في صباح يوم الخميس السادس عشر من شهر ذي الحجة لعام 1433ه رحل الشيخ أحمد يوسف زينل علي رضا يرحمه الله عن دنيانا، وبرحيله فقدت جدة رمزا أشرق على جنبات جدة، ورمزا من رموز التعليم والاقتصاد والخير في المملكة وداعما كبيرا للتعليم، من خلال إشرافه على مدارس الفلاح لأكثر من نصف قرن وتأسيسه مدارس دار الفكر وجامعة الملك عبدالعزيز الأهلية. توفي الشيخ أحمد يوسف زينل وبقيت أعماله تتحدث عنه. وهنا مجموعة من الشخصيات التي رافقته وعاصرته وشهدت مآثره يعددون صفات هذا الراحل المقيم: يتذكر هشام ناظر وزير البترول والثروة المعدنية ووزير التخطيط الأسبق علاقته بالراحل المقيم قائلا: «عرفت الشيخ أحمد زينل عن قرب وعاشرته، كنت أراه في المجالس العامة رجلا نحيل الجسم هادئ المظهر ويتكلم بهدوء مثلا مع الملك أو مع وزير أو مسؤول كبير وعندما تسأله فيما بعد عما كان يقوله للملك دائما كان عنده مشكلة عامة للناس يحاول أن يشرحها للملك فكان الرجل واسطة خير متحركة يخدم الناس بشكل ظاهر وبشكل مستتر، هذه واحدة، والثانية أنه في أي محفل عام سواء كان استقبال في مطار أو فرح في بيت من بيوت جدة أو في عزاء في بيت من البيوت ترى أول شخصية تذهب لتفرح مع الناس في أفراحها وتواسي الناس في أحزانها». وأضاف: «كان للرجل مركز خاص في قلوب الناس ليس فقط في مدينة جدة، فقد رأيته يقوم بهذا المسلك حتى في مدن أخرى من مدن المملكة وهو يؤدي مثل تلك الواجبات ثم كان يتولى الكثير من أعمال الخير. إن معظم أدباء المملكة والمسؤولين في كثير من المؤسسات الحكومية كانوا من خريجي مدارس الفلاح واستمر الوضع كما وصفته لفترة طويلة إلى أن بدأت الحكومة في افتتاح المدارس ومدارس تحضير البعثات حيث بدأ الخريجون من تلك المدارس يتنافسون مع خريجي مدارس الفلاح، ولكن مدرسة الفلاح لها فضل كبير على كثير من مواطني المملكة العربية السعودية وأنا واحد منهم». امتداد لشجرة وارفة الظلال ويتذكر الدكتور عبدالله نصيف: «كنت في إجازة في الهند وتعرفت على الشيخ محمد علي زينل وأنا طفل صغير لم أتجاوز العاشرة، وقد كان رجلا محبا للآخرين كريم الأخلاق كريم اليد، وعندما هممت بالسفر خرج بنفسه ليودعني ومنحني هدايا طلب مني اصطحابها معي، ومن هنا ارتبط بذهني كرم أخلاق هذه العائلة، وفعلا فإن الشيخ أحمد يوسف كان امتدادا لعمه محمد علي. والشيخ يوسف زينل كان ملازما لجدي فكنت أسمع منه كلاما رائعا عنهم، فهم عائلة محترمة جدا، أخلاق فاضلة وقرب من الناس وتواضع، حتى إنني قبل عام قابلت أحفادهم، ووجدت فيهم نفس سمات أسلافهم وصرحت لهم بأنكم ورثتم الطيبة أبا عن جد، وأفتخر بهذه الأجيال في مثل هذا الزمن. باختصار عائلة زينل ورضا يمكن وصفها بأنها امتداد لشجرة وارفة الظلال من نبل المشاعر وكرم الأخلاق وحب الناس وحب عمل الخير ومساعدة المحتاجين فضلا عن تمتعهم بفكر علمي واقتصادي. والشيخ أحمد يوسف كان رجلا وقورا شهما متواضعا يحظى بمكانة كبيرة بين الناس يحبه من يجلس معه من أول وهلة، فما بالك بمشاريع الخير التي يعملها فلم يكن يكتفي بمساعدة الآخرين فورا بل يتابع وصول المساعدات لهم ويطمئن على حالهم، لذلك فقد حظي بتقدير من حكومتنا الرشيدة التي رأت فيه وفي هذه العائلة الكريمة ما يشجعها على الاعتماد عليها. ومما يحسب للشيخ أحمد أنه كان يجالس الملوك والأمراء، يأنسون به ويأنس بهم ويمنحوه الأولوية لمعرفتهم بأن ثقتهم في محلها. إذن لا بد من نقل الصورة الرائعة لهذا الرجل لجيل اليوم والغد، فمن الخير أن يخلد ذكر من سعى لبناء دولة وتأسيس مجتمع متعلم وبذلك المال والجهد لمساعدة الآخرين وكم نحن بحاجة لأمثال الشيخ أحمد ووالده وعمه وبقية أفراد العائلة الكريمة». سمعته العطرة ويروي الدكتور شهاب جمجوم: «تربط عائلة جمجوم بعائلة زينل علاقة قديمة جدا منذ أكثر من مائة عام، حيث إنهم من العوائل الكبيرة في مدينة جدة وهناك علاقة مصاهرة وعمل ونشاطات اجتماعية عديدة تربط ين العائلتين، بداية من اهتمامهم بالتعليم فقد شعروا بأهمية التعليم مما دفعهم ليكونوا من المؤسسين لأول مدرسة أهلية وهي مدارس الفلاح التي تناوب العديد على إدارتها منذ بداية تأسيسها إلى أن تولى رئاستها الشيخ أحمد يوسف زينل في عام 1956. ورغم أن فارق السن بيني وبين الشيخ أحمد جعل معرفتي المباشرة به محدودة في المناسبات العائلية والاجتماعية إلا أن سمعته العطرة دائما ما تتصدر أحاديثنا في كل مكان سواء على الصعيد الإداري التجاري أو على الصعيد الاجتماعي، ومن خلال حوارات وحكايات الوالد والأعمام في الماضي وكبار السن كانت ذكراه العطرة كلما ذكرت سيرته تشد الانتباه، وعلاقتنا مع أفراد عائلة زينل الأوائل وبالذات الشيخ الفاضل أحمد زينل الذي نحظى بالالتقاء به دوما في المناسبات الاجتماعية هو وأبناؤه محمد وعبدالله وخالد وهشام ويوسف ومما يزيد من احترامي للشيخ أحمد يوسف زينل بالإضافة لسمعته الطيبة هو حسن تربيته لأبنائه فجميعهم يتميزون بدماثة الخلق وحسن التربية وتربطني بهم علاقات قوية ويشهد لهم كل من عرفهم أو التقى بهم بالشخصية المتميزة والخلق الطيب والتواضع وبساطتهم ومساهماتهم المستمرة اجتماعيا في كل ما يفيد المجتمع، وهذه الصفات لا تأتي من فراغ وإنما هي نتاج حرص الوالد أحمد يوسف زينل على هذا المستوى العالي من التربية لأبنائه، وقد عايشنا مرحلة تأسيسة لمدارس دار الفكر واستمرار اهتمامه وأبنائه بالتعليم العالي للبنات متمثلا في تأسيسهم لكلية دار الحكمة للبنات. ومما لا شك فيه أن الشيخ الفاضل أحمد يوسف زينل مشهود له ولأبنائه بمساهماتهم في خدمة المجتمع وأفراده من خلال اهتمامهم بالنشاط التعليمي وتحسينه وإعلاء مستواه، وأيضا من خلال نجاحاتهم في النشاط التجاري المتميز، فعائلة زينل من العوائل التي لها بصماتها في النجاح التجاري وتوسع قطاع التجارة». الوجاهة بكل معانيها ويصف الشيخ عبدالرحمن عبدالقادر فقيه الشيخ أحمد يوسف زينل بأنه يعد من أبرز الشخصيات المرموقة وهو من أسرة تجارية عريقة، اشتهرت بحب الخير وبذل المعروف إلى جانب مركزها المالي والتجاري البارز، وهو رجل يمثل الوجاهة بكل معانيها والأخلاق الفاضلة التي هي مضرب المثل عند كل معارفه وأصدقائه وعارفي فضله. وأضاف: «تشرفت بمعرفته من خلال الزيارات التي جمعتنا به في مجالس الملك فهد (رحمه الله) ومن قبلها مجالس الملك فيصل والملك خالد (رحمهما الله) وكان في مقدمة الوافدين بالتشرف بالسلام على ملوكنا الكرام الذين يستقبلون محبيهم من الشعب بغاية الاحترام والتقدير. وكان الشيخ أحمد بوجاهته المعروفة يتصدر هذه المجالس بجوار أولياء الأمور الذين يحتفظون له بالمكان والمكانة التي يستحقها، ويعرف الجميع أنه جدير بهذه الصدارة والمكانة، وكنت في أثناء الدخول والخروج من تلك المجالس أسلم على الشيخ أحمد الذي كان يبادلني السلام والتحية بأحسن منها. وقد ربطتني به علاقة ود ومحبة ازدادت مع الأيام تجذرا ورسوخا، وكما تشرفت بزيارته في منزله العامر مع مجموعة من أهالي مكةالمكرمة، وقد وجدنا من حفاوته وكرم وفادته وطيب معشره وحديثه ما عزز في نفوسنا مشاعر المحبة والارتياح لشخصه الكريم الذي لمسنا جميعا مدى حبه للخير والمعروف ومساعدة الآخرين، وهو ما ترك أطيب الأثر عن هذه الشخصية الفذة التي يرتاح الإنسان إلى الجلوس إليها والتواصل معها على الدوام. كما تكرم وشرفني بالزيارة في مكةالمكرمة، وعلى الرغم من المدة القصيرة والساعات المعدودة التي أمضيتها في مجلسه، فقد غمرني بسعادة عميقة، شعرت معها بأن صداقتي لهذا الرجل النبيل تعود لسنوات طويلة ممتدة. وعائلة آل زينل من أعرق الأسر في التجارة ومن أقدمها في تطلعاتها لحب الخير وعمله وخدمة الدين والوطن، وقد بدأ عميدها الكبير الشيخ عبدالله يوسف زينل في تأسيس مدارس الفلاح التي كانت وما زالت منارة علم وقبس ضياء ومشعل نور تخرج منها صفوة المعلمين والمتعلمين الذين تسنموا أرقى المراكز والمراتب في البلاد». رمز كبير وعميد عائلته ويتذكر الشيخ علي باسمح أول لقاء له مع الشيخ أحمد يوسف زينل في عام 1973م (قبل 39 عاما): «طلبت الاجتماع به في مكتبه ورحب من دون أن يسأل ماذا لديك وما هو الموضوع الذي تريد مقابلتي من أجله، وكنت في ذلك الوقت شابا صغيرا في السن وكان ترحيبه في مقابلتي له أعطى لدي انطباعا جيدا عن تواضع هذا الرجل الذي كانت له مكانة وتقدير من رجال الأعمال والوجهاء خصوصا في مدينة جدة. ذهبت إليه في المكتب حسب الموعد المحدد نظر إلي من فوق تحت، وكأنه يقول: ماذا يريد مني هذا الشاب وبدأ يخفف عليّ الموقف فبدأ يسألنني: كيف حالك ؟ وكيف حل أخوك كان لديه معرفة بأخي الكبير (رحمه الله) وكان لا يعلم بأني سوف أذهب إلى العم أحمد زينل المهم دخلت في صلب الموضوع وكان يوجد خلاف يخص أحد أفراد عائلة زينل وكانت له علاقة مع إحدى الشركات في ذلك الوقت ويبدو أن العلاقة انتهت بين هذه الشركة والشخص الآخر وبقيت لديه بعض الالتزامات المادية للشركة فشرحت الموضوع للعم أحمد زينل وقلت له: الشركة لم تجد حلا مع الشيخ فلان فأنا اقترحت بأنه لا يوجد أحد يحل هذه الموضوع سوى الشيخ أحمد يوسف زينل أذهب إليه مباشرة وسوف نجد الحل عنده. وفعلا وبلا تردد قال اعتبر الموضوع منتهي ولا تذهب لأي شخص آخر وأنهى الموضوع. وهذا يريك قيمة الرجال لأن الرجال مواقف وأفعال، والله ليس لي أية صلة بالموضوع وهذا يدل على أنه فعلا كبير وعميد عائلته (زينل) وأستطيع أن أقول أنه يعتبر مرجعا لأكثر عوائل جدة في حل جميع مشاكلها واختلافاتها وهذا يدل على أن الرجل ليس بسيطا فهو له مكانة واحترام عند الكل، وأما من الناحية التربوية فهو يعتبر بدعمه واهتمامه بمدارس الفلاح فهو علم وربى أجيالا هم الآن في مناصب مرموقة سواء في الدولة أو من كبار رجال الأعمال ويعتبر ذلك تاريخا لا ينسى على مدى الزمان». هالة من الوقار ويرسم خلف عاشور صورة مهيبة للشيخ أحمد زينل (رحمه الله) لدى دخوله أحد الاجتماعات الكبرى بهدوء تسبقه أو تحف به هالة من الوقار تتمثل في خطواته المتئدة ومن يتبعه من أفراد الأسرة العريقة الكبيرة في جدة: «حينما يطل على الحضور بقامته يمشي على مهل ويتصدر القاعة أو المجلس بجوار الأمير أو رئيس الحفل، مكان الجلوس شبه مخصص له، ليس ذلك بالغريب فكبير هذه الأسرة منذ حياة المؤسس كان يلقى هذا التكريم». ويتذكر عاشور أنه دعي ذات مرة لتناول طعام الغذاء بمنزل الفقيد في أبحر وكان الداعي صديقه الوالد محمد نور ومن الحاضرين الشاعر الرقيق توفيق قائلا: «رأيته في داره بأبحر وكأنه أحد الرياضيين الكبار يلبس (بنطلونا طويلا) ويكسو الصدر قميص من هذه القمصان التي تلتصق بأجسام الرياضيين، أدركت عند زيارته للشيخ محمد نور حيث كان دائما يحثه على الخروج من المنزل وقضاء بغض الوقت على شاطئ العروس يستمتع بهواء نقي ويمشي خطوات على رصيف الشاطئ ويبدو أن تكرار مثل الطلب لصديقه أبي توفيق ترك أثرا، غير أن أبا توفيق (يرحمه الله) اختار وقتا ليس بمناسب أبدا لممارسة هذا النوع من الرياضة، فمنذ أن أطل الشهر الفضيل رمضان المبارك اتصل بي تلفونيا قائلا إنه سيمر علي من أول يوم في رمضان لنذهب إلى الشاطئ نستنشق الهواء العليل عند الغروب، وما تكاد السيارة تصل للمنزل حتى يجدني واقفا منتظرا، وما تكاد السيارة تقف على باب المنزل حتى أدخل لأجلس بجواره في المقعد الخلفي، بالطبع كان ذلك منذ أربعين عاما تقريبا ومجال السير كان سهلا ليس كأيام نمر بها حاليا تحول حتما حول التمكن من الخروج من الدار والذهاب إلى البحر والسير على الرصيف غير ميسر في ظل أسوار أو شبه أسوار حجبت جمال هذا الغروب».