تبدو جائزة نوبل في الكثير من وجوهها درة الجوائز العالمية، وقبلة أنظار العلماء والكتاب والمبدعين في أربع رياح الأرض. والجائزة التي أسسها الفرد نوبل قبل أكثر من أحد عشر عقدا من الزمن ترمز في عمقها الأخير إلى الهيمنة الثقافية الغربية على العالم، وإلى تكريس مبدأ المركزية الغربية في الفكر والثقافة كما في السياسة والاقتصاد، رغم البعد الأخلاقي للجائزة الذي تمثل برغبة العالم السويدي التكفير عما ألحقه بالجنس البشري من مخاطر وآلام. يبدو الغرب بهذا المعنى وكأنه يكافئ نفسه على ذكائه الألمعي الذي جعله يتربع على عرش العالم. وهو ما يظهر على وجه الخصوص في الشق العلمي للجائزة التي يكاد يتناوب على قطف ثمارها علماء أمريكيون وأوروبيون قبل أن تدخل أسماء روسية ويابانية ومشرقية قليلة على خط المنافسة. وربما كان الجانب الأدبي للجائزة أكثر انفتاحا على التنوع والاختلاف؛ لأن التميز الأدبي ليس مرتبطا بالضرورة بالتفوق التكنولوجي أو الهيمنة السياسية والاقتصادية، وهو ما أتاح لمبدعين كبار قادمين من ثقافة «الأطراف» أن يحصلوا على الجائزة، كما هو حال طاغور، وول سوينكا، غاو كيسنيانغ، غارسيا ماركيز، ونجيب محفوظ وعديدين غيرهم. سيظل العرب، بالمقارنة مع أمم العالم الأخرى، الأمة الأقل حظوة بنعيم نوبل ووهجها الإعلامي الاستثنائي، وإذا كان الأمر مفهوما على المستوى العلمي الذي اكتفت الأمة فيه بإنجاز المصري أحمد زويل، فإن الأمر يبدو قابلا للتساؤل والاستغراب على الصعيد الأدبي، وبخاصة على صعيد الشعر الذي لم يستطع أي شاعر عربي انتزاع جائزته حتى اليوم، فيما هو ديوان الأمة ومصدر اعتزازها منذ أقدم العصور. ليست جائزة نوبل بالطبع المعيار الوحيد والأخير للحكم على المبدعين. فقد سبق أن حرم من جنتها كتاب كبار وفائقو الشهرة من وزن كازانتزاكي اليوناني وبورخيس الأرجنتيني، على سبيل المثال لا الحصر، فيما لا يكاد يذكر أحد بعض من حصلوا عليها من الشعراء والكتاب. فمن يذكر الآن الشاعر السويسري كارل شبتلر الذي نالها عام 1919، أو الشاعر الألماني بول هايزه الذي نالها عام 1910؟ إلا أن كل ذلك لا يمنع من الاعتراف بأهمية الجائزة ودورها المعنوي في تسليط الضوء على الثقافات المتنافسة في عالم اليوم. وذلك لا يمنع أيضا من اعترافنا، حكومات ومؤسسات ثقافية، بالتقصير المفرط في تسويق صورتنا الثقافية، وفي ترجمة أعمالنا الإبداعية المتميزة إلى سائر اللغات الحية، ثم ما الذي ينقصنا بالتالي، ونحن نمتلك الكثير من الثروات والمقدرات المادية والمعرفية، لكي نطلق «نوبلنا» العربية وفق أرفع المعايير وأكثرها مصداقية واتصالا بالحرية والتنوع والغنى الإنساني.