من المفارقات العجيبة بين ما كان عليه واقع الحال من قبل أكثر من عشرين عاما، فيما يتعلق بالدور الفاعل للإعلام الفني بشكل عام، والصحافة الفنية على وجه الخصوص، والعمل المهني الدؤوب والهادف والمؤثر، الذي كان يحيط الفعاليات الهامة بمتابعة إعلامية حثيثة وشاملة تمكن المتلقي والمهتم من الإلمام أولا بأول بأهم وأبرز التفاصيل عن الحدث أو المناسبة أو الفعالية. قبل انطلاقها وتسليط الضوء على ما سيتخللها من محاور ومضامين (وكان هذا من بين أهم معايير التنافس بين الصحف ممثلة في صفحاتها الفنية والتي تكتسب ثقلها وكفاءة ومهنية القائمين بشؤونها من خلال تفردها بأكبر وأهم نسبة من السبق الصحفي)، وبنفس الوتيرة والاهتمام والمهنية يكون الحرص والتنافس على استكمال تغطية الفعالية بكل ما تخلل فترة برنامجها ونشره صباحا معززا بما تنفرد به الصفحة عن نظيراتها في الصحف الأخرى، من «القفشات» والتصريحات والنقد والانطباعات.. التي يتم أخذها من قلب المناسبة بالصورة والتسجيل والحس الصحفي العالي للمحرر، ثم يتواصل استكمال المرحلة الثالثة من هذه التغطية وهي ما يخص ما بعد الحدث، ويعنى بتحليله وتسليط الضوء على ما كان عليه وما خرج به من أهداف، وما له من إيجابيات وما عليه من ملاحظات فهذا الدور يسهم به عدد من المختصين تحرص الصفحة على استقطابهم في استطلاع أو الذهاب لهم أو الاتصال بمن هو خارج المدينة، وتوثيق هذه الآراء ونشرها كاملة. هذا ما كان عليه دأب صحافتنا الفنية وخاصة في عدد من صحفنا الرائدة ومن بينها صحيفتنا هذه «عكاظ». ونفس الدور والآلية كان عليه تليفزيوننا السعودي وخاصة مع بدايات البث الفضائي، ولنأخذ على سبيل المثال: الدورات البرامجية للتلفزيون، وتحديدا برامج شهر رمضان المبارك، كانت كل دورة برامجية رمضانية تحاط آنذاك بزخم من الجهود والبرامج المخصصة لتسليط الضوء على كل دورة برامجية ومضامينها وبنفس مراحل المتابعة المذكورة آنفا. ومن بين تلك المراحل، المرحلة التي يمكن وصفها بمرحلة «القياس والتقويم» لأنها تخصص لاستعراض أبرز برامج الدورة، وطرحها على طاولة الناقش والتحليل بحضور المعنيين بالبرامج (ممثلين، منتجين، مخرجين) إلى جانب استضافة مشاركين آخرين في نفس الحلقة من رواد الدراما ومسؤولي الصفحات الفنية مع استقبال اتصالات المشاهدين في نقاش صريح وجاد يمتد لأكثر من ساعة هي زمن الحلقة الواحدة من ذلك البرنامج الذي كان يبث على الهواء مباشرة من الرياض بمسمى (على الهواء)، كان ذلك قبل قرابة 17 عاما، وقد كان لي شرف المشاركة إلى جانب النجم المخضرم محمد حمزة بينما من كان يتولى تقديم البرنامج الدكتور علي النجعي، وما هذا إلا أحد البرامج المميزة والهادفة التي كانت تهتم «بنخل» البرامج دون مجاملات، أو تسخير موضوع الطرح لخدمة المد الإعلاني كما هو حال برامج اليوم التي تنتهي من حيث بدأت دون محصلة. أما بالنسبة للصحافة الفنية فقد انقلب الوضع رأسا على عقب، فبعد أن كانت تقوم بهذا الدور على أكمل وجه، أصبح المعنيون بالبرامج والمسلسلات الرمضانية هم من «يستضيف» الإعلاميين إلى جانب «طواقم» الأعمال في «موائد» تكريم واحتفاء.. مما حول مساحات النقد والتحليل التي كانت بالأمس إلى أخبار وصور وتفاصيل هذه الحفلات الاحتفائية.. وزمان يا... والله من وراء القصد. تأمل: قد لا يملك الإنسان رغباته، لكنه يملك إرادته. فاكس 6923348 للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 124 مسافة ثم الرسالة