عملت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض على تطوير الدرعية التاريخية لتجمع بين المحاور: العمرانية، الثقافية، الاقتصادية، الاجتماعية، وبين متطلبات التطوير البيئي لوادي حنيفة، ويشكل نموذجا لعمران الواحات. وقد أولت الدولة عنايتها منذ وقت مبكر بإعادة إعمار الدرعية وفق رؤية طموحة تهدف إلى الاستفادة من المقومات التي تتمتع بها والإرث الذي تتميز به بما يحقق الإضافة النوعية للنمو الاقتصادي والثقافي والاجتماعي للدولة، وذلك عبر الاهتمام بالجانب السياحي. ويأتي الاهتمام بالدرعية لدورها المحوري في التاريخ السياسي للمملكة، كونها عاصمة الدولة السعودية الأولى، يبرز دورها السياسي والدعوي جليا على مستوى المملكة بما أرسته من دعائم للدولة وأسس للعقيدة منذ نشأتها. وأدى اندثار عمرانها عند بدايات القرن التاسع عشر الميلادي إلى جعلها مهجورة في معظم أجزائها، خاصة ما يتعلق منها بالأحياء التاريخية كحي الطريف، الذي يتميز بنسيج عمراني متفرد. وانطلق البرنامج الذي وضعته الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، وتنفذه بالتعاون مع الهيئة العامة للسياحة والآثار، ومحافظة الدرعية، من مقومات الدرعية المتمثلة في قيمتها التاريخية والسياسية والثقافية، وتراثها العمراني، وموقعها الفريد على ضفاف وادي حنيفة، لذا اعتمد البرنامج، مبدأ التكامل مع مدينة الرياض، بحيث تكون الدرعية ضاحية ثقافية، سياحية، ترويحية بمستوى عالمي. ونظرا لأهمية الدرعية التاريخية، وأهمية ما تحتويه من تراث عمراني عريق، صدرت الموافقة السامية في 17 جمادى الآخر 1419ه على برنامج تطوير الدرعية التاريخية، وأن تتولى الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض مسؤولية تنفيذ هذا البرنامج. استراتيجية تطوير الدرعية وضعت الهيئة استراتيجية للتطوير في الدرعية التاريخية، تضمنت: تحويل المناطق الأثرية في الدرعية إلى مركز ثقافي وحضاري رئيس على المستوى الوطني، نظرا للدور الريادي والحضاري للدرعية كمنطلق للدعوة ونواة للدولة السعودية. اتخاذ أحياء الدرعية التاريخية والقديمة نواة ومحورا للتطوير العمراني والثقافي. تحقيق التنمية المستدامة بالمحافظة على المقومات البيئية الطبيعية. تشجيع الاستثمارات الخاصة للمشاركة في برنامج التطوير. أهداف تطوير الدرعية المحافظة على النسيج العمراني للمنطقة الأثرية والتراثية، وإعادة توظيفه بما يخدم الأنشطة المختلفة. توفير مقومات التنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في المنطقة. تشجيع الحرف والصناعات المحلية وتطوير تقنيات البناء التقليدي. إيجاد متنفس ثقافي تراثي ترويحي. تشجيع السياحة كمجال استثماري وعامل لتبادل المعرفة والثقافة. وتتنوع محاور تطوير الدرعية التاريخية لتشمل التخطيط الحضري للبلدة، بحيث يتواءم مع التخطيط الحضري لمدينة الرياض، والتطوير العمراني لأحيائها التاريخية والقديمة، باستكمال المرافق والبنى التحتية، وتطوير بنيتها العمرانية، وتوفير الساحات والميادين والحدائق العامة والطرق ومواقف السيارات وممرات المشاة. كما يتمثل المحور الاجتماعي في البرنامج في توفير عوامل استقرار سكانها، وتطوير اقتصادياتهم، فيما يتمثل التطوير التراثي الثقافي في إعادة ترميم منشآتها التراثية، وإنشاء المؤسسات الثقافية الوطنية، والمتاحف، وتنظيم الأنشطة الثقافية المستمرة، وتأهيل الدرعية لتكون أحد مواقع التراث العالمي المتجدد. أما التطوير الترويحي والسياحي، فيتمثل في توفير المرافق الترويحية المناسبة، والأنشطة السياحية المختلفة، والاستفادة من المقومات البيئة لوادي حنيفة لدعم هذه الأنشطة. وأعدت الهيئة العديد من الدراسات المتعلقة بالجوانب العمرانية والتاريخية والسياحية والاستثمارية للدرعية وذلك عبر مجموعة واسعة من الاستشاريين العالميين والمحليين ذوي خبرات متنوعة في التصميم العمراني والتخطيط المتحفي. وتنقسم الخطة التنفيذية إلى مرحلتين، مرحلة أساسية ومرحلة تكميلية، حيث تحتوي المرحلة الأساسية (وهي المرحلة الحالية من البرنامج) على ثلاثة مشاريع تطويرية هي مشروع تطوير حي الطريف، ومشروع تطوير حي البجيري، ومشاريع الطرق وشبكات المرافق العامة. كما وضعت الهيئة خطة للإدارة والتشغيل، تتولى بموجبها الهيئة أعمال التخطيط والتنفيذ، والتشغيل والصيانة، فيما تتولى الهيئة العامة للسياحة والآثار، تشغيل وإدارة حي الطريف، واستقطاب الاستثمارات الاقتصادية والسياحية لكامل الدرعية التاريخية. مشروع تطوير حي طريف يهدف تطوير الحي إلى إبرازه كموقع تاريخي أثري متحفي تتكامل فيه جوانب العرض بين الشواهد المعمارية والبيئة الطبيعية للحي إلى جانب العروض التفاعلية والأنشطة الحية ضمن أسس تعنى بمفاهيم المحافظة والترميم، على اعتبار حي الطريف أهم معالم الدرعية التاريخية، وتشمل مشاريع تطوير الطريف ما يلي: متحف الدرعية بقصر سلوى ويهدف إلى التعريف بتاريخ الدولة السعودية الأولى ويوفر المتحف تجربتين للزوار، الأولى هي للعرض المتحفي المغلق داخل الوحدتين الخامسة والسادسة من قصر سلوى وذلك بعد ترميمهما وإضافة هيكل حديث بداخلهما لاستيعاب المعروضات المتنوعة والتي تشمل اللوحات والمجسمات والقطع المتحفية والأفلام الوثائقية، والتجربة الثانية هي للعرض المفتوح بين الأطلال، ويختص متحف الحياة الاجتماعية بعرض الحياة الاجتماعية خلال الدولة السعودية الأولى فيما يتعلق بالمهن وأنماط العيش والمناسبات، ويختص متحف الخيل العربية بعرض الخيل العربية خلال الدولة السعودية الأولى، إضافة لمتحف الحرب والدفاع، ويختص بعرض وسائل الحرب والدفاع خلال الدولة السعودية الأولى، ويختص متحف التجارة والمال بعرض النظام الاقتصادي وطرق التجارة وأنواع الموازين والعملات إلى جانب عرض أنواع (الوقف) وكرم الضيافة خلال الدولة السعودية الأولى. وكان تسجيل الدرعية التاريخية ضمن قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو يمثل أحد أهداف الخطة التنفيذية لتطوير الدرعية التاريخية التي وضعتها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بالتعاون مع الهيئة العامة للسياحة والآثار، لما لهذه الخطوة من أهمية في دعم مشاريع التطوير السياحي في الدرعية التاريخية، وزيادة قيمتها الأثرية والتراثية والمعنوية، وبعد صدور موافقة مجلس الوزراء على هذا الإجراء، بناء على صدور الأمر السامي الكريم بذلك، تولت الهيئة العامة للسياحة والآثار متابعة ملف التسجيل مع منظمة (اليونسكو)، وبعد تحقيق اشتراطات المنظمة في هذا المجال، تحقق هذا الهدف، وهو ما يشكل اعترافا عالميا بالمكانة التاريخية للدرعية بشكل خاص وللآثار التي تزخر بها المملكة بشكل عام.