أكد المشاركون في «ندوة عكاظ» حول تجارب البرلمانات العربية التي تمخضت عن الربيع العربي أن برلمان اللون الواحد لا يصمد طويلا وينهار مهما كانت قوته، مشيرين إلى أن التفرد بالرأي آفة المجتمعات، ولذلك لا بد من توافق حيال آلية اتخاذ القرار. وقالوا إن الإشكالية في بعض الدول العربية ليست سياسية بل اجتماعية واقتصادية. وحذروا من أن البعض يستغلون العاطفة الدينية السائدة في مجتمعات المنطقة. وتطرقوا إلى التجارب الديمقراطية الغربية مؤكدين أنها تصبح عقيمة حينما تنقل إلى مجتمعات تختلف في تكوينها الثقافي والاجتماعي ولا تتوفر فيها الثقافة السياسية اللازمة. ودارت الندوة على النحو التالي: «عكاظ»: يغلب على البرلمانات العربية طابع اللون السياسي الواحد خاصة في دول ما يسمى «الربيع العربي» فكيف ترون هذه الظاهرة؟ السديري: غلبة اللون السياسي الواحد قد تكون واضحة في مصر وتونس، لكن في المغرب أتت في مسار مختلف. ومن الصعب في الوقت الراهن الحكم على تجربتي مصر وتونس. وحتى يكون الحكم عادلا نحتاج إلى ظروف طبيعية للأداء. لكن بشكل عام، فإن أسلوب الحكم في ظل وجود البرلمانات هو الذي يحتاج إلى تقييم. ففي الكويت على سبيل المثال أقدم برلمان عربي منتخب. والأمر يحتاج إلى دراسة من ناحية الظروف والمعوقات، واختلاف بيئتها عن بيئتي مصر وتونس قد يعطينا الضوء للنظر إلى كفاءة الأداء الحكومي ومدى فعاليته من خلال التشريع البرلماني في تحقيق خطط وبرامج التنمية؛ لأن هذا هو المقياس الحقيقي لمدى انعكاسها على حياة المواطن. وأهم ما يمكن أن يكون عليه البرلمان هو تحقيق الإنجاز وتحسين كفاءة الحكم والشفافية والمراقبة. مطاوع: أريد أن أتحدث عن فلسفة اللون الواحد. وربما هذه الظاهرة ترتبط بمصطلحات كالقومية، العرقية، العنصرية. ونحن نقول إن التميز مطلوب. فالعرقية مصطلح معقول لأنه يميز الأشخاص عن الآخرين، لكن حينما يتحول هذا التميز إلى أفضلية، يتغير المصطلح إلى عنصرية. فالميزة تكون في الانصهار في ما يسمى القومية. ولا تصبح بيننا فروقات وإنما نتميز عن بعضنا البعض في اللون أو الشكل أو اللغة أو اللهجة، لكن ننصهر في بوتقة القومية. والجانب السلبي الذي بدأ في الظهور الآن بعد أن كان قد اختفى في بداية العشرينيات من القرن الماضي حينما حلت محلها القومية يتمثل في العرقيات والعنصريات. ومشكلة العنصرية أنها تفرز مصطلح «نحن والآخر» ما يفسر طغيان الرأي الواحد. أبو شيبة: دعوني أتحدث بشكل موجز عن التجربة البرلمانية الكويتية التي شارفت على الخمسين عاما. وهي تجربة فريدة، إذ لا يوجد في الكويت إشهار لأحزاب سياسية. وعملية تشكيل الحكومة تتم وفق سياسة معينة، حيث إن أمير البلاد يختار رئيس الحكومة الذي بدوره يتشاور مع ممثلي التيارات السياسية وفق نتيجة الانتخابات. الأمر الذي يوجد نوعا من التعددية والتوازن بين الرأي والرأي الآخر. وهو ما تتفرد به تجربة الكويت عن سائر تجارب البرلمانات العربية التي يجب أن يكون فيها الشعب واعيا لمسألة قبول الرأي الآخر. «عكاظ»: هناك من يرى أن الديمقراطية الغربية بكل تفاصيلها قد لا تناسب المجتمعات العربية، فما قولكم؟. السديري: إذا نظرنا إلى غلبة اللون السياسي الواحد في بعض مجتمعاتنا العربية نلاحظ أن التيارات الإسلامية، بغض النظر عن مسمياتها تحقق الأغلبية. وذلك بسبب إفراز سياسي واجتماعي سابق أبعدها عن السلطة في السابق، كتيار الإخوان المسلمين في مصر الذي له إشكالاته. فحينما فتحت أبواب الانتخابات كان الناس يبحثون عن بديل. واستطاعت هذه التيارات بطريقة منظمة أن تحشد التأييد لها. لكن المشهد الحاصل الآن مربك لأنها بدأت في تعزيز وجودها ومحاولة التمسك بالسلطة. وفيما يتعلق بأسلوب الحكم وفق برلمانات متعددة الأطياف ومدى نجاحه في تحقيق تطلعات الشعب، أرى أنه وسيلة متطورة مستقاة من التجارب الغربية التي مرت بمراحل على مدى زمني طويل من صيغ وأساليب الحكم حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن. وحينما ننقل التجربة الديمقراطية الغربية إلى مجتمعات تختلف في تكوينها الثقافي والاجتماعي والسياسي ولا تتوفر فيها الثقافة السياسية اللازمة تصبح عقيمة. ولذلك لا بد من توافر عناصر معينة لنجاح عملية التحول الديمقراطي، ومنها الثقافة السياسية ووجود نوع من الوعي السياسي لدى المواطن ومستوى اقتصادي ملائم. «عكاظ»: قاطعت تيارات معارضة الانتخابات التشريعية التي أجريت في الكويت مؤخرا، فإلى أي مدى يؤثر ذلك على التجربة الكويتية؟ أبو شيبة: استخدام المادة 71 من قبل سمو أمير الكويت لتغيير آلية التصويت حق دستوري يتمتع به. فهذه المادة التي تقضي بصوت بدلا من أربعة أصوات للناخب الواحد تقضي على القبلية والطائفية. ولا يمكن قياس نتائجها في ظل مقاطعة المعارضة للانتخابات. ونحن في الكويت نحترم وجهة نظر ورؤية المعارضة. والدستور الكويتي ينظم العملية الانتخابية. والمحكمة الدستورية تفصل في قضايا الخلاف على بعض مواد الدستور. وأمير البلاد أبدى ترحيبه بلجوء المعارضة إليها إذا ما أرادت الطعن في مرسوم الصوت الواحد. وبالفعل تقدمت مجموعة من النواب السابقين بطعن ضد هذا المرسوم. مطاوع: مقاطعة الانتخابات تعتبر إفرازا غير طبيعي. وهو نتيجة وضع غير طبيعي، فما هي أسبابها ومبرارتها؟. أبو شيبة: المعارضة الكويتية ترى أن المشاركة في الانتخابات تعني موافقة غير مباشرة على مرسوم الصوت الواحد. وتبرر مقاطعتها بأنه كان من الواجب صدور المرسوم من مجلس الأمة. وهذه وجهة نظر تحترم. السديري: نظام الانتخابات التشريعية كجزء من منظومة العمل الحكومي وصنع السياسات العامة له إيجابياته وسلبياته حسب البيئة التي تطرح هذه الآلية. فإذا كانت البيئة لها ثقافة سياسية مختلفة عن مفاهيم وقيم التعاطي بمثل هذه الآليات فمن المؤكد حصول ارتباك. ولهذا نجد أن الكويت هي النموذج العربي الأمثل؛ لأن كل مقومات النجاح موجودة، فهناك انسجام اجتماعي فريد ومثالي وإمكانات اقتصادية كبيرة تحقق الكفاءة والتنمية. ورغم أننا تابعنا الأحداث بالكويت في الآونة الأخيرة بقلق، ما زلنا نؤكد على أن التجربة الكويتية ناجحة رغم أنها تختلف عن مثيلاتها في مصر وتونس وغيرهما من الدول. «عكاظ»: يتخوف بعض المراقبين السياسيين من استغلال بعض الجماعات للانتخابات للوصول إلى الحكم والتفرد بالرأي، فإلى أي مدى يبدو هذا التخوف منطقيا؟ مطاوع: وجود تيارات سياسية غير ظاهرة لكنها موجودة وفرصتها الوحيدة للظهور كانت للتغيير. ورغبتها في التغيير هي نتيجة إفراز مجتمع والخوف من أن تصل إلى العنصرية وترفض ما تحتها وترى ما تريد أن تراه وتفرض رأيها. ولو وصلت مثل هذه الأيديولوجيات إلى التفرد بالحكم والرأي تصبح هناك مشكلة العنصرية وهي التفرد بالرأي. فشعوب العالم الثالث ما تزال تتحكم فيها العاطفة. السديري: مجتمعات المسلمين بطبيعتها متدينة. ويستغل البعض العاطفة الدينية لحشد القبول في أوساط معينة وتصوير حملاتهم الانتخابية على أنها صراع بين المتدينين من جهة والعلمانيين والليبراليين من جهة أخرى. ولذلك فإن الناخب الذي ليس لديه الوعي السياسي اللازم قد ينجرف وراء الشعارات الدينية المطروحة لحشد الجماهير. «عكاظ»: كيف ترون الرؤية المستقبلية للبرلمانات في الدول العربية؟ أبو شيبة: لا يمكن للبرلمانات العربية تحقيق النجاح إلا في حال إنصاف مختلف الأطياف والتشاور بين الجميع، لكي يكون هناك توافق في آلية القرار وعدم التفرد واعتماد اللون الواحد في صنع القرار السياسي، حتى تعطي نوعا من الاستقرار والطمأنينة في نفوس المواطنين من الطوائف والأحزاب المتعددة. مطاوع: برلمان اللون الواحد لا يصمد طويلا وينهار مهما كانت قوته. وأفضل مثال على ذلك انهيار الحزب الشيوعي في روسيا وتفكك الاتحاد السوفييتي. ولذلك من المهم أن ينصهر الشعب في بوتقة الأمة الواحدة والتي تمثل المساواة والعدالة. السديري: الإشكال في بعض الدول العربية ليس سياسيا، بل القضية الأساسية هي قضية اجتماعية واقتصادية عانى منها المجتمع، إضافة إلى سوء ممارسة حكومات هذه الدول لسلطاتها، ما أوجد فجوة كبيرة بينها وبين شعوبها. والمستقبل السياسي للبلدان يعتمد على طبيعة تعامل القوى السياسية مع السلطة التي تمتلكها وكيفية التصرف ونقل البلد من حالة الإرباك إلى حالة الاستقرار. أبو شيبة: أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله في قمة التضامن الإسلامي التي عقدت في مكةالمكرمة مؤخرا مبادرة للحوار بين المذاهب. وهذه المبادرة تمثل بعد نظره وإحساسه بنبض الشارع الإسلامي، والفكرة في حد ذاتها حكيمة ولقيت صدى واسعا في الكويت على المستويين الشعبي والحكومي وعلى مستوى العالم أجمع. فالحوار بين المذاهب مهم لإيجاد بيئة استقرار وتوازن وفهم للآخر. وافتتاح مركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الأديان في العاصمة النمساوية فيينا سيوجد تفاهما بين الأديان ويتيح الفرصة للغرب لفهم الإسلام الحقيقي، ما يحد من ظاهرة الإسلاموفوبيا. المشاركون في الندوة: الدكتور وليد السديري، المشرف على برنامج السياسة العامة في جامعة الملك عبدالعزيز. الدكتور أنمار مطاوع ، أستاذ إعلام في جامعة الملك عبدالعزيز. نائب القنصل الكويتي عبدالله أبو شيبة.