أعادنا اتفاق الهدنة الممتدة في غزة لأجواء الشرق الأوسط القديمة قبل حوالي نصف قرن، بدا لوهلة وكأن الراغبين في توليد شرق أوسط جديد أو كبير اكتفوا بمحاولة إعادة إنتاج الشرق القديم، توليد إمارة بغزة ترتبط بمصر وإبقاء شبه الدولة فيما تبقى من الضفة ليربط بالأردن، تماما كما كان الحال قبل حرب العام 67م. وولادة هذا الاتفاق المشبوه تشبه ولادة اتفاق كامب ديفيد المشهور، كلاهما حدث بعد نصر تم اجهاضه عمدا، وكلاهما لا تتناسب التزاماته مع النتائج الميدانية المتحققة، وكلاهما أراد تكريس دور مصري سلبي في التعاطي مع قضية فلسطين وكلاهما أدى إلي تمزق وتشرذم المقاومة الفلسطينية. قبل الحديث عن الاتفاق المثير للجدل، حرب غزة نفسها أثارت تساؤلات عدة، هل كانت مجرد تمرين عسكري إسرائيلي، حسب صحيفة النيويورك تايمز، لحرب قادمة مع إيران للتعرف على قدرات المقاومة الجديدة في غزة لتحييدها وما اغتيال الجعبري إلا تحرش إسرائيلي لتبرير العملية، أم أن الحرب هدفت أبعد من ذلك حسب مصادر أخرى، تقوية الجانب السني ضد الشيعي في الصراع الذي تريد أمريكا و(إسرائيل) فرضه على المنطقة؟ على الجانب الآخر هل فعلا أرادت حماس فتح المعابر التي لم يغلقها إلا طلبات أعلى سابقة لحماس، هل تستطيع حماس برغم خروجها منتصرة، حسب الواشنطن بوست، أن تسيطر على بقية الفصائل في غزة حلفاؤها وشركاؤها في النصر والصمود. آخرا وليس أخيرا هل صحيح أن مصر وافقت على تركيب مجسات إلكترونية، حسب موقع ديبكا اليهودي، أو على نشر قوات أمريكية جديدة في سيناء، حسب هاآرتس الإسرائيلية، لمنع تهريب السلاح إلى غزة؟ السؤال الممض، كيف تقبل حماس المنتصرة باتفاق الجميع بما فيهم عتاة الصهيونية، بمقايضة نصر عظيم كهذا بمطالب أقل بعد امتلاكها لصواريخ فرضت توازن الرعب مع أعدائها، كيف تقبل القيام بدور الحارس على حدود (إسرائيل) بما يستتبعه ذلك من تنسيق أمني معها لمطاردة المخالفين وهو الدور الذي كانت تعيبه على سلطة رام الله، هل ستغير شعارها من صراع وجود إلى صراع حدود وتغير عقيدتها بعدم التفاوض مع (إسرائيل) وكيف ستتصرف مع حلفائها الذين ناصروها ومازالوا يرفضون التفاوض، هل ستقبل حماس بجيب غزة تقيم عليه دولتها وترفع عليه علمها، ثم هل يقتضي تغيير جلد حماس اختفاء محمود الزهار وعدم ظهور إسماعيل هنية ثم الظهور الفجائي المكثف لخالد مشعل الذي كان غائبا عن المشهد، وما تأثير كل هذا على الانقسام الفلسطيني الحاصل، السؤال الأمض، هل أجبرت حماس على كل هذا نتيجة لهذا الانقسام ولتخلي العرب، كل العرب عنها وما وقوفهم «الإعلامي» الأخير مع غزة إلا عمل كومبارس في مسرحية غزو غزة؟ ليس هذا تشاؤما من سلبيات اتفاق هدنة هش ولا تقليلا من قدرة مقاومة سترتفع مجددا وفلسطين ولادة، لكنه تحذير مما سيؤول إليه الوضع إن لم نقم نحن بما علينا فعله لحماية غزة وإعادة تبني القضية الفلسطينية على أساسيات جديدة تتفاعل مع المعطيات الجديدة التي أثبتت للجميع أن فلسطين هي محور السيطرة على المنطقة في العقد القادم، تماما كما كانت قبل نصف قرن، بعد الاكتشافات الكبيرة لحقول النفط والغاز قبالة سواحلها، لم تعد القضية تمكين الإسرائيليين من وطن قومي بل تمكينهم من السيطرة تحت عنوان جديد قديم «التحكم في مقدرات المنطقة». تحذير من حرب أهلية في غزة بين الخانعين الجدد والرافضين الجدد، وستنقل هذه الحرب إلى الضفة بتشجيع من عدوهما المشترك، مما سيقود إلى تدخل أطراف عربية وغير عربية، وستكبر كرة الثلج هذه لتمكين الفوضى الخلاقة، وإن بصيغة أخرى، من إعادة صياغة المنطقة، وكل هذا استثمارا لعدم توحد الموقف العربي حول الفلسطينيين وتكريسا للبدء في تطبيق المشروع الصهيو أمريكي للسيطرة على كامل المنطقة سياسيا واقتصاديا وفكريا وهو الأهم. [email protected]