أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر الماضي قرارا بأغلبية الثلثين يقضى بالاعتراف بفلسطين كدولة في نفس اليوم من عام 1947 الذي أصدرت فيه الجمعية العامة نفسها بأغلبية الثلثين أيضا (33 دولة مع اعتراض الدول العربية جميعا آنذاك) قرارا بتقسيم فلسطين إلى دولتين: يهودية وعربية، وتركت المساحة المخصصة لدولة فلسطين دون أن تعلن عليها الدولة على أساس أن هذا القرار ظالم وأنه حول اللاجئين اليهود في فلسطين إلى ملاك وأنه ظرف مؤقت لا يلبث أن ينتهى وتعلن الدولة الفلسطينية على كل فلسطين. زحف الواقع المرير على مساحة الحلم الذي تراجع بمضي الوقت، وحاول الرئيس الراحل ياسر عرفات أن يستنقذه بالمقاومة المسلحة ثم باستخلاص قرار من نفس الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد هيمنة المستعمرات السابقة عليها عام 1975 التي اعترفت بأن الشعب الفلسطيني شعب له حقوق سياسية وأهمها حقه في إقامة دولته المستقلة وفي تقرير مصيره وفي التخلص من الاحتلال الإسرائيلي بالمقاومة المسلحة وحق منظمة التحرير في أن تكون الممثل الشرعي والوحيد لهذا الشعب. ومن الواضح أن قرار الجمعية العامة في ذلك الوقت بني على فرضية أساسية وهي البناء على قرار التقسيم الصادر من نفس الجمعية عام 1947 وهو أن الجزء المخصص للدولة الفلسطينية أراض محتلة وأن الاحتلال هو الذي يمنع قيام الدولة الفلسطينية. وفي عام 1988 حاول عرفات أن يستنقذ الحلم مرة أخرى بإعلان الدولة الفلسطينية وهو أول اعتراف بقرار التقسيم من جانب الفلسطينيين على أساس حل الدولتين الذي نادى به قرار التقسيم ثم حاول استنقاذه مرة أخرى عام 1989 عندما انتقلت إليه الجمعية العامة نفسها من نيويورك إلى جنيف بسبب عدم منح واشنطن تأشيرة دخول لعرفات لحضور اجتماعاتها ولكن الجمعية التي اعترفت حين ذاك بدولة فلسطين لم يتم استثمار القرار ولكن ترتب عليه اعتراف 120 دولة بفلسطين ونشأ بسببها الجهاز الدبلوماسي الفلسطيني وهي السابقة الأولى في التاريخ الذي يكون لدولة تنشأ تحت الاحتلال ويكون لها تمثيل دبلوماسي، فالتمثيل الدبلوماسي من سمات الشخصية القانونية للدولة. وسعت إسرائيل لطمس الهوية الفلسطينية بعد «أوسلو» وتمديد المشروع الصهيوني. ولذلك، فإن قيمة الاعتراف الثاني بدولة فلسطين يعني الكثير وهو تمسك المجتمع الدولي بحل الدولتين رغم ما فيه أيضا من ظلم لصاحب الحق.