إلى غرف فندقية وأجنحة ضيقة توزعت فيها أدراج تحمل كتبا ومخطوطات قديمة تعود لأكثر من مائتي عام، لكنها بقيت دون مساس أو اطلاع بعد تضاؤل أعداد القراء والقاصدين إليها بحثا عن المعرفة، في حين أكد مختصون من العاملين في المكتبة أن هذا الأمر لن يتغير وسيستمر (العزوف) وضعف الإقبال لحين إعادة المكتبة إلى موقعها الطبيعي بالقرب من المسجد الحرام، وأصبح ذلك ممكنا بعد أن أطلق الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس عقب زيارته مؤخرا للمكتبة، بنقلها إلى جوار الحرم المكي فور بناء مقرها الجديد. جولة داخلية «عكاظ» تجولت في أروقة مكتبة الحرم التي تضم واحدة من أهم المخطوطات النادرة التي تسمى ب (الغيلانيات) لمحمد بن محمد إبراهيم غيلان والتي يعود تاريخها إلى أوائل القرن الخامس الهجري، وأيضا تضم (الفروسية والمناصب الحربية) لنجم الدين حسين الرماح، ومسند الموطأ للغافقي، والمطبوعة الحجرية (ديوان ابن النبيه)، حيث زارت «عكاظ» المكتبة الواقع مقرها المستأجر في العزيزية التي تعتبر صرحا علميا وثقافيا ووفرت لروادها لسنوات مضت منابع علمية متنوعة بين الكتب والمخطوطات القديمة والإصدارات الحديثة وعكفت إداراتها المتلاحقة على تطوير خدماتها وتأهيل منسوبيها لتواكب النهضة التقنية والإلكترونية التي تشهدها المملكة حيث تمكنت من فهرست الكتب والمؤلفات إلكترونيا وأصبحت مرتبطة عبر (الاتصال الطرفي) و(الفهرسة الموحد) بدارة الملك عبدالعزيز ومكتبة الملك فهد وعدد من المكتبات داخل المملكة وخارجها. يؤكد وكيل مكتبة الحرم منصور النقيب ل«عكاظ» أن المكتبة التي تأسست في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبد الرحمن، طيب الله ثراه، ويعود تسميتها باسم مكتبة الحرم المكي الشريف إلى عام 1357ه عندما أمر جلالة الملك المؤسس بتسميتها وأمر رحمه الله بتشكيل لجنة من علماء مكة لدراسة أوضاعها وتنظيمها بما يتفق ومكانتها كونها تزخر بالعديد من الكتب والمخطوطات النادرة التي تعود لأكثر من مائتي عام وتمت طباعتها بالطباعة الحجرية، مضيفا أن المكتبة تضم أمهات الكتب جاء معظمها عن طريق وقف علماء مكة والعلماء الذين يتوافدون إليها لأداء فريضة الحج ومناسك العمرة، وأوضح النقيب «أن المكتبة كانت بجوار المسجد الحرام حتى عام 1412ه وانتقلت إلى مبنى رابطة العالم الإسلامي في شارع المنصور بعد أن أمر الملك فهد بن عبدالعزيز -يرحمه الله- بتوسعة الحرم المكي الشريف، ثم انتقلت بعد ذلك إلى مبنى مستأجر في حي العزيزية، الأمر الذي تسبب في ضعف الإقبال، نتيجة أن موقعها غير مناسب كونه غير معروف وبعيدا عن المسجد الحرام» مبينا أنه لا يقصد المكتبة إلا الباحثين من الدارسين الذين تتراوح إعدادهم بين عشرة إلى 15 باحثا في حين كان رواد المكتبة حينما كانت بجوار المسجد الحرام 400 زائر في الفترة الواحدة، معتبرا أن إقبال النساء على القراءة والمطالعة أكثر من الرجال وهناك قسم خاص بالنساء، وأشار وكيل مكتبة الحرم إلى «أن المكتبة تضم قرابة ألف كتاب يعود تاريخها لأكثر من مائتي عام وتقدم خدمات متميزة للباحثين والقراء والمرتادين من خلال التصوير والنسخ المجانية، إضافة إلى إنها تشهد تطورا تقنيا من خلال الاتصال الطرفي والفهرسة الموحد والمرتبطة بالمكتبات العامة ودارة الملك عبدالعزيز، ويخضع العاملون فيها الذين يتجاوز عددهم 70 موظفا وموظفة لدورات تدريبية لتطوير الأداء. محتويات المكتبة تضم مكتبة الحرم 15 قسما متخصصا تتولى تقديم الخدمات الفريدة والمتنوعة في المكتبة التي تعد الأهم والأكمل من نوعها؛ كونها تحمل اسم المسجد الحرام وتضم مختلف التخصصات العلمية وتوفر خدمات رائدة من خلال توفير القراءة والاستماع لكل مرتاديها وفق فهرسة متطورة وذات صبغة علمية خالصة، حيث تشمل قسم الخدمة المكتبية الذي يستقبل رواد المكتبة ويعمل على خدمتهم باستخراج الكتب والمراجع ومساعدتهم في الوصول إلى المعلومات والكتب التي يحتاجونها أثناء تواجدهم في المكتبة، حيث يصلون في الوقت القياسي للكتاب المطلوب من بين ما يربو على 100 ألف عنوان، في حين يتولى العاملون في قسم المخطوطات، الذي يحوي قرابة سبعة آلاف مخطوطة، المحافظة على المخطوطات والتعامل بعناية مع المخطوطات حفاظا عليها من التلف. ويضيف عادل عيد رئيس قسم المخطوطات «إننا بصدد الانتهاء من فهرس جديد مكون من عشرة مجلدات يوثق مخطوطات مكتبة الحرم استغرق العمل في إنجازه قرابة عشر سنوات وتم فهرسته إلكترونيا وستتم طباعته في مجلدات في مكتبة الملك فهد. وفي قسم الدوريات، أحد أهم أقسام مكتبة الحرم، كونه يعتمد على التوثيق المستمر، يوثق العاملون فيه الصحف اليومية والأسبوعية والمجلات الأسبوعية والشهرية، ولدى المكتبة نسخ كاملة من كافة الصحف السعودية وتحتفظ بنسخ من الصحف التي توقفت عن الصدور من أبرزها صحيفة الفلاح، وصحيفة القبلة، وصحيفة بريد الحجاز، وصحيفة قريش، وخلال الجولة أطلعنا على أول عدد من هذه الصحيفة لا يزال موثقا في مجلد بالورق الأًصلية للصحيفة، وتتميز المكتبة الصوتية بحفظ كافة الدروس العلمية وخطب الجمعة والمحاضرات في المسجد الحرام، ويضم أرشيفها مائة ألف (كاسيت) يوثق جميع دروس الحرم المكي وصلاتي العشاء والتراويح وتحوى المكتبة 45 مجلدا توثق مسيرة أئمة وخطباء المسجد الحرام. مراحل الفرز يشير عبد الله الحارثي رئيس المكتبة الصوتية أن الشريط يمر عبر مراحل بدءا بالفرز والترقيم والفهرسة والاستماع وإدخاله في الفهرسة الإلكترونية والسجلات وبدأنا مشروعا لتحويل التسجيلات الصوتية من الأشرطة التقليدية إلى أسطوانات ممغنطة لسهولة تداولها وتشغيلها عن طريق الأجهزة المتطورة ومواكبة للتقنية، في حين يعتبر حامد اللهيبي رئيس قسم التصوير الميكروفيلمي أن مهمتهم تصوير المخطوطات الأصلية والمصورة على الأفلام وتحويل تلك الأفلام إلى نسخ ورقية.