سطا سجين هارب على بنك في عاصمة السويد (ستكهولم) في العام 1973 واحتجز أربعة من موظفي البنك كرهائن لمدة ستة أيام، وخلال تلك الفترة ارتبط الرهائن عاطفيا مع الجاني، بل إنهم قاموا بالدفاع عنه بعد إطلاق سراحهم. وأصبحت هذه الحالة تعرف فيما بعد ب (متلازمة ستوكهولم أو هلسنكي) وهي ظاهرة نفسية أو عارض نفسي يصيب شخصا (أو جماعة) بحيث يتعاطف مع عدوه أو مع من أساء إليه بأي شكل من أشكال الإساءة، بل قد يظهر له الولاء والانجذاب ويقتنع بنظرة الخاطف أو المؤذي للأمور بالرغم من كل التعذيب والتنكيل أو الاضطهاد أو الأذى الجسدي أو النفسي أو الممتلكات. ولاشك أن المسؤول الفاسد يؤذي الموظفين والمراجعين والعملاء بجانب إيذاء المجتمع ككل، حيث يبدد هذا المفسد موارد المجتمع ويؤذي أفراده، فإذا استغل أحدهم الوظيفة العامة أو الخاصة أو شارك في إحدى ممارسات الفساد مثل العمولات، الرشاوى، والاختلاس، والتبذير في الإنفاق العام، وتزوير أو تضخيم فواتير المشروعات العامة، ومنح الصفقات خارج محددات المنافسة، أو استغلال الأموال العامة، والتهرب الضريبي أو الجمركي، تهريب الأموال، وتزوير الفواتير، الغش، إفشاء أسرار العقود والصفقات، الوساطة والمحسوبية في التوظيف، فإن الأذى يصيب كافة أفراد المجتمع مستهلكين ومستثمرين نتيجة انعكاسات الآثار السلبية للفساد على حجم الفقر، وتكاليف الإنتاج، ومستوى الأسعار، وجدوى الاستثمارات، والانتفاع من الإنفاق الحكومي، وتوزيع الدخل، ونوعية الخدمات، وحجم البطالة، وتتسع الفجوة بين الرواتب أو الأجور والإنتاجية ما يؤدي إلى مضاعفات أخرى تصيب السلوك الاجتماعي والمهني لدى عدد أكبر من الأفراد. وعادة ما تتطلب ممارسات الفساد مساعدة أودعم أفراد آخرين ولو بالتكتم والستر، ما يضاعف من حجم الأذى ليصل إلى عدد أكبر من الأفراد والمؤسسات حتى لو لم يشاركوا في صناعة الفساد، وبالتالي تترسخ القناعات بأنه لا يمكن أن تسير الأمور بدون قدر من الفساد باعتباره واقعا لابد من قبوله في عصرنا الحالي ولايمكن القضاء عليه، وسيادة حالة ذهنية لدى الأفراد والجماعات تبرر الفساد وتجد له من الذرائع ما يبرر استمراره. ويتخذ ضحايا الفساد موقفا سلبيا بشكل لا إرادي فيخلق حالة من الاطمئنان عند الجناه ويوهمون أنفسهم أنهم لن يمنعوهم أو يتسببوا في إيذائهم حتى تترسخ هذه المشاعر لصالح الجناه المفسدين. وفي النهاية يستسلم عدد أكبر من ضحايا الفساد بالتأقلم مع أضرار الفساد بل قد لايرون أحيانا المزايا السيئة للفساد، وقد يتجه البعض إلى تقليد الفاسد ولو في جزء. ولهذا فإن الانعتاق من هذه المتلازمة يتطلب التعامل الفردي والمجتمعي والمؤسسي معها بحزم، وتقوية أنظمة المساءلة والشفافية داخل المنظمات والمجتمع وإظهار عقوبة الإفساد، وإعادة صياغة معاني السلوك الأخلاقي ومفاهيم الشر والخير من جديد، وقبول كل الخيارات للتعامل مع المفسدين دون قلق أو خوف.