حين تغيب الرحمة، تبدأ الإنسانية بالذوبان شيئا فشيئا حتى تختفي. وحين ينطفئ سراج العقل فإن الغرائز تسرح وتمرح دون ضوابط حتى تجهِز على صاحبها. وحين يغيب التروي فإن مسيرة حياتنا في خطر!. أشعر أحيانا بأن مسيرة الحياة قائمة على عملية حسابية لا يمكن حلها، وأحيانا أخرى أشعر بأنها معادلة كيميائية ثابتة العناصر ومعروفة النتائج، لكن وفي كلا الحالتين يقع علينا عبء المسؤولية الناتجة عن صحة اختيارنا أو خطئه. وعلى الرغم من معرفتنا لهذه الحقيقة إلا أن الكثير منا ما زالت خياراته في الحياة عشوائية إلى حد كبير، وتفتقر إلى لحظات التفكير والتحليل والتأمل، مع أننا متعطشون للنجاح الذي هو بحاجة دائمة للكفاح! لكن أليس التروي في اتخاذ قراراتنا وجها من أوجه الكفاح ؟ خاصة وأننا كبشر مفطورون على العجلة، إليكم ما أعنيه في هذه القصة. «سامي» و«سميرة» توأمان جميلان، تتطابق ملامحهما أكثر من طباعهما. فإن تحدثنا عن التأني وضبط النفس يكون سامي أنسب مثال، وإن ذكرنا التهور والطيش تكون سميرة أنموذجا حيا يجسده. كان لسميرة صديقة عزيزة أمضت معها الكثير من سنوات الدراسة، وحين بلغت الصديقة عقدها الثالث تزوجت وانشغلت في بناء حياة جديدة. وعلى الرغم من أن سميرة تصغرها بثلاث سنوات إلا أن ذلك الفراغ الذي تركته الصديقة وتلك السعادة التي تحفها في عش الزوجية دفع بسميرة لقبول آخر من طرق باب المنزل طلبا للزواج بها دون إمعان أو تفكير منطقي أو دراسة لجميع الجوانب. لكن سامي لم يقبل بقرار أخته الوحيدة المتهور، خاصة وأن ما وصل إلى مسامعه عن ذلك الطارق كان دون المأمول، إلا أنها أصرت بعد أن أغمضت عين العقل وأنصتت لصوت العاطفة المضطرب. بعد ست سنوات احتفل سامي بمولوده الثاني مع عائلته الصغيرة وأنهى الماجستير ويستعد للسفر لتحضير الدكتوراه بحضور سميرة التي بدأت بعد انفصالها في استعادة شيء من كرامتها التي أهدرها زواج دام ثلاث سنوات، لم تذق فيه طعم السعادة. أختم مقالي بكلمات الدكتور مصطفى محمود التي قال فيها: «ثمار المحبة تستحق كفاح العمر». [email protected]