خلال سنوات قليلة لا تتجاوز العقد من السنين استطاع الكاتب الصحفي الأستاذ ثامر عدنان فؤاد شاكر أن يضع له بصمة واضحة في عالم الكتابة الصحفية وحقق حضوراً متميزاً بين كتاب الأعمدة الصحفية، ولعل من أبرز ما جعل كتاباته تحقق هذه الخاصية هو جرأته فيما يطرح من أفكار وحسن معالجته لها نهايك عن لغته الطيعة والسهلة التي تصطاد القارئ وتجعله في حالة عشق مع مقالته حتى يأتي عليها، وأوضح مثال على ذلك الزاوية الصحفية (سقط عمداً) التي طرح من خلالها مئات المقالات التي تفاعل فيها مع جملة من قضايا المجتمع، وقد أحسن ثامر شاكراً صنعاً حين انتقى من جمهرة مقالاته عدداً منها لتخرج في كتب مثل: (سقط عمداً، وحدث العام القادم، وهنا تويتر، قزم وعملان ووطن الحياة من أجل تحقيق حلم، عاشق من العالم الثالث). عنوان المقالة جزء أصيل من النص والتشابه كبير بيني وبين أسلوب مصطفى أمين وأزعم أن الجانب الوراثي قد زوده – إلى جانب موهبته – بهذا الحضور الطاغي في الساحة الصحفية فجده لأبيه هو الشاعر الكبير الصحفي المعروف فؤاد شاكر وكذلك إعجابه بكبار كتاب المقالة الصحفية في العالم العربي جعله يتقن هذا الفن ويصبح كتاباً مثالياً لدى جيل الشباب تحديداً. ثقافة الخميس التقت بالكاتب الأستاذ ثامر شاكر وكان هذا الحوار: * لماذا اخترت هواية الكتابة وأنت الاختصاصي في إدارة الأعمال في القطاعات الأهلية، ثم ما نسبة العامل الوراثي في تفعيل هذه الهواية حتى أضحت ممارسة دائمة لها عبر زاويتك الصحفية "سقط عمداً"؟ - هذه الهواية التي كثيراً ما أهملتها وتجاهلتها، ولم أعرها اهتماما، اكتشفتُ بعد مُضي كل تلك السنين أنها كانت رفيقة المشوار الطويل. كانت وفية جداً، كانت السند والمتكأ رغم إهمالي وجفائي. لم تخذلني يوماً، بل اني لم أذكر أنها تخلت عني رغم جحودي وعقوقي لها. أنا أمارس الكتابة منذ كان عمري 15 سنة وربما أقل، ومازالت تقف بجواري وتُداعبني كل مساء، وتوقظني كل فجر، وتعانقني كلما اشتد البرد وقست الحياة. أمّا عن نسبة العامل الوراثي فأعتقد أنها في الدم، لكني أؤمن أنّ الموهبة ليست كل شيء، بل هي طاقتنا التي تدفعنا لأن نُحافظ على تلك الموهبة من الذبول، والركود والضمور. طاقتنا تلك التي تجعلنا نسقي موهبتنا ونُطعمها حتى تكبر ويشتد عودها فلا تموت في المهد بذرة. * تنصب جل كتاباتك بأبناء جيلك من الشباب تصور معاناتهم وتبرز أفكارهم وتطرح اهتماماتهم حتى أصبحت في عرف الآخرين أنك من المؤمنين بقضاياهم والمنافح عن رؤهم ما سر ذلك؟ - أنا واحد منهم. عشت بداياتي أتعثر وأسقط، لكني أزعم أني كنتُ متأملاً دائماً متسائلاً.. لماذا نحن نختلف؟! لماذا شبابنا هنا يتخبط وتلمح فيه ضعفا وركاكة في الصياغة والأداء.. تراه يخاف ككهل يرتعد من دقات الزمن، وأحياناً أخرى تلمح في عينيه خجلا مريبا لا يتناسب مع ثورة الشباب، أدركتُ لاحقاً أنها الثقة التي ذبحناها من الوريد للوريد.. لذلك بقي سؤالٌ واحد يلاحقني، يطاردني في كل مكان: كيف حولنا أثمن ما فينا وأروع مصادر قوانا إلى خردة هشة لا تُسمن ولا تُغني من عوز الأيام!! في سبع سنوات، كتبت عن الشباب خمسة كتب، ما بين عاشق ومحارب.. وسياسي، وقائد. تقمصت كل الأدوار، لكني لم أخلع يوماً قناع الشباب، ربما لأني لم أمضِ بعد إلى الضفة الأخرى أو ربما لأني أعشق نبضه وحماسه وثورته.. أو ربما لأني قابلتُ عظماء كثرُ كان أبرز ما يُميزهم تلك الروح الشبابية الجميلة التي لم تُغادرهم يوماً.. رغم أنهم بلغوا من العمر عتياً.. كنتُ ومازلتُ أحاول أن أقول لهم في سطر واحد: ان لا حياة بلا شباب ولا مستقبل دونهم.. كنت أكتب عن نفسي ، لم أكن أكتب لأحد.. عرفتُ فيما بعد أن قلوباً أخرى استعارت كلماتي وصنعت منها طوق نجاة. من أجمل هبات البارئ أن يُعطيك حِرفة يٍسمونها في كتب الحياة فن حياكة الأمل. والأروع أن تشارك آهاتك وابتساماتك وعثراتك، ووثباتك على الملأ، فتغير بها نهايات سقيمة لقلوبٍ ملّت الألم. أنادي في كتاباتي بالقدوة والمثالية وجرعة التفاؤل في نصوصي عالية * تعتمد في مقالاتك على العناوين الجذابة ذات الكلمات القصيرة والمعاني الكبيرة وهي سمة موجودة في مقالات أنيس منصور ويوسف إدريس وعبدالوهاب مطاوع ما مدى تأثرك بهؤلاء الكتاب وغيرهم ممن يتناولون ألواناً كثيرة من قضايا المجتمع؟ - تأثرت بكل هؤلاء. أساتذتي في فن كتابة المقالة. أذكر أني كنت أقص مقالات العملاق مصطفى أمين وأحتفظ بها في مجلد في فترة الصبا.. لتمر الأيام ويُرسل لي الناشر الأول لكتابي قزم عملاق ووطن، أقصوصة صغيرة يخبرني فيها سراً: أنه كان ينشر أعمال الراحل مصطفى أمين، وأنه حين قرأ نصوصي وجد تشابها كبيرا في الأسلوب ذكرّه بذلك العملاق. كانت شهادة في حق القلم البسيط لن أنساها من جيلٍ عظيم سبقنا ومازلنا ننهل من علمه وخبرته. لا أنكر تعلقي بالعملاق غازي القصيبي ومقالاته التنموية، ونصوصه الإدارية.. وروحه الساخرة رحمة الله عليه. تلك المعادلة الجميلة ما بين وزير ومحاضر ودبلوماسي ووطني من الطراز الأول، وكاتب عاشق قتلتني، بل أشعلت في قلبي وقلمي حريقا كان ومازال بمثابة الطاقة التي تدفعني أن أنطلق بلا توقف. العنوان جزء أصيل لا يتجزأ من النص. العنوان هو النظرة الأولى، هو اللقاء الأول، الطلة الأولى فإما غرام وهيام، وإما نفور وبرود ومن ثمّ موتٌ بطيء لعلاقة انتهت قبل حتى أن تبدأ، لذلك أحرص على أن أقتحم قلب القارئ من أول لقاء بلا خجل.. بكل جرأة العشاق. * يلاحظ المتأمل لمقالاتك أنك مفجوع من الواقع العربي دائم الشكوى منه فاقد الأمل في تنويره. لماذا كل هذه السوداوية والإحباط؟ - اختلف جداً مع هذا الرأي، فأنا أواجه بنقد لاذع دائماً. يسمونني الوردي الزهري القمري الملامح. يقولون اني لا أعيش هنا على الأرض، بل على القمر. جرعة التفاؤل عالية في نصوصي، وهذا ما يُثير حنق بعض السوداويين. عودة لسؤالك، أراني أشير إلى مواضع الألم وأكتب عنها صارخاً.. هناك أمل! فأنا على قناعة أن الأمل هو فن الإنصات لبصيص نور يأتيك خجولاً، تأخذ بيديه وتصافحه وتشعره بالأمان حتى يبقى ولا يُغادر، فيسكنك عمرأً ويُعانقك بجرأة.. ولا يتركك أبداً. * هناك إشادة دائم بالرموز الغربية الفاعلة في صناعة الإدارة وتحقيق معدلات عالية في التنمية وتحتفي بها محاولاً نمذجتها في العالم العربي ألا ترى ذلك؟ - أرى ذلك وأعترف به وأقر بذنبي بلا مداراة أو هروب!! هذه ضريبة قرون من العزلة والجهل، تقدم الغرب بألف سنة ضوئية، لذلك أجد دائماً أن الشق المعرفي في النص يجب أن يكون على أحدث مستوى حتى يُثري عقل القارئ، ويُحدث ضجيجاً مدوياً في قلبه مربكاً لعقله. ذلك الأثر لن يحدث أبداً من خلال لغةٍ هشة عقيمة رتيبة، ونص عاقر جامد بلا معلومات حديثة تعتمد على أحدث المصادر. أضف الى ذلك أن أغلب ما اكتب يتمحور حول ثلاثة عناصر لا أمل من طرحها ومغازلتها، تعزيز الثقة بالنفس وتطوير الذات وحب الوطن، والتي تزخر بها المكتبات الغربية من دراسات وإحصائيات وتجارب عملية تركت أثرا لتُخلد القصة من أولها إلى آخرها بين دفتي كتاب. في ديواني نثرت بوحي بثقة ونقشت مشاعري على الورق * ثمة أسماء عربية وإسلامية فاعلة في صناعة التنمية وتطويرها دائم الإشادة بها في كتاباتك منها محمد يونس، مهاتير محمد، غازي القصيبي، عبدالله الربيعة رجب أردوغان كيف يمكن استنساخ في هذه النماذج لتكون في كل مرفق إداري واقتصادي؟ - أولاً بنشر روح تلك التجارب بملامحها الإنسانية بعثراتها وسقطاتها.. وانكساراتها، ووضعها في إطارها الحقيقي بلا تزييف أو مداراة.. بلا مثالية. فالمثالية تقتلنا، نحن مللنا المحاضرات ، والخُطب. مللنا المنابر التي تحكي قصص الأولين والآخرين في اسهاب ولسان حالنا يصرخ: كفانا نظريات ، ومثاليات .. وكلام !! لا نريد أن نستمع إلى تجارب صماء، تقص لك سطراً من كتاب ، وتلصق نظرية أكل عليها الزمن وشرب، أو تمرر مقولة جامدة بلا تطبيق حقيقي، متباهية بجمال وقعها وحلاة وزنها، وإغراء خطوتها الذي لا يُقاوم، لينتهي بنا الموقف إلى حالة من النشوة اللحظية وكأننا كنا تحت تأثير موسيقى تصويرية حماسية تُثير فينا النشاط والهمة لمدة دقيقة من عمر الزمان، ثم تُلقي بنا فجأة وتدفعنا من حيث أتينا جوعى ضيعى في دروب الحياة!! لذا يجب أن نعرف الفرق جيداً بين المنصات الضبابية وتلك التي تضيف لحياتنا شيئاً. لا نريد مسكنات. نريد خريطة نجاة من متاهات الألغام التي تطوقنا من كل صوب. نريد يداً صادقة كافحت وعملت وبكت وتألمت وتلعثمت في أقصى الظلام ثم نهضت أقوى بعد كل انكسار.. نريد قلبا من لحم ودم وليس من ورق وبلاستيك، لذلك أرى أن أفضل وسيلة هي أن تأتي بصاحب الإنجاز وتضع تجربته بانكساراتها واحباطاتها ، وكفاحها بين يدي الشاب، حتى يرى ويسمع ويعيش ألف حياة في حياة، كما كان يقول أستاذنا العقاد، أنا أقرأ لأن حياة واحدة لا تكفيني وفي القراءة ألف حياة. * تحاول قدر الإمكان أن تحمل كتاباتك دعوة للنجاح وإبراز التجارب الفاعلة في مجال التنمية وتقديم صورة مضيئة لهم أليس كذلك؟ - يموت الكاتب حين يفرغ مداد قلمه، ويموت العاشق حين يصمت قلبه، وينتهي الوطن حين نتجاهل أنينه، وألمه. أقول لنفسي منبهاً دائماً.. فلماذا يا ترى نندهش ونحزن لموت كل هؤلاء وهل هناك حياة بلا عطاء؟! هذا ما تعلمته من أساتذة كبار علمونا معنى أن تتأبط أحلامنا، أحلام الوطن!! التنمية كما يقول لي كوان يو.. هي أساس رفعة الأوطان.. لي كوان يو الذي بنى سنغافورة وسط مخالب الاحتلال وقلة الموارد وتركيبة الشعب المتعددة، عبر رغم كل شيء إلى شاطئ الأمان بل صنع من وطنه قصة لا تختلف عن قصص ألف ليلة وليلة. بمثل تلك النماذج وتلك التجارب يجب أن نعيش، نتعلم منها، نفهمها، ونحفظها عن ظهر قلب، بل نُعانق أصحابها ونجعل منهم قدوة ومثال يُحتذى. نعم أنادي بهذا من خلال كل ما أكتب. * في تجربتك الشعرية والتي جاءت عبر ديوانين (سقط عمداً) و(عاشق من العالم الثالث) نجد أنها تسكنها روح الخاطرة وإن كانت تطغى عليها العاطفة بلغتها وصورها ولكن الشعر يظل موازياً لها ولم يتحد بها؟ - يقول القصيبي رحمه الله.. " كل ما يُثير في النفس جمالا.. فهو شعر". لا أهتم كثيراً بالمسميات أبداً ولا أدرس زاوية الالتصاق والانفراج.. ومقدار التوازي، فقط أنثر بوحي بثقة وحب وأمضي. لذلك لا أجد ما أقوله غير أني أستمتع جداً بنقش المشاعر على الورقة. أؤمن أن الكلمة الصادقة لا تحتاج لكل هذا الضجيج حتى تظهر، تولد وفي يديها وردة وقُبلة وعطراً يفوح منها كأجمل بساتين الدنيا. الكلمة الحرة تعيش طويلاً وتُحلق بعيداً بلا رتوش، بلا أجنحة.. الكلمة الحية تعيش بقلبها ولا تحتاج لأجهزة تنفسٍ صناعية. الجمال لا يحتاج لعوامل مساعدة كي يظهر. حتماً سيخطف الأبصار ولو بعد حين. الجمال الحقيقي يحمل في جوفه صدقاً وبين يديه وعداً وعلى جبينه نور. لذا أنا سعيد جداً وممتن جداً وفخور جداً بكل ما أقدمه، رغم الأوزان المفقودة والقافية الضائعة وقانون التوازي ودرجات الزوايا الحرجة والقائمة!