المملكة تختتم مشاركتها في الدورة الوزارية للتعاون الاقتصادي والتجاري "الكومسيك"    ترمب يوجه كلمة عاطفية للأميركيين في اللحظات الأخيرة    المرصد الإعلامي لمنظمة التعاون الإسلامي يسجل 2457 جريمة لإسرائيل ضد الفلسطينيين خلال أسبوع    خسائرها تتجاوز 4 مليارات دولار.. الاحتلال الإسرائيلي يمحو 37 قرية جنوبية    شتاء طنطورة يعود للعُلا في ديسمبر    يعد الأكبر في الشرق الأوسط .. مقر عالمي للتايكوندو بالدمام    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل المصري    "إنها طيبة".. خريطة تبرز 50 موقعًا أثريًا وتاريخيًا بالمنطقة    أمير الشرقية يستقبل الرئيس التنفيذي لهيئة تطوير محمية الملك عبدالعزيز الملكية    الموافقة على الإطار العام الوطني والمبادئ التوجيهية للاستثمار الخارجي المباشر    الاستخبارات الأمريكية تكثف تحذيراتها بشأن التدخل الأجنبي في الانتخابات    منتدى "بوابة الخليج 2024" يختتم أعماله بإعلانات وصفقات تفوق قيمتها 12 مليار دولار    رابطة محترفان التنس..سابالينكا تحجز مقعداً في نصف النهائي.. ومنافسات الغد تشهد قمةً بين إيغا وجوف    كيف يعود ترمب إلى البيت الأبيض؟    أمين عام رابطة العالم الإسلامي يرأس اجتماع المؤسسة الثقافية الإسلامية بجنيف    محافظ الخرج يستقبل مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف بالرياض    انعقاد مؤتمر الأمراض المناعية في تجمع عالمي وطبي    أطفال اليمن يتألقون بتراثهم الأصيل في حديقة السويدي    الطائرة الإغاثية السعودية ال19 تصل إلى لبنان    المملكة تثري الثقافة العربية بانطلاق أعمال مبادرتها "الأسبوع العربي في اليونسكو" في باريس    توقعات بهطول الأمطار الرعدية على 5 مناطق    مركز مشاريع البنية التحتية بالرياض يشارك في المنتدى الحضري العالمي الثاني عشر بالقاهرة    فوز 11 شركة محلية وعالمية برخص الكشف في 6 مواقع تعدينية    إشكالية نقد الصحوة    أرباح «أرامكو» تتجاوز التوقعات رغم تراجعها إلى 27.56 مليار دولار    الاتفاق يواجه القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج للأندية    «التعليم»: 5 حالات تتيح للطلاب التغيب عن أداء الاختبارات    الأسمري ل«عكاظ»: 720 مصلحاً ومصلحة أصدروا 372 ألف وثيقة    «جاهز للعرض» يستقطب فناني الشرقية    الاختبارات.. ضوابط وتسهيلات    المملكة تستحوذ على المركز الأول عالمياً في تصدير وإنتاج التمور    الهلال يمزق شباك الاستقلال الإيراني بثلاثية في نخبة آسيا    إعادة نشر !    المحميات وأهمية الهوية السياحية المتفردة لكل محمية    «DNA» آخر في الأهلي    سلوكيات خاطئة في السينما    العلاج في الخارج.. حاجة أم عادة؟    غيبوبة توقف ذاكرة ستيني عند عام 1980    " المعاناة التي تنتظر الهلال"    في الجولة الرابعة من دوري أبطال أوروبا.. قمة بين ريال مدريد وميلان.. وألونسو يعود إلى ليفربول    تنوع تراثي    الأمير تركي بن طلال يستقبل أمير منطقة الجوف    الأمير عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في قيادة القوات الخاصة للأمن والحماية    زرًعِية الشبحة القمح العضوي    نحتاج هيئة لمكافحة الفوضى    ربط الرحلات بالذكاء الاصطناعي في «خرائط جوجل»    مسلسل حفريات الشوارع    كلمات تُعيد الروح    قصص من العُمرة    للتميُّز..عنوان    لماذا رسوم المدارس العالمية تفوق المدارس المحلية؟    الاستقلالية المطلقة    تشخيص حالات نقص افراز الغدة الدرقيه خلال الحمل    النظام الغذائي المحاكي للصيام يحسن صحة الكلى    سعود بن بندر يهنئ مدير فرع التجارة بالشرقية    السعودية تؤكد دعمها لجهود التنوع الأحيائي وتدعو لمؤتمر مكافحة التصحر بالرياض    أمير تبوك يستقبل القنصل البنجلاديشي لدى المملكة    مقال ذو نوافذ مُطِلَّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ميرال الطحاوي: البحث عن الكاتب داخل النص أمر غير مقبول.. ولا داعي للتلصص
نشر في المدينة يوم 19 - 01 - 2011

العودة للكتابة بعد فترة توقف كان هدف الروائية المصرية ميرال الطحاوي من روايتها “بروكلين هايتس”، وكذلك رصد ملامح التغير على شخصيتها من انتقالها للعيش في أمريكا وعملها مساعدة أستاذ في قسم اللغات الأجنبية والأدب ومديرة البرنامج العربي في جامعة ولاية أبلكان. ولكنها فوجئت بوصولها إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية بعد أن ظنت أنها لم ترشح لها من البداية.. ميرال حكت كيف اعتذر لها الناشر عن تأخره في إرسال نسخ الرواية إلى لجنة البوكر، وتناست هي الموضوع لأنها لم تفكر في جائزة ورغبت فقط في أن تستعيد قارئًا بدأ ينسى كتاباتها، وجاءت المفاجأة بالنسبة لها في وصول الرواية إلى قائمة البوكر القصيرة وحصولها في الأسبوع نفسه على جائزة نجيب محفوظ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، لتكون “صدمة” سعيدة حسب تعبيرها باحتفاء صادفها وهي بعيدة عن مصر.. ميرال اكتفت بما وصلت له الرواية وتسأل نفسها: الآن ماذا أستطيع أن أكتب؟.. لكن “الأربعاء” لم يتركها لتسأل بل وضع لها الأسئلة بتنوع نوافذها، فكانت إجاباتها حاضرة في هذا الحوار..
خطأ المترجم
* لماذا آثرت أن يكون اسم روايتك “بروكلين هايتس” إنجليزيًّا بحروف عربية.. ولم يترجم مثلما حدث في تقرير جائزة الجامعة الأمريكية؟
** “بروكلين هايتس” هو حي معروف، وليس لي الحق في أن أُعرّب اسمًا، إنه حي للمثقفين، وسكنت من قبل مارلين مونرو في المنطقة العالية في بروكلين، وفي الأسفل حسب خريطة الرواية تسكن الجاليات والمهاجرين في الجزء القريب من “منهاتن”، ولم أجد أنه من حقي أن أترجم اسم المدينة والأحياء لأنها تذكر كما هي، وتصبح ترجمته غريبة، وهذا الحي له دلالة قوية في الثقافة الأمريكية، وأردت أن أنقل حي بروكلين باسمه وتفصيلاته، وهو ما طغى على الحوار داخل الرواية لأنه كان يدور باللغة الإنجليزية في معظم الحالات، وحاولت أن أكتبه باللغة العربية لأن المهاجرين يتحدثون بإنجليزية ركيكة، وكنت أريد عكس هذا الحوار الركيك، مثل الحوار بين البطلة “هند” و“إيميليا” الروسية بطريقة تعبير مختلفة من خلال إنجليزية بلكنة روسية لذلك وجدت صعوبة في نقل الحوار لأنه ليس فصيحًا بالإنجليزية أو العربية، وكنت أريد أن يعكس حال المهاجرين من أخلاط وأجناس قادمين من الشرق وأفغانستان وعلاقتهم باللغة الجديدة، لذلك اتجهت لتعريب هذا الحوار بكل أخطائه الفادحة كلغة إنجليزية، وما يحمله المهاجر من التباس لغوي، لأني أتصور أن اللغة هي الهوية البديلة، ولا تستطيع أن تكون هناك هوية بدون اللغة، وأعتقد أن ترجمة العنوان في جائزة نجيب محفوظ جاء لأن التقرير مكتوب بالإنجليزية ومن ترجم التقرير حاول أن يترجم اسم الرواية، وهذا خطأ مترجم التقرير.
شعرية اللغة
* هناك تطور ملموس في لغة الرواية بخلاف كتاباتك السابقة.. هل كنتِ واعية للغة الحنين والشعرية أو فرضتها أجواء الرواية؟
** الرواية منقسمة إلى نصفين. نصف في بروكلين والنصف الآخر تتذكره البطلة. والحياة اليومية لا يمكن وصفها بشاعرية، فكانت الرواية بها مزاوجة بين لغتين، لغة الحياة اليومية ولغة استعادة الماضي. واللغة الشعرية بديلة لوصف حالة الاغتراب، لأن عين السائح تلتقط التفاصيل مثل الكاميرا، وقد تكون شعرية اللغة في الرواية ميزة وعيبًا، ليس عن فرض تغيير اللغة التي أتحدث بها، أجواء الرواية هي التي فرضت اللغة، والمراوحة بين لغة الكاميرا وشعرية اللغة من نوع مختلف لم أتقصدها، لأني أتحدث عن مكان غير معلوم للقارئ العربي، فالوصف يشكل جزءً هامًا من النص، واللغة الشعرية كانت أكثر في جزء استعادة الذكريات ولذلك كانت لغة الحنين أعلى.
مراوحة بين عالمين
* هناك مقارنة بين شخصيات الرواية مثل العجوز الروسية والخبازة في وطن البطلة.. هل قصدت القول أن المعاناة البشرية واحدة؟
** المسألة ببساطة ليست فلسفية، ولكن كل نقيض يعكس نقيضه، افترضت أن جسر منهاتن معبر بين عالمين والمراوحة بين عالمين بالغة الصعوبة، فما بالك بأن تراوح بين عالمين ولغتين، والمفردات والمرايا، لأن ما نتركه شرقًا نجده غربًا بصور أخرى، وعندما يذهب الإنسان إلى مكان جديد يصطدم بالواقع لأن عين السائح في العموم تختلف عن عين المقيم التي ترى في العمق، وهذا المجتمع الذي يدّعي الحرية ليس حرًا بالفعل، وبمزيد من التأمل تجد أنه يخلق صورًا شبيهة لما تركه خلفه، والذين جاؤوا بحقائب السفر مازالوا يحتفظون بموروثاتهم ومازالوا يعيشون كما كانوا. وأعرف مهاجرين عرب لم يتغير فيهم شيء، في الرواية استخدمت لعبة المرايا عن وعي أو لا وعي.. لا أحدد؛ لأنها حالة فلسفية ونفسية في الوقت نفسه، لأن البطلة في حالة ارتباك، فتري كل ما عاشته من قبل وهذه لعبة نفسية كأنك عشت مثل هذه الحياة من قبل وكل الشخصيات التي تراها كأنك رأيتها من قبل، وتأتي في أشياء أخرى، وهى من الناحية النفسية “اضطراب”، ومن الناحية الفلسفية حالة من إعادة العالم إنتاجه لنفسه باستمرار، وفي نهاية الرواية تشعر البطلة بأن ليس كل شخص له مرآته فقط، ولكنها أيضًا تجد نفسها في مرايا الآخرين.
تعاسة مستنسخة
* لماذا إذًا جعلت حلم البطلة يكون مؤطرًا في أول ديوان شعري لها بعنوان “لا أشبه أحدًا”؟
** حاولت أن أفعل مثلما كنا نعتقد ونحن صغار، لأن كل شخص يعتقد أنه خارق ويستطيع تغيير العالم، ولا يشبه أحدًا، وهذا تصور طفولي عن النفس، وبالتقدم في العمر يكتشف أنه ليس فريدًا كما يتصور، وأن هناك من عاشوا هذه الخبرات النفسية وأنه يعيد ما أنتجه الآخرون، وجزء من الكبر هو فقدان الدهشة والتفرد وهكذا تجربة البطلة النفسية، إنها تشعر بالتفرد رغم أنها مغتربة مثل الجميع وأم مثل الجميع، وتعيش خبرات مثل كل الناس، والرواية لها نزوع إنساني إلا أن البؤس يتكرر، وهو ما أضاف إلى فكرة المقارنة بين الشرق والغرب، لأننا نتخيل أن المرأة في الغرب أكثر سعادة ولكن بمزيد من التأمل سنجدها تعسة مثل نسائنا، ويوجد هناك عنف أسري، والإنسانية تعيد تكرار نفس المشكلات حتى في ثقافات أخرى.
قراءات مختلفة
* هل هذا ما اختلف في تفكير ميرال الطحاوي بالإقامة في أمريكا؟
** ليس بفكرة الإقامة ولكن بفكرة الوعي، وعيي كإنسانة ورؤيتي للناس، لأني تقدمت في السن وتغيرت نظرتي للكتابة لوضعي كامرأة ولمفاهيمي الأولى في التعبير عن الذات، وعن الوعي بمعاناة الإنسان والتطور في تجربة السفر والقراءة والاطلاع على آداب أخرى، الحقل الذي أعيش فيه أصبح أوسع والنصوص التي أقرأها مختلفة، ليست عربية فقط، وأصبحت أتابع لكتابات الجيل الجديد في أمريكا وكتاب من أصول عربية يكتبون بالإنجليزية. ومتابعة الكتابات العالمية فتحت أفقًا جديدًا على الكتابات الهندية والصينية وعدد كبير من الكتاب المهاجرين يحكون عن ثقافاتهم، وهذا أصبح عنصرًا إضافيًّا بعد أن كانت قراءتي للرواية تقتصر على النص العربي فقط، أو النص المترجم، وأصبحت لديّ سعة وبدائل للقراءة.
تلصص غير مقبول
* لا أفضل المقارنة بين التجارب الشخصية للكاتب ومصائر أبطاله.. ولكن كيف تأثرت “هند” بتفكيرك في الغربة.. وبماذا أفادتك في الكتابة؟
** هناك أدوار مشتهاة في الحياة وأدوار نطمح لها ولا تأتي، وأدوار نعيشها مكرهين، في الكتابة أيضًا هناك بطلات تفرض نفسها على الكاتب، مؤخرًا قرأت رواية فارجاس يوسا الأخيرة “يوميات الطفلة الشقية” يحكي فيها عن علاقته بفتاة عرفها في طفولته وكبرت، وتأتي له في عدة صور، هذه الرواية أثارت الكثير من الأسئلة عن حياة يوسا، وأرى أن فكرة التقمص واردة في الكتابة، وكذلك إعادة إنتاج الأدوار التي نتمناها، الأم الوحيدة مع طفلها ليست قصة جديدة ومتكررة في السينما الأمريكية والكتابات المختلفة، والجديد الذي أضافته “هند” أنها أخذت كثيرًا من هواجسي كإنسانة وامرأة في منتصف العمر وعلاقتها بالأمومة وجسدها، وفي إحدى الندوات قالت لي سيدة إن القصة تتحدث عنها رغم أني لا أعرفها شخصيًا، وقالت إنها عاشت نفس التفاصيل وجاءت لتؤكد أنها هي هذه البطلة، وهذا ما قالته لي صديقتي إنها عاشت مثل هذه التجارب، وأتصور أن نجاح الكتابة أنك تستطيع أن تخلق شخصية تعيش ما يعيشه الآخرون، بالتالي لا بد أن تعطيها جزءًا من ذاتك لتحيا، وبعد أن خلقت هذه الشخصية أصبحت لها مغامراتها الخاصة، ولا داعي لمعرفة الحدود الفاصلة بين الذات والكتابة، لأن هذا الجيل يكتب كتابة ذاتية هي ليست ابتكارًا ولأنها موجودة منذ أجيال، وليست ابتكارًا والبحث عن الكاتب داخل النص أصبح سؤالًا غير مقبول لأن الكاتب لا يحدد أين تبدأ حدوده وأين تنتهي، في الحقيقة لا يعرف ماذا أعطى وما أخذ، وإن أعاد صياغة الكتابة لن يستطيع الوقوف على مكانه بين شخصياته في أحيان كثيرة يبدو ملتبسًا أكثر، وبالنسبة لي عندما كتبت “الخباء” قالوا هي سيرتي، وكذلك “الباذنجانة الزرقاء” و“نقرات الظباء” قالوا هي أنا بالضبط، وفي “بروكلين” نظروا إلى جيدًا إنها بالتأكيد سيرتي وأني أكتب عن نفسي، من الممكن أن أذكر لك ما قاله محمود أمين العالم عن “الباذنجانة الزرقاء”، وكيف تتماس السيرة مع الكتابة. بالتأكيد لا أستطيع أن أصنع كل هذه السير كلها، ومن الفجاجة أن أقول أن كل شخصية أخذت جزءًا من روحي. لكن أقول ببساطة أن تجربتي كامرأة ليست بعيدة. ولا داعي للتلصص لأني أراه وعيًا محدودًا، والسؤال الوحيد الذي يفرض نفسه في هذا الموضوع، هل الفن مكتمل أم لا؟ وهو سؤال فني في النهاية، وهل التبست السيرة بالرواية وإلى أي مدى استطاع النص أن ينجو من فكاك السيرة فنيًا.
أسماء أم نصوص؟!
* نبتعد قليلًا عن أجواء الرواية.. ما رأيك في القائمة القصيرة لجائزة البوكر.. وكيف ترين خروج خيري شلبي منها؟
** سأجيب هنا بسؤال؛ هل أرادت البوكر في دورتها الرابعة أن تتخلص من هيبة الأسماء الكبيرة؟ أعتقد أن هذا كان سؤالًا مطروحًا أمام الجائزة، وهل هي تمجيد ومكافأة لكبار الكتاب أم في صالح النصوص، وكان خروج خيري شلبي علامة استفهام لأنه اسم كبير، وتأكد في عدد من الدورات أن هناك ميلًا للأسماء الكبيرة ومنحها لأسماء راسخة مثل بهاء طاهر. وفي دورات أخرى كانت احتفاءً بالنص. فصار لدي تساؤل عندما تكون روايتي مع خالد البري وخيري شلبي في القائمة الطويلة، لم أنتظر القصيرة بدون شلبي، وخروجه كان مثار دهشتي، وفي نفس الوقت مثلما قال خيري شلبي نفسه إنه كان سعيدًا بنصي، وقال لي إننا الكتابة الجديدة ولنا المستقبل، فهل كانت البوكر أمام سؤال جديد هل ستنتصر للنصوص الجميلة أم للأسماء الكبيرة؟ وهذا سؤال ضمن أسئلة كان يجب أن تجيب عنها الجائزة نفسها. وفي التاريخ كانت نوبل تواجه نفس السؤال هل للنص الجيد أم لانجاز كبير. والبوكر البريطانية كانت تطرح أسماء تعتبر مفاجآت لأنها تهتم بالنصوص فتصنع نجومًا. فهل ستسير البوكر العربية على خطى البريطانية وتنتصر للنصوص والنص المكتوب بلغة جيدة أم تحزبات وتوزيع جغرافي، لست وحدي من أحمل هذه التساؤلات، وإذا نجحت الجائزة في تلافي هذا التوزيع الجغرافي أو حتى الانتصار للنساء أو كبار الكتاب، وأن يكون الهم الأول لها هو جودة النص والإعلاء من شأن النصوص وليس الأسماء سيكون انتصارًا وتغييرًا في سياسة الجوائز العربية جميعًا لأن الجوائز العربية تعطى لأسماء كُتاب كبار، ونعول على البوكر أن تصنع نجومًا جديدة كما يفعل العالم.
وبالنسبة لي الدهشة كانت مضاعفة. وبالأمانة لم أعرف أن للبوكر هذا الأثر الكبير في الحياة الثقافية العربية سوى هذا العام لأني انتقلت للعيش في أمريكا قبل بداية الجائزة، وفوجئت بأنها تؤكد حضور كُتّاب وتطرح أسماء جديدة وقوائمها تقرأ بشكل جيد وبمصداقية مع القارئ. وبمجرد إعلان القائمة الطويلة تجد المناقشات في منتديات القراءة. لقد نجحت في أن تصل لمرحلة من الجدل المفيد، في الماضي كنت أكتب رواية وأنتظر من يقرأها وأكون محظوظة إن التقطها ناقد وكتب عنها، والجائزة فتحت السبيل للكاتب بأن يكون موجودًا وبدون الحاجة للأبواب الخلفية والمجاملات.
كارثة ثقافية
* إذن الجائزة أتت بفائدة للكُتّاب؟
** بالطبع.. لأنها طرحت أسماء في الوطن العربي لم تكن معروفة، وكنت مهتمة بقراءة النصوص التي وصلت للقائمة القصيرة في العام الماضي وتنمية الذائقة لديّ. والجدل حولها إيجابي وهو شيء يحسب لها في الدورة الرابعة لأن هناك رضا حول الأعمال المرشحة للقائمة القصيرة وحياد لجنة التحكيم. في العام الماضي كانت هناك مشاكل كبيرة. والعام الحالي هناك اتفاق من الحياة الثقافية أن اللجنة شديدة التكتم والحياد، والدليل أن رئيس اللجنة كاتب عراقي كبير واستبعد نصوصًا عراقية، وهذا يؤكد أن العامل الإقليمي غير موجود ونحن نكتب تحت مظلة لغة واحدة هي اللغة العربية ولا ينقصنا تقسيم إقليمي لتكتمل الخيبة العربية بالتقسيم الجغرافي في الجوائز الثقافية، المظلة الأخيرة التي تجمعنا هي اللغة. وأرجو ألا تفتت الجوائز هذه المظلة المفرودة بتحزبات عرقية فمن الممكن أن تثار تساؤلات مستقبلًا: لماذا لا يوجد كاتب شيعي أو سني أو من الجنوب. وإذا حدث ستكون كارثة تضيف للكوارث العربية انشقاقًا جديدًا، فلندع الجوائز تمنح حراكًا ثقافيًا به تسامح وجمال لأن الكتابة في المطلق هي عمل إبداعي، ولا يمكن أن نحوّل الرياضة والفن والثقافة إلى ساحة للمشاحنات. وإذا حدث نكون مجتمع غير ناضج بالمرة. عكس أوروبا رغم اختلاف لغاتهم لا تخرج دولة مثل إيطاليا لتقول لماذا حصل فيلم فرنسي على جائزة في مهرجان برلين مثلًا، وهذا لا يحدث إلا في العالم العربي رغم أن أوروبا لا تتكلم لغة واحدة لكن الانتصار للفن. ونحن لا، وكأننا نحاول إفساد الفرح القليل في الحياة باختلاق الانشقاقات، ونصعدها لتكون محزنة للحد الذي حدث بين مصر والجزائر هذا شيء غير مقبول في الإبداع والرياضة ولا أي شيء.
ترشيح بالصدفة
* هل كنتِ تتوقعين أن تصل الرواية إلى هذا المستوى من الاهتمام الأكاديمي والحصول على جائزة نجيب محفوظ والمنافسة على جائزة البوكر؟
** مطلقًا.. كتبت الرواية وكنت مترددة في نشرها وأقصى ما تمنيته أن تعيدني للكتابة بعد فترة توقف، وأعطيتها لصديقي عزت القمحاوي ليقرأها ويخبرني برأيه وفوجئت به ينشر فصلًا من الرواية في جريدة أخبار الأدب ووجدت نفسي متورطة في النشر، ولكنها أعطتني أكثر من العودة، بقارئ جديد لم يكن يعرفني، وجيل فقدت علاقتي به في السنوات الأخيرة. ولم أتوقع الجائزة أو البوكر لأنها حدثت بسرعة في وقت لم أكن موجودة فيه في مصر، وحتى ترشيحي للبوكر جاء بالصدفة لأن الناشر تأخر في إرسال الأعمال للجنة ووصلت في آخر لحظة، واعتذر لي لأنه تأخر في الإرسال بها بعد أن انشغل بالنقاش حول الأعمال المرشحة من الدار ونسيت الموضوع برمته حتى فوجئت بوصولي إلى القائمة الطويلة والقصيرة من بعدها. الآن أنا راضية جدًّا ويكفيني ما وصلت إلىه، ولن أحزن إذا لم أفز بالبوكر لأني أعرف أن هناك نصوصًا جيدة في المنافسة.
* هل حصول ثلاثة كُتّاب من جيل التسعينيات على جائزة نجيب محفوظ يرسّخ وجود هذا الجيل في الساحة الأدبية المصرية؟
** الجيل لم تخلقه الجائزة، وثلاث جوائز لا تكفي للحديث عن تكوين جيل كامل في وجود أكثر من 20 كاتبًا لا يمكن تجاهلهم، لست مشغولة بفكرة الجيل كفترة زمنية، وأفضل دراسة الظاهرة الكتابية، وكلمة الدكتور جابر عصفور خلال حفل الجائزة أثارت الكثير من الجدل حولها على أنه يهاجم جيل التسعينيات ولكني أرى أنه ينصفه بشكل من الأشكال، أنا كنت مشغولة بأن أكون موجودة على الخريطة، وصراع الكاتب أن يظل موجودًا وأن يكتب جديدًا ونترك الآخرين يختلفون عمّا قاله جابر عصفور؛ ولكني أعتبرها إيجابية للغاية على عكس ما فهم منها. الكلمة أثارت جدلًا كبيرًا بين الأجيال الجديدة واعتبروها تنديدًا بالتسعينيين؛ ولكن فيها شهادة ميلاد لأجيال أخرى، قد تكون شهادة ميلاد متأخرة ولكنها أفضل من أن نكون ساقطي قيد. وأعتقد أنها فرصة النقاد والباحثين ليرصدوا ملامح هذا الجيل وما أضافه للكتابة وهذا سيكون أكثر قيمة، لأننا لا نرتبط بالكتابة في حقبة واحدة فقط، ولكن هناك اختلافات في أساليب الكتابة لأني أكتب مختلفة عن سحر الموجي أو عزت القمحاوي مثلًا، وقد أتى بعدنا شباب يكتبون بطريقة مختلفة.. فأين نضع كاتبًا مثل محمد صلاح العزب مثلًا والفارق بيني وبينه عشر سنوات في الكتابة، كيف يتم التصنيف، أعتقد أننا بحاجة إلى إعادة دراسة للظاهرة الأدبية أكثر من فكرة الجيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.