أحببت فيها صبية القرية، الزهور التي تزرع في فناء كوخها، والزهور التي ترتدي في ثوبها الوحيد، ذلك الثوب الذي منعها من إلقاء كلمتها في الاحتفال بجائزتها الأدبية الأولى، كأن الفقر قد خلق لها وحدها، وكأن الأحذية صنعت لغيرها، لكن الشعر لا يهتم بالأقدام الحافية، ولا يتنكر لأصحاب الثوب الواحد، ذلك الثوب الذي يعريها حتى يجف على حبل الغسيل، امرأة نبتت في قرية كشجرة، لكنها أثمرت ثمرا لا يشبه الثمر، كان ثمرها ينبت في أغوار الروح، فتلقيه حين ينضج لكل العابرين، ثمرها حلو الثمر، أحبت كأي امرأة، كان حبها حلما قصيرا اختطفه دوي رعد ليوقظها على صوت رياح تؤرج درفتي النافذة شبه المفتوحة، أيضا، وكأي امرأة أحبت الأطفال، ليمعن القدر في جعل رحمها مجدبا، ولربما كان هذا القدر حكيما في قسوته، فمن عمق الحرمان نبتت ثمرة الشعر، أينعت، وحين حان القطاف كانت الثمرة قصيدة، قصيدة عزفت أعذب الوجع، كانت قصائدها تُقسم أنها أما دربت على هدهدة الأطفال في ليالي الوحدة، لكن الشعر أجمل الوهم، والشعر انتزاع لما تضن به الحياة، كتبت صبية القرية أجمل قصائد الأمومة، ورسمت أعذب صور الثدي لمرضعة لم تعرفها، أحببت فيها جبينها المنكس لوأد كبريا من تأخذهم القصيدة نحو العظمة، أحببتها.. هذه الصبية القروية إنها الشاعرة التشيلية غابرييلا ميتسرال. 1889- 1956 تقول في قصيدة (رعب) لا أريد أن تصبح ابنتي سنونوة ذات يوم ../ وأن تحلق عاليا فلا تحط فوق حصيرتي وأن تنسج لها عشا في الأحراش فلا أمشط لها شعرها / لا أريد أن تصبح ابنتي/ سنونوة ذات يوم. لا أريد أن تصبح أميرة ذات يوم وهل يمكن لصبية بحذاءين، وبكعبين أن تمرح في الحقول؟ وهل يمكنها أن ترقد معي ليلا في سرير واحد؟ لا أريد أن تصبح ابنتي أميرة ذات يوم. ولقاء أي شيء لا أريد أن تصبح ابنتي ذات يوم، آنذاك سيجلسونها ولن أجد لي طريقا إليها وفي الليل، بعد هذا بالطبع، لن أهزها في مهدها،/ لا أريد أن تصبح ابنتي ذات يوم. ...... حرمت ميتسرال من نعمة الأمومة، فتدفق حرمانها قصائد من نبض، من حليب، من عاطفة متأججة، حتى غدا شعرها طافحا بكل الصور الحية، إذ كانت قصائدها تطهرها، لتولد للعالم على هيئة أطفال يضجون بالحياة والحب والجمال..