طافت طائرات القوات الجوية في سماء مكةالمكرمة على مدار الساعة ترصد نبض الأفئدة البيضاء التي افترشت أرض المشاعر المقدسة والتحفت سماءها التي تحولت إلى مسارات لطائرات الرقابة الاحترازية من أجل تأمين سلامة الحجاج واستطلاع الأوضاع في المشاعر المقدسة والمنطقة المركزية والمسجد الحرام، والتأكد من سلامة وانسيابية الوضع الذي يعيشه ضيوف الرحمن في البقاع المباركة في أيام معلومات. «عكاظ» تواجدت يوم أمس الأول منذ وقت مبكر في قاعدة الملك فهد الجوية بعرفات ورافقت فريقا من صقور الجو في جولة فوق مشعري مزدلفة وعرفات في آخر أيام الرمي، حيث خلت شوارعها من الحجيج بعد أن كانت أروقتها تكتظ باللون الأبيض، والحناجر ترتفع تكبيرا وتلبية، كانت عقارب الساعة تشير إلى الواحدة ظهرا والشمس في كبد السماء في يوم التعجل وهو اليوم الذي يشهد كثافة بشرية منقطعة النظير في مشعر منى. دخلنا مقر عمليات القاعدة وسط حفاوة واستقبال من العقيد طيار عبدالعزيز الزهراني، الذي رحب بالإعلاميين، وبدأ بالحديث معنا كأنما أراد أن يكسر كل ما بدواخلنا من خوف، وشرع قبل الإقلاع يلقي درسا سريعا عن إجراءات السلامة الاحترازية عبر شريط فيديو وشاشات عرض وهو باسم هادئ واثق من عمله ومن كفاءة الطيارين الذين قضوا ساعات طيران طويلة في خدمة ضيوف الرحمن. وقبل صعود الطائرة طلب مساعد الكابتن النقيب هشام الحارثي من الجميع اتباع التعليمات اللازمة لاشتراطات السلامة وهي الجلوس في المكان المخصص والمناسب وربط حزام الأمان. ومن خلال رحلتنا مع طاقم الطيارين المحلقين بنا في سماء مكةالمكرمة عرفنا أنهم اعتادوا التحليق في السماء لساعات طويلة، حتى أصبحوا أصدقاء للطائرات، وقد ترسخت فيما بينهم لغة حميمية، فأصبح الطيار يفهم هذه الآلة التي يقودها وهي أيضا كأنما باتت تفهمه وتسخر طاقتها للقائد ليتحكم بها كيفما شاء. ويقوم الطيارون في القاعدة برحلات يومية استطلاعية يرصدون من خلالها الحراك على أرض المشاعر ويتنبأون بالمخاطر المحتملة ويمررونها فورا عبر قناة تواصل إلكترونية إلى صناع القرار لاتخاذ الإجراءات اللازمة. وبعد التحليق فوق المسجد الحرام يميل العقيد طيار عبدالعزيز الزهراني بالطائرة صوب الكعبة المشرفة، مستشعرين عظمة المسؤولية والأمانة الملقاة على عاتقهم، وهو ما يجعلهم أكثر حرصا على نقل أبسط التفاصيل للجهات التي يعملون بالتنسيق معها، خاصة وأنهم يرون من الأعلى ما لا قد يراه الآخرون. كانت الجولة في سماء المشاعر مفعمة بمشاعر الفخر والاعتزاز بهذه الكفاءات الوطنية التي سخرت كل ما تملكه من قدرات لخدمة ضيوف الرحمن، وعملت طيلة الأيام الماضية دون كلل أو ملل حتى تحقق للحج نجاحا منقطع النظير. وفي ختام هذه المهمة الوطنية يحزم الطيارون حقائبهم مودعين هذه الديار الطاهرة، عائدين إلى الطائف حيث مقر عملهم، وهم يحملون في دواخلهم أجمل الذكريات عن هذه الأيام التي لا تنسى وما قدموه من خدمات جليلة لضيوف الرحمن.