بعد ثلاثين سنة من العطاء خارج وطنها أهدت الجزائر ابنتها أحلام مستغانمي أوّل تكريم رسمي لها في وطنها. فقد صنعت الروائية الجزائرية الأكثر مقروئيّة الحدث الثقافي ببلادها في عرس دام أسبوعاً كاملاً حظيت فيه بتكريمين مؤثرين أحدهما رسمي و الآخر شعبي ثم عادت إلى بيروت و هي تحمل في يد لقب " صاحبة الجلالة " و في اليد الأخرى هدايا الأحبة من الأهل و الأصدقاء . لم تعبأ بتحذيرات وزارة الصحة فأصيبت بأنفلونزا المحبة التي فاجأها بها حشد غفير من قرّائها المتهافتين على اقتناء كتابها الجديد "نسيان كم"، و الذين قدموا من عدة مدن جزائرية للحصول على توقيعها. ألبستها وزيرة الثقافة الجزائرية " برنوس " المصالحة في احتفالية تكريمية طالما انتظرتها أحلام مستغانمي، لتزامنها مع انطلاق ثورة نوفمبر الخالدة. و احتفى بها القرّاء عبر التكريم الشعبي الذي خصتها به صحيفة الشروق الصادرة باللغة العربية " أكبر و أكثر الصحف الجزائرية مقروئيّة و توزيعاً" . «الرياض» التقت الروائية العربية أحلام مستغانمي في بيتها بأعالي العاصمة الجزائر و هي تخرج شامخة من جديد من حفل التكريم الذي كان واحدا من أهم الفعاليات التي شهدتها الطبعة ال 14 لمعرض الجزائر الدولي للكتاب و معها كان الحوار . نحتاج أن تقول لنا أوطاننا إنها تحبنا .. منذ فترة كانت أحلام مستغانمي ضد الكرنفالات و المهرجانات و قالت إن ذلك كله مضيعة للمال . أحلام قبلت أن تكون محط تكريم وزيرة الثقافة في احتفالية كانت الحدث الأهم في الطبعة ال 14 لمعرض الجزائر الدولي للكتاب ، هل هي المصالحة مع الجزائر ؟ جزء من مأساة الثورة في الجزائر أنها خلقت عندنا الكبرياء أو الحياء أمام الحب. عانينا طويلا من العجز العاطفي، لسنا نعرف كيف نحب بعضنا البعض أو نعبّر عن ذلك. نحن نحتاج أن تقول لنا أوطاننا إنها تحبنا. لقد اعتاد الكاتب الجزائري ألّا ينتظر أيّ مردود عاطفيّ و لا ماديّ من وطنه. فالوطن ينتظر أن تموت ليقبّلك، و يضع وسامه على قبرك لا على صدرك. لذا يُحرجني جدًّا أن يُوضع هذا الوسام على صدري.. بينما ما زالت قبور من سبقوني الى المجد عارية. لقد آن للجزائر أن تعلن حبها و امتنانها لكتّابها، وتضع أوسمتها على صدورهم لا على قبورهم . الأوطان تُنسب لكتّابها.. كما يُنسبون لها. إنّها تعرّف بهم. فكولومبيا هي وطن ماركيز و البرازيل وطن باولو كويلو.. و انكلترا وطن شكسبير كما هي وطن شيرشل .. و فرنسا وطن فيكتور هيغو بقدر ما هي موطن نابليون. لقد كان ستالين، و النازيون على أبواب موسكو يُنادي الشعب الروسي من خلال المذياع: "دافعوا عن وطن بوشكين و تولستوي." كنا نعتقد انّك ضدّ مبدأ التكريمات؟ من حقّ المبدع على وطنه أن يكرّم إنّه حقّه العاطفي. أنا لم أنتقد تكريم المبدعين بل إنّني أسست و رعيت جائزة مالك حداد لتكريم كتاب اللغة العربية من الشباب. و ما زلتُ أطالب بجائزة أدبيّة كبرى تليق بقامة الجزائر. مآخذي كانت على أولويات السياسة الثقافية في الجزائر و قلت هذا الكلام و لست أتراجع عنه. وليس هذا إقلالا من الجهود التي تبذلها وزيرة الثقافة في الجزائر السيدة خليدة تومي التي اتفق معها في حب الجزائر و اختلف معها في الطريقة الأنسب لخدمة الجزائر دون التشكيك في حسها الوطني العالي و غيرتها على الجزائر. وهي بحق ودون مجاملة نموذج مثالي للشخصية الجزائرية بكل مكوناتها فهي تغضب وتثور وتضحك وتبكي كما أنها لا تنافق، فهي إمّا أن تحبّك في المطلق أو تكرهك في المطلق.و ما تكريمها لي بمناداتي ب "صاحبة الجلالة" إلّا دليل على سخائها العاطفي. فهذا الكمّ من المحبّة و بمن التقيت بهم من القرّاء الجزائريين أسعدني و أبكاني. نحن نواجه الأذى كباراً لكننا ضعفاء أمام المحبة. و نصغر حتى نغدو أطفالاً أمام المشاعر النبيلة. عندما يقول لي أحد بعد خلاف "أحلام نحبك.. و نفتخر بك" فأنا أبكي أشعر أنني انهزمت. التكريم جاء من قبل وزيرة للثقافة لطالما عرف عنها حبها الكبير للغة الفرنسية و دفاعها عنها .. و هي الوزيرة التي احتفت بك باللغة العربية و أنت التي تكتبين باللغة نفسها ، هل كان للتكريم طعم آخر اختلف عن تكريمات سابقة خصّت بها أحلام مستغانمي؟ تومي كانت امرأة فرنكفونية و هي من أصل أمازيغي لكن لا اعتقد أنها كانت يوما ضد اللغة العربية ، هذه المرأة فاجأتنا جميعا ، أصبحت تتقن اللغة العربية و تتحدث بها و تحفظ محمود درويش و تغني الشيخ إمام . كانت حزينة عندما اتخذت مواقف ضدها و لعل السؤال الذي يطرح : هل أقف معها كامرأة أو أفكّر كمواطنة ، كجزائرية ، لقد وقفت بعد التكريم و ألبستني ( البرنوس ) و كنت أنا و هي تخاطب الجمع الكبير الذي جاء لحضور حفل التكريم من وزراء و موظفين كبار في الدولة و دبلوماسيين " صاحبة الجلالة " منحتني صفة " صاحبة الجلالة " فماذا بقي لي بعدها أن أقول . تومي تحسب على ثلة الفرنكفونيين في الجزائر، و كم تمنيت لو يقرأني هؤلاء لأقول لهم إننا لسنا اقل منهم إبداعا و لا وطنية و لا موهية . ما يؤسف حقا أن ثمة في الجزائر حالة من الاستخفاف بالعربية من قبل من لا يقرأون بالعربية . و المفاجأة أن كتابي " فوضى الحواس " المترجم إلى اللغة الفرنسية ( chaos des sens ) و الصادر عن دار النشر الفرنسية " ألبين ميشال " كان الأكثر مبيعا بمعرض الجزائر الدولي للكتاب هذا العام حيث بيعت منه ألف نسخة في غضون أسبوع. الصحافة المحلية علقّت كثيرا على وصف الوزيرة لك ب " صاحبة الجلالة " ! لأننا لسنا متعودين على هذه الأوصاف ، هي ليست في قاموسنا اللغوي ، لكن أنظر إلى هذا الوصف على أنه كرم كبير حظيت به في بلدي ، و العكس تماما أصبح بالنسبة لزوجي محل تنكيت ، إذ أصبح يقول لي : متى تستيقظ صاحبة الجلالة ؟ متى تعود لبيروت صاحبة الجلالة ؟ و يطلق على صديقاتي لقب الوصيفات و نساء البلاط. كان واضحا أنّ اعتلاء وزير المجاهدين منصة التكريم لتسليمك وسام الاستحقاق كان له الوقع الكبير في نفسيتك لاستحضارك ذكرى والدك المجاهد محمد شريف لقد اعتبرت حضور وزير المجاهدين حفل تكريمي بمثابة هدية لأبي الذي توقف قلبه ذات أول نوفمبر و وري التراب في 2 نوفمبر .لقد اختار له القدر موتاً يشبهه ويشبه تاريخ نضاله، فقد غادر المستشفى العسكري في التوقيت نفسه الذي صادف فيه رفع العلم. و توقّف حاملو جثمانه ليستمع لآخر مرة للنشيد الوطني مغادراً الحياة على وقعه .القدر الذي جاء بي ذات 2 نوفمبر 1992 إلى الجزائر لأودّعه هو الذي يعود بي في اليوم نفسه لأهديه حلمه الأجمل . لقد خدمت الثورة قدر ما استطعت بقلمي على مدى ثلاثين سنة. عندما ترفع سلاحاً أنت جندي و عندما تشهر قلماً أنت جيش عتاده عدد قرّائك. أحلام لم تشارك في الثورة التحريرية لكنها كتبت بقلمها عن الثورة ، جميلة بوحيرد شاركت في الثورة بالسلاح لكنها صمتت بعد الثورة . هل أسعدك أن تقول عنك وزيرة الثقافة خلال تكريمك إنك إحدى جميلات الجزائر و تقرن اسمك باسم جميلة بوحيرد ؟ في وقت لا يعرف الكثير من العرب عن الثورة الجزائرية و عن الجزائر سوى جميلة بوحيرد ؟ بل منهم من لا يدري أن جميلة بوحيرد على قيد الحياة ! و في الجزائر من لا يعرفها، أتذكر أول ظهور علني لها يوم فاجأتني بقبولها دعوتي لحضور حفل توزيع جائزة مالك حداد كثيرون في القاعة لم يتعرفوا إليها . يشرفني بالطبع أن يقرن اسمي بهذه القامة الثورية التي أزورها كلما زرت الجزائر و معها أحتسي القهوة التقليدية المعطرة بماء الزهر على طريقة تقاليد العائلات الأصيلة في العاصمة. جميلة تستحي أن تتكلم عن الثورة ، هكذا تقول كلما فتحت معها موضوع صمتها . هي تقول بتواضع نادر إنها لم تفعل شيئا أمام ما قدمه الشهداء الذين وهبوا البلاد الحرية و الاستقلال .. بسبب صمت جميلة صمتت كل جميلات الجزائر ممن شاركن في الثورة ، جميلة بوباشا و جميلة بوعزّة و كلهن ما زلن على قيد الحياة و لا واحدة منهن تحدثت عن نضالها احتراما لصمت جميلة ، و لقد قلت لجميلة بوحيرد يوما : أنت لم تصمتي فحسب بل أجبرت الأخريات على الصمت أيضا و هذا حرام ! أنا امرأة مفخخة بالقوميّة و حيثما تضعوني سأنفجر أعابت أحلام مستغانمي في وقت مضى على الجزائر و من ورائها الكتاب و الإعلاميون عدم الانتصار لها عندما شكّك المشككون في كتابتها لرواية " ذاكرة الجسد " هل التكريم الرسمي الذي حظيت به في بلادها هو نوع من الإنصاف ؟ أنا عاتبت و لم أعب . فنحن نكتب الكتب لتدافع عنا لا لندافع عنها. في النهاية لا يملك الكاتب من محام إلّا أعماله. ما يؤلمني أنّ مرتكبي جرائم الشرف الأدبية لا يحاسبون يحميهم المجتمع. ذلك أنّ الشبهة دائما مؤنّثة. ما كنت أحتاجه هو سند لا محام. تكريم بلادي يسعدني أمام العالم، يُثريني عاطفيًّا. الجزائر تكرّم من خلالي كلّ مؤسّسي مجدها الأدبي الذين مات بعضهم و هو عاتب عليها. في الواقع الزمن هو الذي يكرّس و يكرّم كاتباً، و أنا قبلتُ هذا التكريم فقط لأنّه من وطني. لكن لا أريد قضاء وقتي في التكريم على حساب الكتابة ، كلّ ترويج لكتاب هو اغتيال لكتاب آخر ، سوريا تريد تكريمي و تعد بتكريم لم أشهد مثله من قبل بحكم شعبيّتي الكبيرة لدى الشعب السوري الحبيب و مثلها تقول الأردن و تونس و فلسطين، و في هذا المعرض بالذات جدّد الفلسطينيون دعوتهم لي لزيارة رام الله و قالوا إنّهم سيطلبون من الرئيس الفلسطيني شخصيًّا أن يؤمّن لي الحماية .. فأجبت: إنّني امرأة مفخخة بالقومية و حيثما تضعوني سأنفجر . ليس الإسرائيليون من هم خطر علي إنّي الخطر الأكبر على نفسي. لكن ما الذي يخيفك في التكريم حقا ؟ العمر قصير حتى يقضيه الإنسان في التكريم ، ثم إن التكريم يمنحك وهما كاذبا بالأهمية و يشعرك أنك غير قادرة على إضافة شيء ، و أنّك تجلسين متربعة على المجد ، إحساسي الحقيقي أنّني ما زلت أتمرّن على الكتابة، ما يسكنني حقًّا لم أكتبه بعد صحيح أنّني أنجزت ثلاث روايات اشتغلت عليها مثلما نشتغل على الدانتيل، طرزتها تطريزاً، كما كان فلوبير يعمل على جمله فبعض الجمل كانت تأخذ منه يوما أو يومين. ذلك أنّني أؤمن بسطوة الجملة و قرّائي يحفظون جملي و هذا يسعدني بقدر ما يرعبني. بعض التكريم اغتيال للإبداع، إن طغت مناسبات التكريم على الوقت المخصص للكتابة نفسها غدا التكريم اغتيال للإبداع و تشويش عليه. على الكاتب أن ينتبه إلى كمائن المحبّة و فخ التكريم، هو يفقد الكاتب هويته الحقيقية، يحول دون جلوسه إلى نفسه ، هناك عبارة جميلة لفولتير يقول فيها : "الكاتب يموت مختنقاً تحت باقات الورود " . نعم التكريم حالة مخيفة ! أن أصل إلى عمر التكريم أمر يخيفني شيئاً ما.. يجعلني أطرح السؤال المخيف على نفسي : هل أنا انتهيت؟ فقد اعتدنا أن نكرّم المبدع في آخر حياته. عندما كتبت " ذاكرة الجسد " كنت امرأة بسيطة، أرضع أطفالي و أغسل ثيابهم و أرتّب بيتي و أطبخ لزوجي.. ذلك أنّ الإبداع يحتاج إلى عتمة بعيدا عن الأضواء و الضوضاء. هل كنت تسرقين الوقت من أمومتك ؟ جون جونيي يقول : "بدأت سارقاً و انتهيت كاتباً" ، و أنا أقول بدأت كاتبة و صرت سارقة. أسرق الوقت لأكتب. أسرق كل شيء لا الوقت فقط ، الكاتب سارق، يسرق حياة الآخرين قصصهم أسرارهم ، لكن بنبل، دون أن يشي بهم، فصون الأمانة شرط مهم في الإبداع. أبسبب التكريمات التي صرت تخشينها ، تأخر صدور روايتك " الأسود يليق بك " و لم تنته منها إلى اليوم ؟ بالضبط . تصوّري ، عندي لقاء مهم مع قرّائي في أبو ظبي في شهر مارس و أنا منذ الآن متوتّرة إلى حين اللقاء، كلّ موعد يشوّش على إبداعي، إذا كان موعد عاطفي مع شخص واحد يربكك فما بالك بموعد مع ألف و خمسمئة شخص يحبونك جميعهم و حضروا من كلّ ضواحي بيروت و من بلدان عربية مجاورة للالتقاء بك كذلك اللقاء الذي كان لي في تكريم بيروت في قصر اليونيسكو في يونيو الماضي، الذعر أن لا تكوني عند حسن ظنّ الحب، فأنت في امتحان دائم. كما حدث اليوم في معرض الجزائر حيث التقيتُ لأوّل مرة مباشرة مع قرّائي. بعضهم حضر من مدن جزائرية بعيدة و بوسائل نقل غير مريحة و انتظرني لساعات. فاستسلمت لمحبّتهم الجارفة و لم أضع مسافة حذر كما تنصح وزارة الصحة، جاهزة إن اقتضى الأمر لالتقاط انفلونزا المحبّة فلا حبّ في النهاية دون مجازفة. و ما آلمني أنّ كتابي الأخير "نسيان كم" نفذت كلّ كميّاته في اليومين الأولين و ما كان ثمّة من كتب لأوقّعها لهم أصلاً. فانتهى بي الأمر أن أوقّع على الأوراق و الدفاتر. ليس اسمي من باع " نسيان كم " بل الخيبة العاطفية على ذكر " نسيان كم " هناك من يقول أن الكتاب كان مختلفا عما كتبته أحلام في السابق ، بل كان بمثابة الصدمة للذين عرفوا أحلام في ثلاثيتها الشهيرة " ذاكرة الجسد " و " فوضى الحواس " و" عابر سرير " . ثمة من يشير أن الاسم هو الذي باع الكتاب و ليس مضمونه ؟ الخيبة العاطفية هي التي باعت " نسيان كم " و ليس أحلام مستغانمي . صدر لي في اليوم نفسه كتاب عنوانه " قلوبهم معنا و قنابلهم علينا " و هو كتاب سياسي خاص بالاجتياح الأمريكي للعراق. كتبت الكثير من مقالاته و أنا أبكي. بالأخص نهب متحف بغداد و اغتيال علماء العراق و حادثة إعدام صدام الذي كنت ضد نظامه. و لم أصافحه يوماً و لا زرتُ العراق على أيّامه، لكنّ إعدامه كان إهانة لنا جميعاً، فهم لم يعدموا صدام، بل أعدموا احتمال قيام زعيم عربي . أنا امرأة بمواقف سياسية و أعتبر أنّ الكاتب يساوي القضايا التي يدافع عنها لا اللغات التي يترجم إليها. و آلمني ألا يستوقف ذلك الكتاب أحد، و هذا دليل أن ليست أحلام مستغانمي من باعت " نسيان كم" بل الخيبة العاطفية. اعتبرت الكتاب " حادث " في مساري الأدبي و إذا به يتحوّل إلى حدث، لقد بيع منه حتى الآن أزيد من 40 ألف نسخة ! و كان الأكثر مبيعاً في بيروت و البحرين و تونس حسب إذاعة موزاييك كما في الجزائر و في كلّ مدينة يُعرض فيها. و هذا ليس دليلاً على قيمته الأدبية بقدر ما هو دليل على نقص منسوب الحبّ و تفشّي القحط العاطفي في الوطن العربي. حقيقة لم أتوقّع له كلّ هذا الرواج، لقد كتبته بكثير من الاستخفاف و الضحك و لم آخذ الوقت الكافي لمراجعته. حتى أنّ الصديق العزيز الدكتور غازي القصيبي هاتفني ليتطوّع كعادته بتصحيح ما وقعتُ فيه من أخطاء بحكم عجلتي، كنسبي بعض الشعر لغير أصحابه هو من كان يطلق عليّ اسم حمقاء الجزائر، قال لي هذه المرّة بكتابك "نسيان كم" أصبحت حمقاء العرب، مذ زادت شهرتك و غطّت حماقاتك و أخطاؤك العالم العربي. و بالفعل لقد تهافتت النساء على الكتاب كما لو كان دواءً أو حرزاً يقيهنّ شرّ فاجعة الفقدان لأنّهن الضحيّة الأولى للخيبات العاطفية. بل حتى الرجال لجأوا إليه عن فضول أو للأسباب نفسها. لكنك كتبت على الغلاف " يحظر بيعه للرجال" !! كان ذلك من باب ممازحة الرجال، أنا أدري أن نصف قرائي من الرجال، و بالمناسبة قلّما يجتمع على حبّ كاتبة الرجال و النساء معاً. و لست من الحماقة لأخسر نصف قرّائي. في الواقع هذا كتاب تمجيد للرجولة تلك التي نباهي بوقوعنا تحت سطوة شهامتها و نبلها و وسامة روحها لا وسامتها. و أخلاق قلبها لا شكلها و قالبها. قبيل وصولك الجزائر ، كان الروائي الجزائري رشيد بوجدرة و هو يرّد على أسئلة الصحافة بشأن مكانة الجنس في أعماله الروائية برأك من تهمة توظيف الجنس في كتاباتك قائلا إن أحلام مستغانمي كاتبة مشاعر و أنه هو وحده " عرّاب الجنس " في الرواية الجزائرية ! أتنازل له عن هذه الوجاهة و عن هذا اللقب. لا أكتب عن الجنس خوفاً من أحد، بل حياء من نفسي. ما لا ألفظه لا أكتبه، ما أستحي قوله في مجلس لا أكتبه فوق الورق،. ما تكتبه بعض الروائيات العربيات اليوم أستحي أن أقرأه عندما أكون وحدي . لست ضد التطرق للجنس فهو جزء من الحياة لكن الكتابة عنه اختبار صعب لموهبة الكاتب. يسقط فيه الكثيرون. يعتقد البعض أن توظيف الجنس يصنع منه نجماً لكن ذلك النجاح لا يختلف عن الأسهم النارية التي ترتفع عالياً في السماء ثم سرعان ما تتلاشى، لا يمكن أن نبيع القارئ فضيحة، هو ليس غبيًّا، الفضيحة لا تعمّر ، هي تصنع اسماً عابراً لكن لا تصنع أدباً. لا الحياء أدب و لا البذاءة أدب . فرانسواز ساغون كتبت 60 رواية لا وجود فيها لمشهد جنسي واحد ، شخصيّا أستحي من القارئ و لو كان قارئاً واحداً في أقصى الكوكب الأرضي ، أتذكّر ذلك اليوم الذي خاطبتني سيّدة بالثانوية الأمريكية في بيروت قائلة: نحن نأتمنك على أولادنا ، أنت مقروءة جدًّا لديهم ، إنّهم أمانة عندك، قالت ذلك لأنّ كتبي معتمدة في سلك التدريس و ما زلت أحتفظ بعبارات السيدة تلك المغلفة بالقلق لأنها أمّ مثلي. على مدى خمس عشرة سنة ظلّت" ذاكرة الجسد" من الكتب الأكثر مبيعاً في العالم العربي رغم أن صفحاتها الأربعمئة و ستة عشر لا تحتوي سوى على قبلة واحدة على استحياء. الكثير من الأسماء الأدبية العربية ترشحت هذه السنة لنيل جائزة «بوكر» العربية للرواية، و هي الجائزة التي بدأت هي الأخرى تثير الشكوك حولها بعدما عادت إلى " عزازيل " لصاحبها يوسف زيدان و قول بعضهم أنها نالت الجائزة لأنها مجاملة للغرب ؟ الجائزة الوحيدة التي لا يمكن التشكيك في مصداقيّتها هي جائزة القارئ ، و لا أعرف مصداقية أكثر منها!. يقول ناباغوف " القرّاء يولدون أحراراً و يجب أن يظلّوا كذلك". لذا لا أرى غيرهم قادراً على التصويت بحرية على كتاب. و أيا كانت النوايا الحسنة للجنة القراءة التي لا أشك في مقامها و لا مستواها، أعتقد أن ثمة اعتبارات شخصية و أبعاد سياسية و قناعات ومعايير لا نراها لكنها تتدخل لمنح جائزة لفلان دون سواه. شخصيًّا لا تعنيني هذه الجوائز، و لا أعرف لمن تعطى و لا أتابعها ، مقياسي الوحيد هو القارئ ثم الزمن . نعم وحده الزمن يكرّس الكاتب. ينجح الكاتب حقًّا عندما يغيّبه الموت و تواصل أعماله الدفاع عنه. ليتني أبعث حية بعد خمسين سنة لدقائق فقط كي أعرف إن كنت كاتبة حقا. أنا لست ممنوعة في أي بلد و الكاتب الذي يقع في فخ الرقابة عليه أن يغير مهنته إذن يبقى القارئ وحده الجائزة ووحده المقياس ، ماذا عن القارئ السعودي؟ و ماذا عن السعودية التي باتت تطبع في السنة الواحدة ما يقارب ال 1500 عنوان؟ القارئ السعودي يناضل من أجل الحصول على الكتاب ، وعندما يحب كاتبا يبحث عن كتبه من بلد إلى آخر ، علمت من صداقاتي الكثيرة بالمملكة أن القراءة بالنسبة للسعودي جزء من متعه . و أن ثمّة الآن انفتاحا جديدا يتجاوز تصوراتنا من الخارج، الناس لديها الآن نهم للقراءة و أعتقد أن الذي يجب أن يكرّم هو القارئ و ليس الكاتب . و كل ما كنت أتمنّاه أنّه بدل أن يبحث القرّاء السعوديّون عن كتبي في البحرين و الإمارات أن تتوفّر لهم في بلدهم وقد حصل ذلك. إن الكاتب الذكي هو الذي يحترف تهريب ما يريد قوله . الكاتب مثل المهرّب عليه أن يخبّئ جمله في الجيوب السرية للحقيبة أما إذا أمسك به الرقيب في أول جملة، فهو تماما مثل المهرّب الفاشل. لم تمنع كتبي في أي مكان و أباهي بهذا مثلما يباهي الآخرون بكتبهم الممنوعة. أعمالي ليست مفخخة بالجنس هي مفخّخة بالسياسة، و برغم ذلك دخلت الدول التي كنت أعنيها بالذات و تمّ الاحتفاء بها رسميًّا ، و لست أدري إن كان ذلك غباء من الرقيب أم ذكاء زائدا مني . معجزة الكتاب وصوله إلى القارئ حيثما وجد. تصوّري أن يكون لي قرّاء في الزنزانات الإسرائيليّة تصلني رسائلهم عن طريق الصليب الأحمر عجبت عندما علمت أن الأسرى الفلسطنيين في سجن عسقلان تناوبوا قبل سنوات على استنساخ " ذاكرة الجسد " بحروف السمسمة قبل أن تسمح إسرائيل بدخول الكتاب إلى المعتقل حيث تتوفّر منه الآن 33 نسخة، هؤلاء القرّاء لا يقلّون موهبة عنّي لقد تحايلوا مثلي تماماً بعضهم على السجّان العربي و آخرون على السجّان الإسرائيلي و على كلّ أنواع الرقابة، أزهو عندما تصلني رسائل من هؤلاء يقولون فيها إنّني أصبحت " النزيلة " التاسعة في كلّ زنزانة . تشهد المملكة العربية السعودية ما يشبه الفورة الروائية وراءها الكثير من الأسماء الأدبية النسائية ، هل أحلام متابعة للمشهد الروائي السعودي بالأخص ما تكتبه المرأة السعودية ؟ أنا متابعة و سعيدة جدًّا بهذه الكتابات، عندما تمسك المرأة بالقلم في بعض المجتمعات فكأنّها تمسك بالسلاح. أستحضر قولاً جميلاً لفلوبير " كم من الخطايا كنت سأقترف لو لم أكتب " الإنسان الذي يكتب سواء كان رجلاً أو امرأة اختار أن ينفضح بشفافيته بينما علينا أن نحذر من يحتمي بصمته. فالصمت مكمن كلّ التباس و غالباً ما يُخفي خطايانا. إن امرأة تكتب هي امرأة شجاعة تمتلك شجاعة الإفصاح. أنا أقرأ بعض ما يُهدى لي من كتب لروائيات سعوديات بعضها يُطبع خارج المملكة آخرها كتاب لصديقتي الكبيرة صاحبة القلم الرائع " انتصار العقيل " و كذا رجاء العالم و أثير عبد الله التي أهدتني مؤخراً كتابها الجميل " أحببتك أكثر مما ينبغي " . هل تنسج أحلام مستغانمي صداقات مع كتاب سعوديين ، هل تتواصل معهم ، هل هي متابعة لما يكتبون ؟ عندي صداقات جميلة تمتد لأزيد من عشر سنوات، من بين الأصدقاء الذين فقدتهم ثم استعدتهم الصديق الكبير الدكتور غازي القصيبي، الصديق النصوح صاحب الروح الجميلة المرحة الذي كانت قد سرقته مني مهامه الجديدة، هناك أيضاً الصديق محمد سعيد الطيب و الصديق العزيز أنس زاهد الذي أحبّ لغته كثيراً و مستوى ثقافته، و العزيز علي فقندش و أحمد أبو دهمان الذي يمتلك قلماً جميلاً و رشيقاً باللغتين و عبد الله ثابت الذي التقيت به في دار الآداب ببيروت و تركي الدخيل صاحب الحضور الأدبي الجميل، و الروائي الكبير عبده خال و الشاعر سعد الحميدين الذي أتابع كتاباته الشعرية والأدبية. ماذا بعد الأسود يليق بك ؟ و هل ننتظر صدورها قريبا ؟ عدة روايات في ذهني الآن أتمنى أن يمدّ الله في عمري لأكتبها. أعيش هاجس الوقت . و بالمناسبة أقول أن " الأسود يليق بك " ثلاثيّة أيضاً و هي مكتوبة في ذهني في شكل ثلاث روايات البطل فيها شخصية ثرية جدا، و تحكي علاقة الإنسان بالمال أو لعنة المال. سيجد القارئ في رواية " الأسود يليق بك " كلّ ما اشتهرت به من بهارات سياسيّة و أدبية و عاطفيّة. لكن لغة هذا العمل ربما كانت مختلفة عن لغة الثلاثيّة السابقة، هي مكتوبة ببعد سينمائي و أتوقّع أن تكون عملاً سينمائيًّا جدّ ناجحاً. أعتزم الانتهاء منها قبل نهاية العام 2009 و إلاّ سأنتحر!