كلهم يدركون أن البحر غدار، وأن البحر يلتهم عوامه، وأن الأمواج لا تفرق بين كبير وصغير، بين سباح هاوٍ وآخر محترف، ومع ذلك يلقون بأنفسهم إلى التهلكة والضياع. مشهد الأسر التي تتجمع حول الشواطئ وتترك صغارا نهبا للأمواج العاتية، مشهد يبعث على القلق، إحساس يعتري المراقب والمشاهد أن هؤلاء لا يكترثون بالمخاطر وحالات الغرق التي تشهدها السواحل والشاطئ بين فترة وأخرى. لا تكاد تنتهي معظم رحلات الأسر القريبة من الشواطئ أو داخل الاستراحات والشاليهات المزودة بالمسابح، إلا بفقد أحد أفرادها في ظل ضعف التوعية وقلة التزام الأفراد بالإرشادات المنتشرة في لوحات واضحة على الشاطئ.. الغرق يتم إما بدافع الفضول أو نتيجة حب المغامرة التي عادة ما تكون نتائجها وبالا يتمخض عنه حزن تقام على إثره سرادق العزاء. «عكاظ» رصدت آراء عدد من المتنزهين ومرتادي الشواطئ الذين طالبوا بضرورة وجود منقذين متطوعين إلى جانب الفرقة التابعة للجهات ذات العلاقة، خاصة في مواسم الإجازات الموسمية وعطل نهاية الأسبوع للحد من حالات الغرق، فلربما يهب متطوع لإنقاذ غرقى لا يعرف ذووهم أسس الإسعاف والتدخل والإنقاذ فتتسع رقعة المأساة ويطال الموت أكثر من نفس. خالد عمر يقول «رغم كثرة اللوحات الإرشادية على امتداد ساحل جدة، إلا أننا نسمع عن كثير من حوادث الغرق، وفي اعتقادي أن السبب الرئيس للحوادث عدم وعي الأهالي، وروح المغامرة عند بعض الشباب ومن خلال المعطيات المتوافرة يجب تكثيف الحملات التوعوية التي تستهدف كل فئات المجتمع، فالمدرسة مسؤولة والبيت ووسائل الإعلام ومجالس الأحياء جميعها جهات منوط بها شأن التثقيف». ويوافقه الرأي فيصل عبدالرحمن الذي يقول «لم تعد حوادث الغرق مقتصرة على الشواطئ البحرية، بل امتدت لتشمل المسابح المغلقة ومواقع تجمع الأمطار والسيول التي لا يكاد موسم مطر يمر دون أن تكون له ضحايا المغامرات أو الجهل بخطورة مثل تلك المواقع». وأشار إلى أن الحل الأمثل لمواجهة هذه المخاطر رفع سقف الوعي لدى الأسر ومرتادي أماكن السباحة، لأن التقليد ومحاكاة الغير دون ضوابط عوامل تقف وراء تكرر فجائع الغرق. غواص في كل شاليه سهى محمد ألقت باللائمة على الأسرة، إذ تؤكد أن غياب الرقابة الأسرية والرضوخ لرغبات الأبناء والأطفال في بعض الأمور؛ ومنها السباحة، بعيدا عن المعرفة الكاملة بأسس الرياضة ومهاراتها، إضافة لطرق التعامل مع الأخطار المحتملة يعرضهم للغرق، وأضافت أن المآسي تتكرر في مسابح الشاليهات في الوقت الذي ينشغل فيه أفراد الأسرة باللهو وترك مسؤولية رعاية الأبناء بالكامل للخادمات. وحثت سهى بضرورة إلزام ملاك الشاليهات والمسابح المغلقة بتعيين سباحين مدربين ومراقبين لمواجهة حالات الطوارئ، والتدخل لمواجهة الأخطار المحتملة. ولفت سامي حسن «الحاصل على شهادة في الغوص إلى أهمية الاستعانة بالغواصين المتطوعين على امتداد الشواطئ وبإلحاقهم بمراكز الإسعاف التابعة لهيئة الهلال الأحمر السعودي لمواجهة حوادث الغرق والتركيز أيضا على تأهيل غواصين ومنقذين في الشاليهات وأن يكون وجودهم إلزاميا على أصحاب تلك المواقع للحد من كوارث الموت غرقا. زاد الغواص سامي حسن أن الاختيار المناسب لمكان السباحة عامل مهم لتفادي حوادث الموت غرقا، إذ إن قدرة الغريق على المقاومة تحت الماء لا تتعدى الثواني وإذا زاد عن ذلك فيبلغ دقيقتين، كما أن الكثير من الحوادث يعود سببها إلى السباحة في الأماكن ذات التيارات البحرية والأمواج العاتية ما ينتج عنه عدم القدرة على مجاراة المياه وفقدان السيطرة على الحركة. ولأصحاب الدباب .. رأي علي سرور أحد مستخدمي الدبابات البحرية، يقول «هناك أسباب أخرى للغرق؛ منها محاولة بعض الشباب السباحة رغم جهلهم بمهارات السباحة لرفع الحرج عن أنفسهم أمام زملائهم، حيث ألحظ مغامرة بعض ممن تدفعهم روح التحدي لخوض غمار المخاطر، متحدين بذلك غدر البحر وغير مدركين لخطورة مثل تلك الأمور التي لا مكان فيها لأنصاف الحلول». وأبان راشد الأكلبي أن أسباب الغرق تتحملها كل الأطرف، ومن أهم المشكلات تهاون البعض بمفهوم السلامة العامة أثناء السباحة، إضافة إلى خطورة الإنقاذ العشوائي الذي يؤدي أحيانا إلى غرق أكثر من شخص في نفس الوقت. وأضاف أن مشكلة الكثير من الأسر وهواة السباحة تكمن في عدم التقيد بالإشارات التحذيرية التي تحظر السباحة في أماكن التجمعات المائية وعدم الالتزام من ممارسي رياضة السباحه مثل الابتعاد عن تناول المهدئات والأدوية التي تؤدي إلى النعاس وممارسة السباحة بشكل عشوائي أو بطريقة غير منظمة، الأمر الذي قد يؤدي إلى الإصابة بتشنج عضلي أو جلطة مفاجئة قد تجعل الشخص غير قادر على الحركة وبالتالي وقوع حوادث الغرق. نساء ورجال .. غرقى في المقابل، أوضح الناطق الإعلامي في قيادة حرس الحدود في منطقة مكةالمكرمة العقيد بحري صالح محمد الشهري أنه تم إنقاذ 167 شخصا من الغرق في الفترة السابقة، إذ تمكنت الفرق التابعة لسلاح الحدود من انتشالهم أحياء من البحر فيما بلغ عدد الغرقى 45 شخصا ما بين رجال ونساء وأطفال وشباب. وحول الجهود التي يبذلها حرس الحدود في مواجهة حوادث الغرق على الشواطئ، قال العقيد الشهري نعمل على اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير اللازمة للحد من الحوادث البحرية عبر تكثيف الدوريات وأفراد البحث والإنقاذ في المواقع المخصصة للنزهة والسباحة والصيد مع التركيز على المواقع التي شهدت حالات غرق في الأعوام السابقة. ولفت الناطق الإعلامي في قيادة حرس الحدود إلى تحديث خطط عمليات البحث والإنقاذ مع استمرار برنامج السلامة البحرية لتوعية المواطنين ومرتادي البحر بكافة الوسائل المتاحة. خطورة السباحة بالعباءة ويقترح العقيد بحري الشهري أهمية وجود المسابح العامة المعتمدة للمواطنين مع توفر وسائل السلامة والمنقذين لمواجهة خطر السباحة في الشواطئ المحظورة. وأكد توجه حرس الحدود إلى تنفيذ الحملات التوعوية في مدارس البنين والبنات عبر توزيع مليون مطبوعة في سياق حملات (السلامة البحرية). وكان مصدر في حرس الحدود كشف في وقت سابق أن 70 في المئة من حوادث الغرق للنساء تحدث ليلا إذ يتعرض بعضهن للاصطدام بالأحجار لعدم وضوح الرؤية أو قد تتعرض للعض من الحيوانات البحرية أو للدوار والإغماء، إضافة إلى أن غالبية من يمارسن السباحة يرتدين العباءة والغطاء وهي ملابس تعيق عملية السباحة وتعرضهن للاختناق ومن ثم عدم القدرة على طلب النجدة.