أتحدث اليوم بصفتي قارئة وليس كاتبة، من مكان القارئ أجد أن أكثر ما ينفر من الاستمرار في قراءة ما يكتبه البعض هو ما يفتتحون به مقالاتهم من تكرار العبارات التي تفخم (الأنا) وتعطي لها تفردا غير صادق مثل قول: (سبق أن كتبت أكثر من مرة) و(كم مرة ذكرت) و(رغم كثرة ما قلت) إلخ من عبارات تضخم دور الكاتب في تناول موضوع ما، وكأنه هو الوحيد الذي تحدث فيه أو هو أول من لفت الأنظار إليه، وغالبا يكون ذلك غير صحيح وقد يكون هناك من سبقه إلى الحديث حوله وأشار إليه من زمن بعيد ربما من قبل أن يعرف هو كيف يمسك بالقلم أو ينقر على لوحة المفاتيح، لكنه الغرور البشع وحب تفخيم الذات والتمحور حولها، الذي يجعل الكاتب لا يرى سوى ذاته وما فعلت ويعمى عن أفعال الآخرين. وصفة العمى عما يفعله الآخرون، تكون جميلة لو أنها جاءت في حدود العمى عن رؤية أفعال الآخرين غير المرضية وغض النظر عنها والتسامح تجاهها، لكنها غالبا لا تأتي بهذه الصورة، فالعمى عن رؤية أفعال الآخرين ينشط حين تكون الأفعال طيبة ونافعة، فهي حينذاك لا يراها الناس وإن رأوها لا يلبثون أن ينسوها سريعا، أما ما يبقى لامعا ساطعا أمام أبصارهم فهو الأفعال السيئة التي يرونها تبدر من غيرهم ويظلون يتذكرونها لا تغيب عن أذهانهم. ليس هذا فحسب، وإنما هناك ما هو أسوأ منه، فأحيانا عندما تكون هناك أعمال محمودة يتبارى الناس في نسبتها إلى أنفسهم ما أمكنهم ذلك، فإن تعذر عليهم استماتوا في إيجاد رابط بينهم وبينها بأي شكل كان حتى إن اضطروا إلى الادعاء والكذب، وهم لا يرون في سلوكهم هذا شيئا سيئا بل هم يستشعرون السعادة من خلاله ويغمرهم الرضا حين يرون أسماءهم ربطت بما هو جميل ومحمود. أما الأفعال المذمومة فحكمها حكم الوباء الذي يفر منه كل أحد، كل واحد يجتهد في دفعها إلى حدود الآخر لنسبتها إليه كوسيلة تؤكد براءتهم منها.. انقلاب سريع وتبدل مذهل في الموقف تجاه الأفعال، من تهالك على نسبتها إلى الذات إلى تهالك على نسبتها للآخر. وهو بالتأكيد شيء كامن ضمن الغريزة البشرية فالانسان في فطرته يحب نسبة الأشياء الطيبة إلى نفسه ويكره الانتساب إلى غير ذلك. إلا أن هناك من يستطيعون التخفف من سيطرة الفطرة عليهم ويضبطون جماح غريزتهم فلا ينسبون إلى أنفسهم ما هو لغيرهم.