أكد عدد من المراقبين السعوديين أن الإنفاق في الميزانية الجديدة المرتقبة مطلوب لتنمية مشاريع البنية التحتية في المملكة وللاستمرار في تعزيز رفاهية المواطن وتحقيق متطلباته، بيد أنهم قالوا إن الإنفاق يجب أن يرتهن لمشاريع وفق جدولة زمنية وخطط محددة يتم من خلالها الوصول إلى النتائج المرجوة لرفاهية المواطن. فمن جهته، قال الدكتور صدقة فاضل أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك عبد العزيز وعضو مجلس الشورى «قبل الحديدث عن الإنفاق، أعتقد أن الميزانية القادمة ستكون الأضخم في تاريخ المملكة»، مشيرا إلى أن الإنفاق سيتم تركيزه على مشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء المملكة خاصة المناطق النائية التي يتطلب إيجاد مشاريع لرفع مستواها. وزاد «يجب «أن تكون التنمية في جميع المناطق المختلفة بشكل متوازن بنفس الزخم والقدر». وأضاف بأن الأزمات المالية العالمية تتأثر بها الدول المتقدمة، ونحن كدولة غنية بالموارد النفطية نحتاج إلى الإنفاق على تنمية وتطوير البنية التحتية. وتابع قائلا «حتى في المدن الرئيسية، لا تزال البنية التحتية تحتاج إلى تطوير وإنماء حتى تنعكس بشكل إيجابي على العوامل التنموية مستقبلا». وأفاد بأنه من المهم جدا تنمية وتطوير البنية التحتية في جميع مناطق المملكة على حد سواء حتى نصل إلى مفهوم تنمية الإنسان حيث أنه يحتاج إلى بيئة مناسبة للعمل والإنتاج، وحتى لا تنحصر الكثافة السكانية في المناطق التي بها خدمات فقط. وفي نفس السياق، تحدث الخبير الاستراتيجي الدكتور أنور عشقي بأن رفاهية المواطن تدخل في صلب الإنفاق؛ لأنها تنعكس على الروح المعنوية على المواطن حتى يشعر بأن بلاده تهتم به من ناحية تنمية البنية التحتية وتحقيق متطلباته. وأشار إلى أن الميزانية القادمة سوف تنصب في تنمية البلد والمواطن بشكل أساسي كما اعتادت عليها في السنوات الماضية. وأوضح بأن الحس الوطني يأتي من خلال ما تفرزه المشاريع الإنمائية من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية وانعكاسها بشكل إيجابي على حياة المواطن، وشعوره بالتقدير والامتنان لما تقدمه الدولة من خدمات تسهم في رفع المعاناة عن كاهله وتصب في تنمية قدراته وإحساسه بالرفاهية. وأشار أن الإنفاق في الميزانية هو ضروري لتحقيق تطلعات المواطن والدفع بعجلة التنمية التي يجب أن لاتتوقف. من جهته، تحدث المحلل الاستراتيجي فضل بن سعد البوعينين عن قضية الإنفاق قائلا إن المملكة تنفق جل مواردها المالية على التنمية، موضحا أنه يجزم أن الحكومة ترغب في إنفاق المزيد للتعجيل في استكمال البنى التحتية للمدن التي ماتزال تحتاج للخدمات. وزاد «ليس بالأمر الهين ضخ أكثر من 600 مليار ريال سنويا في الاقتصاد، إنها سياسة التنمية التي لا تقف عند حد، ولا تكتفي بالمنجزات المحققة على أرض الواقع». وأضاف أن الإنفاق الحكومي التوسعي قادر على تحريك كل آلة موجودة على أرض الوطن، ففي الوقت الذي تسعى فيه دول العالم إلى تقليص الإنفاق وتواجه عجزا في ميزانياتها، نجد أن المملكة حريصة على الإنفاق لدعم احتياجات المواطن. وأشار إلى أنه من فضل الله تعالى أن الدولة تزيد في إنفاقها السنوي مقارنة بالأعوام السابقة وتحقق أرقاما قياسية في جانب الإنفاق، في الوقت الذي حققت فيه إيراداتها أرقاما قياسية أيضا. ولم يستبعد أن تصل إيرادات العام الحالي ل 1.2 تريليون ريال، ما يعني تحقيق فائض كبير في الميزانية. وأضاف أن الحكومة واصلت الإنفاق التوسعي، وتحملت تداعيات التنمية المتمثل في التضخم وارتفاع تكلفة المعيشة، مقابل استكمال البنى التحتية في أسرع وقت. وزاد «ليس صحيحا ما يقال إن ما تنفقه الدولة أقل مما كان عليه سابقا لأسباب تضخمية. وأضاف «نحن نتحدث عن الإنفاق مقارنة بالدخل الكلي، تعتمد دول العالم في خطط تحفيز الاقتصاد على حجم الإنفاق بمعزل عن الحسابات الأخرى، فالتركيز الأكبر يكون في الغالب على حجم الإنفاق مقارنة بالدخل، وهو المعيار الذي يتبناه البنك الدولي في حث الدول التي تتمتع بفوائض مالية على الإنفاق دعما للاقتصادات الأضعف». ونفى أن يكون حجم المشروعات المزمع تنفيذها في ميزانية العام القادم أقل قائلا «نحن نتحدث عن مشروعات متصلة ببعضها البعض، وزيادة حقيقية في المشروعات التنموية». وأضاف «يعتقد أن تستمر الحكومة في تخصيص الجزء الأكبر من الميزانية للتعليم سعيا نحو تطويره وتحسين مخرجاته، وبما يحقق الأهداف الاستراتيجية ذات العلاقة بالبطالة وسوق العمل، الإنفاق على التعليم يصنف ضمن الإنفاق الاستثماري طويل المدى، فبناء الإنسان وتطوير قدراته العلمية والعملية هما السبيلان الأمثلان لتحقيق أسس التنمية المستدامة التي يبحث عنها الجميع». وأوضح أن تحقيق النمو أمر مهم، ولعل زيادة النمو في القطاع غير البترولي أمر يبعث على التفاؤل، إلا أن الفارق الكبير في نسب النمو بالأسعار الجارية والثابتة تجعلنا أكثر حرصا على مواجهة الضغوط التضخمية والعمل بجد من أجل خفضها للتخفيف من معاناة المواطنين. وقال إنه لا تنمية دون تضخم، إلا أن الإدارة المالية الحصيفة يفترض أن تحقق المعادلة بين النمو والتنمية من جهة والسيطرة على نسب التضخم بالأدوات المتاحة من جهة أخرى، موضحا أن المواطن البسيط يبحث عن انعكاسات الميزانية الإيجابية على حياته المعيشية بغض النظر عن أرقامها التفصيلية. وزاد قائلا «أتمنى أن يضع الوزراء نصب أعينهم شعار (ميزانية الإنجاز لا الأرقام)، فالدولة لم تقصر في الجانب الإنفاقي وهو ما تترجمه الميزانيات التوسعية للأعوام الماضية، والعام الحالي، ويبقى الدور الأكبر على الوزراء في تنفيذ مشروعات التنمية بكفاءة، ووفق جدولها الزمني. وتمنى أيضا أن تركز ميزانية العام الحالي على الإنجاز والكفاءة والرقابة الصارمة لتحقيق المنفعة الكلية من الأموال المخصصة لمشروعات التنمية، ما زلت أعتقد أن إنشاء هيئة استشارية عالمية مرتبطة بمقام رئيس مجلس الوزراء تهتم بالتخطيط واقتراح المشروعات والتصميم وتقييم التكلفة والإشراف، ويمكن أن يحقق هدف الكفاءة والمنفعة الكلية من مشروعات الدولة». وأضاف أن المواطن البسيط يبحث عن الإنجاز والكفاءة وهو لن يحس بقيمة الميزانية ما لم ير تحول أرقامها إلى مشروعات حقيقية على أرض الواقع. حتى الآن، لا يمكن مقارنة المشروعات المنفذة بالإنفاق الحكومي السخي، إضافة إلى أن جودة التنفيذ لم تصل بعد إلى مستوى الكفاءة الضامنة لسلامة المشروعات لعقود قادمة، وهو أمر يحتاج إلى مراجعة ورقابة صارمة وتقييم مستمر لتحقيق المنفعة الكلية من ميزانيات الخير والنماء. ومن جانبه، أوضح المراقب الاستراتيجي إبراهيم ناظر بأنه بفضل الله ونعمته على هذه البلاد بأن سخر لها موارد طبيعية تجعلها من أغنى بلدان العالم، وحكومة رشيدة لا تتردد في الإنفاق على تنمية البلاد والمواطنين. وقال «لا شك بأن الميزانية المقبلة ستكون هي الأكبر على الإطلاق من مثيلاتها وذلك بسبب الطفرة النفطية والاستثمارات التي تجنيها المملكة في المجالات النفطية وغير النفطية». وأكد بأن الجميع يترقب أرقام الميزانية بفارغ الصبر، وأشار بأن إنجاز المشروعات بحسب ما خطط لها ولي الأمر أهم من حجم الإنفاق المتوقع، وأضاف: «لعل خادم الحرمين الشريفين قد ركز كثيرا على الإنجاز وحث الوزراء على استكمال المشروعات المطروحة ومتابعتها بدقة. المواطن لن يحفل بأرقام الميزانية بقدر احتفائه بالمشروعات التعليمية والصحية والخدمية حين إنجازها، وأطالب بإكمال المشروعات المتعثرة ووقف الهدر في الميزانية الذي يحدث بسبب التعثر والتأجيل وسوء التنفيذ». واستطرد قائلا «إذا لم تكن هناك خطة استراتيجية واضحة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة فسيكون الانعكاس الإيجابي على هذا القطاع محدودا جدا، وهو ما نراه الآن. لذا أطالب بأن تكون هناك استراتيجية واضحة لتخصيص بعض المشروعات لهذا القطاع، وأن يعاد تأهيل القطاع ودعمه بما يحقق مصلحة الاقتصاد والمواطنين». وأفاد بأن الفرص الوظيفية لا تفتح بل تخلق، أي أن الحكومة تحتاج إلى ربط مصيري بين خلق الوظائف والمشروعات التنموية. وقال «عندما نتحدث عن إنفاق المليارات على مشروعات التنمية فمن المفترض أن يقابل ذلك الإنفاق تحديد دقيق للوظائف المتوقع خلقها من الشركات المستفيدة من تلك المشروعات كما يحدث في الدول الغربية. وأقترح أن يكون ضمن شروط ترسية العقود تحديد عدد الوظائف المطلوبة للسعوديين بحسب حجم المشروع وما يحققه من فرص وظيفية.