في المقال السابق «الإعلان العالمي الأكبر لحقوق الإنسان»، ذكرنا أهمية أن يتذكر كل مسلم في موسم الحج من كل عام خطبة الوداع في يوم عرفة، التي ألقاها القائد والمعلم الأول محمد صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة في حجة الوداع في العام العاشر من الهجرة والتي ركز فيها عليه السلام على حرمة دماء وأموال وأعراض المسلمين وحقوق المرأة والزوج وإبطال أمور الجاهلية من ربا وثأر.. إلخ، وأن تلك الخطبة هي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وليس الذي صدر من الأممالمتحدة، ووضحنا سلبيات ذلك الإعلان الذي صنعه الإنسان وليس الذي جاء على لسان رسول الله عليه السلام. دنو الأجل أحس رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنو أجله وخاصة بعد نزول سورة «النصر»، وما جاء فيها من انتصار المسلمين وما فتح الله عليهم من المدن والأمصار ودخول الناس في الإسلام أفواجا، فأدرك عليه السلام بأنه في آخر مراحل بعثته، لذلك قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه وهو يسير بجانبه وهو يودعه وينصحه بعد أن اختاره لبعثة اليمن «إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا! ولعلك تمر بمسجدي هذا وقبري»، فبكى معاذ متألما من فراقه صلى الله عليه وسلم، ثم حل رمضان المبارك في السنة العاشرة من الهجرة فازداد نزول الوحي عليه ليتدارس القرآن مع جبريل عليه السلام استعدادا لحفظ كتاب الله من النسيان، وما إن أقبل شهر ذي القعدة حتى أعلن صلى الله عليه وسلم في أواخر الشهر عن نيته للحج، فأقبلت الوفود من كل جانب واتجهوا إلى مكةالمكرمة ملبين الله تعالى ومعهم رسول الله يعلمهم ويقودهم ويجيب على أسئلتهم ليؤدوا فريضة الحج بعد أن انحسرت الجاهلية وقضى على فلول المشركين، وعندما وصل عليه السلام مكةالمكرمة وعندما جاء اليوم التاسع من ذي الحجة «يوم عرفة» أمر عليه السلام بعض صحابته ببناء خيمة صغيرة في «نمرة» بعرفة، وبعد أن مالت الشمس نحو المغيب أمر بناقته القصواء فجهزت له فامتطاها عليه السلام واستعد لخطبة الوداع بعد أن أمر الصحابي ربيعة بن أمية بن خلف أن يردد ما سمعه حتى يسمع الناس ما يقول في خطبة الوداع. قال صلى الله عليه وسلم: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع وإن دماء الجاهلية موضوعة وأول دم أبدأ به دم عامد بن ربيعة بن الحارث (كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل)، وإن ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا وربا عمي العباس بن عبدالمطلب فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحد تكرهون، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله، ثم ختم المصطفى عليه السلام خطبته البليغة قائلا للناس: وأنتم تسألون عني فماذا أنتم قائلون؟ قالوا نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت، فقال باصبعه السبابة ينكتها (يرفعها إلى السماء) ويقلبها ثم يشير اتجاه الأرض الى الناس قائلا (اللهم اشهد، اللهم اشهد) ثلاث مرات. اعتمدت في هذه الخطبة على كتاب (السيرة النبوية كما جاء في الأحاديث الصحيحة) لمؤلفه الدكتور علي محمد الصلالي، وفي المقالة الثالثة نكمل ما قاله عليه الصلاة والسلام في مشاعر الحج والتصرفات والأعمال التي كان يحرص عليها. ( * ) عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان