يشكل الاحتفال بذكرى الاستقلال الوطني وجلاء آخر جندي بريطاني عن عدن استحضاراً لأخصب وأعرق المحطات السياسية في التاريخ اليمني، لما يمثله هذا اليوم من عظمة في النضال والكفاح الشعبي ضد الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، واستدعاء لقدرة اليمنيين على قهر المستحيل بإمكانياتهم الضئيلة وإرادتهم الصلبة. إنه يوم استثنائي في قصة الكفاح الطويلة ضد الاستعمار والوصية، وللأسف نحتفل به اللحظة وقلوبنا شتى، وقد اهترأت وذابت كثيراً من القيم والوطنية وأصبحت عرضة للسطو السياسي والفرز الاجتماعي، وبدأت عملية تشويه لتاريخ اليمن الواحد، وفصل مكوناته السياسية والاجتماعية التي التحمت في مختلف المراحل وعلى مدى عقود طويلة عن بعضها البعض والالتفات إلى المشاريع الصغيرة وذات الطابع المناطقي والبغيض، لم يكن الثلاثون من نوفمبر يوماً للجنوب فقط إنه يوم يمني وعربي بامتياز، وجاء ضمن حالة تحررية عربية كانت اليمن فيه نقطة انطلاق ووثب نحو المستقبل، وبالتالي فقد تشبع هذا اليوم بقيم وحدوية أصيلة، ومحاولة إعادتها إلى المشروع السياسي الضيق هو التفاف على حقائق التاريخ وواقعية الجغرافيا التي لن تتغلب عليها بكل تشققاتها السياسية والاجتماعية. ولا يعني هذا الحديث إسقاط شرعية المظالم التي تعرض لها اليمنيون في كل مكان والتشظي ليس حلاً عقلانياً لهذه المظالم، وإنما وضعها في سياقها الدستوري والقانوني والعقابي الرادع الذي يؤصل للعدل والمواطنة المتساوية وسيادة القانون. وعلينا أن نستدعي ملحمة المجد التي خطها اليمنيون بدمائهم، والاستدعاء لن يتوج إلا بالمحبة بين كل أبناء الوطن الواحد.