قال أساتذة وعلماء آثار «إن إعلان لجنة التراث العالمي الموافقة على تسجيل حي الطريف في الدرعية التاريخية على قائمة التراث العالمي يعد حدثاً مهماً وتاريخياً بالنسبة للمملكة، نظراً لما يعنيه من اعتراف عالمي بدور وفائدة وتفرد الموقع وكذلك الثقافة التي تشكلت فيه وخرجت عنه إلى العالم أجمع. ولفتوا إلى الفوائد المتعددة من وراء هذا الحدث، ومنها تأكيد أهمية الموقع ووجوب الاهتمام به والمشاركة في دعم مشاريع المحافظة عليه، إضافة إلى تشجيع القطاع الخاص وملاك المباني والمزارع المرتبطة بالمنطقة التاريخية والمجتمع المحلي على تبني مشاريع ذات نفع اقتصادي كبير، وتخدم التوجه نحو صناعة السياحة بالمملكة، من خلال زيارة المواقع التراثية العالمية التي تحتضنها المملكة ممثلة في مدائن صالح بالعلا بمنطقة المدينةالمنورة، وحي الطريف بالدرعية بمنطقة الرياض. مختصون: أحداث تاريخية انطلقت من الدرعية أسهمت في تحولات كبيرة بالمنطقة الدكتور فهد بن عبدالله السماري أمين عام دارة الملك عبدالعزيز يؤكد "أن هذا القرار العالمي الهام يضع الدرعية التاريخية في موقعها الصحيح بالنسبة للتراث العالمي، وهو ما يؤكد القيمة التاريخية لهذا الموقع الذي شهد أحداثاً تاريخية أسهمت في تحولات كبيرة في تاريخ شبه الجزيرة العربية، منذ أن كانت واحة الدرعية تحتل الصدارة على الطريق التجاري الذي يربط بين شرق وغرب شبه الجزيرة، إضافة إلى تحكمها في طرق الحج المؤدية لمكة المكرمة حيث شمل سلطانها ليشكل قرى وادي حنيفة والمواقع المجاورة في إقليم العارض، إلى أن قام الإمام محمد بن سعود بالعمل على تأسيس الدولة السعودية الأولى وتوحيد أرجاء الجزيرة العربية في دولة واحدة لم تشهدها المنطقة منذ أيام الدولة الإسلامية الأولى والعمل على نشر الدعوة السلفية الإصلاحية لينتشر أثرها في العالمين العربي والإسلامي. السماري التقاء طرق التجارة بالجزيرة عضو اللجنة الاستشارية للآثار والمتاحف الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري يقول "إن هذا الحدث بعث الحبور والفرحة في نفوس الأثريين من علماء ومهتمين، ذلك أن حدث تسجيل حي الطريف في قائمة التراث العالمي جاء بعد الاعتراف بمدائن صالح (الحجر) معلماً عالمياً، ما يدعم الجمعية السعودية للمحافظة على التراث التي أنشئت في سبيل دعم هذه النماذج التاريخية للتراث العمراني، لافتاً إلى أن الدرعية وحي الطريف بشكل خاص يمثلان مرحلة تاريخية متميزة في تاريخ دولتنا المملكة العربية السعودية، حيث تعد الدرعية من أقدم المستقرات البشرية منذ عصور ما قبل التاريخ وفجره، وترقد على ضفاف وادي حنيفة مشكلة إحدى أهم نقاط التقاء طرق التجارة التي كانت تربط بين شرق الجزيرة العربية وغربها وشمالها وجنوبها. وأشار إلى أن دور الدرعية السياسي والحضاري برز مع تسلم الإمام محمد بن سعود مقاليد الحكم في نجد وتأسيس الدولة السعودية الأولى سنة 1139ه/ 1726م، وعلى مدى قرن من الزمان تقريباً هو عمر الدولة السعودية الأولى نمت الدرعية وتطورت وازدهرت، وصارت مركزاً سياسياً وثقافياً واقتصادياً ووصفها المؤرخون المعاصرون في فترات ازدهارها بأنها كانت مدينة عامرة، بها العديد من الأحياء والمساجد والمباني ويحيط بها سور ضخم مزود بأبراج وحصون، ويعد حي الطريف من أبرز أحياء الدرعية بما يضم من قصور وميادين ومساجد. وعد الأنصاري أن "حصول الدرعية على هذا التقدير - وهو أقل مما تستحقه - ويعني في الوقت نفسه أننا استطعنا أن نثبت للعالم أن لدينا كنوزاً سوف ترتفع بالمملكة إلى قمة التفوق الحضاري والاجتماعي والثقافي، وأن النظرة السابقة التي كان ينظر بها إلى الجزيرة العربية بعامة، والمملكة بخاصة، لابد أن تتغير والشواهد على ذلك كثيرة"، مشيراً إلى أن المملكة تعج بالمواقع الأثرية التي تدل على حضارة عريقة في القدم، وعلى عبق تاريخي متميز، وجميعها تستحق أن تُسجل على قائمة التراث العالمي، وما موقعا الحجر والدرعية إلا بداية فقط في هذا المضمار، كما أن ذلك يخدم القطاع السياحي في المملكة، حيث تخدم مثل هذه المواقع التراثية العالمية السياحية في مختلف دول العالم. الراشد إجماع كامل لاستحقاق الدرعية الدكتور سعد بن عبدالعزيز الراشد مستشار رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار للتراث والآثار عد هذا النجاح خطوة رائدة للهيئة العامة للسياحة والآثار والجهات ذات العلاقة، ويأتي تأكيد أن الهيئة اتخذت منهجاً علمياً وإدارياً وفنياً رصيناً في تعاملها مع المواقع الأثرية والتاريخية في المملكة، وفقاً للمعايير المتفق عليها دولياً في التوثيق والتسجيل والدراسة والبحوث، والشراكة المميزة مع أجهزة الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المحلي، ولهذا فإن هذا الحدث مهم جداً لكونه يسجل اعترافاً دولياً بالقيمة التراثية والحضارية المميزة للدرعية التاريخية. وعن حصول ملف الدرعية على إجماع كامل من دون الحاجة إلى تصويت، قال: "بحسب متابعتي لمنهجية عمل لجنة التراث العالمي فإن هذا يعد من الحالات القليلة التي اتخذتها اللجنة فيها قبول تسجيل المواقع التراثية والطبيعية على قائمة التراث العالمي"، مرجعاً السبب في ذلك إلى "أن ملف حي الطريف أعد بعناية فائقة وشارك في إعداده مختصون بارعون في الهيئة العامة للسياحة والآثار والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، وتم الأخذ بكل المعايير التي وضعتها الجهات المختصة في منظمة اليونسكو، كما أن واقع العمل في حي الطريف من حيث التوثيق والمحافظة والتسجيل والترميم والتوظيف لآثار ومعالم المنطقة التاريخية قد لا يتوافر في كثير من المواقع التاريخية والأثرية في بعض الدول، ويضاف إلى ذلك أن الدرعية التاريخية تتميز بعناصر قوة تتمثل في تاريخها المرتبط بنشأة الدولة السعودية الأولى، والشواهد التاريخية والمعمارية الباقية التي تدل على الدور الكبير لهذه المدينة منذ نشأتها، فقد كانت من أكبر الحواضر العربية والإسلامية في الجزيرة العربية، وتميزت بخصائص مهمة سياسية وثقافية وفكرية واقتصادية واجتماعية، إلى جانب أن النسيج العمراني لحي الطريف بعناصره التخطيطية والفنية ووظائف المباني المتعددة من مساجد ومنازل ودور وقصور وحصون وأسوار وأبراج ومرافق متعددة والبيئة المحيطة، جعل من الدرعية التاريخية أنموذجاً فريداً لا مثيل له. وأوضح الراشد "أن تسجيل الدرعية التاريخية على قائمة التراث العالمي سيؤدي إلى مواصلة الجهود المشتركة بين الهيئة العامة للسياحة والآثار والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض لاستكمال البني التحتية بالدرعية وتهيئة الموقع بأكمله وتوظيف المباني الجاري ترميمها حسب الدراسات المعتمدة لكل مبني والشروع في تنفيذ الفعاليات الثقافية والحرف والصناعات التقليدية والبرامج التعليمية الموجهة للطلاب والطالبات على حد سواء. كما أن تسجيل الدرعية على قائمة التراث العالمي سيشجع القطاع الخاص وملاك المباني والمزارع المرتبطة بالمنطقة التاريخية والمجتمع المحلي على تبني مشاريع ذات نفع اقتصادي، خاصة أن موقع حي الطريف وما يرتبط به من معالم يتميز بقربه من الرياض العاصمة ومجاور لمحافظة الدرعية وعلى مفترق طرق رئيسية وريفية، ويشرف الموقع على وادي حنيفة المتميز بجمالية تكوينه الطبيعي وما عليه من مرافق وخدمات، خاصة السدود المائية. الأنصاري وعن الدعم العربي الذي حظي به ملف حي الطريف ذكر انه يؤكد أهمية توحيد الجهود بين الدول العربية في مجال الآثار والتراث في الاجتماعات القارية والدولية، وأهمية جهود التعاون مع الدول العربية، خاصة ضمن اجتماعات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الأليكسو) والتنسيق المتواصل على مستوى مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتواصل بين (الإسيسكو) ومنظمة المؤتمر الإسلامي. وأشار الراشد إلى الجهد الكبير والمميز لسمو الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار عضو اللجنة العليا لتطوير الدرعية، في التخطيط والمتابعة والإشراف المباشر على مشروع حي الطريف في الجوانب التخطيطية والدراسات والأعمال التوثيقية، حيث كان المحرك الأساس منذ فترة مبكرة لتكون الدرعية موضع اهتمام خاص في التعامل مع تراثها العريق وأهمية أن تكون من بين المواقع التراثية التي تسجل على قائمة التراث العالمي، مؤكداً أن نجاح الهيئة في تسجيل مدائن صالح وبعدها الدرعية سيكون حافزاً على مواصلة الجهود في تقديم ملف جدة التاريخية لليونسكو، التي ستنظره لجنة التراث العالمي في دورتها القادمة، ويأمل كل الأثريين والمهتمين بهذا الشأن أن يحظي بالقبول. عالمية الموقع الدكتور عبدالعزيز بن سعود الغزي رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للدراسات الأثرية أستاذ الآثار والتاريخ القديم في جامعة الملك سعود يقول "إن أهمية هذا الحدث تتمثل في الغاية منه، إذ إنه يضع موقعاً من المواقع التراثية والأثرية على قائمة التراث العالمي، ما يعني اعترافاً عالمياً بدور هذا الموقع وفائدته وتفرده، الموضوع على القائمة، والمشاركة في دعم مشاريع المحافظة عليه، وبذلك يصبح الموقع موقعاً عالمياً أهميته وسلامته تهم شريحة كبيرة من سكان العالم. وكذلك الاعتراف العالمي بأهمية الدور الذي يؤديه الموقع من خلال ساكنيه، إضافة إلى الإقرار العالمي بأحقية وواقعية ما خرج من الموقع من تراث حضاري مروي وتراث حضاري مشاهد. الدرعية تدخل عالم السياحية من بوابة التاريخ والتراث ونوه إلى الدور التاريخي الذي لعبته الدرعية على مدار أكثر من ثمانين عاما، يوم أن كانت عاصمة للدولة السعودية في دورها الأول، حينما تم فيها الاتفاق المشهور بين الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب، فأسس الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى وعاصمتها مدينة الدرعية، وقلب عاصمتها النابض حي الطريف، حيث توجد المساجد الجامعة ودواوين استقبال الضيوف، وسفارات الدول، فازدهرت المدينة ونمت في عمرانها واقتصادها الذي وصفه أحد المؤرخين المعاصرين لازدهارها من خلال وصفه للأسواق والبضائع والحركة الدؤوبة للمتاجرين، مشيراً إلى أن تراث الدرعية القائم بمساجده وقصوره وأسواره ومنشآته يدل على مدينة لعبت دوراً كبيراً في تجارة المنطقة وفي تقديم مناهج وطرائق في العمارة والزخرفة والتصميم والتخطيط المعماري، وتستحق أن تكون على قائمة التراث العالمي. وأوضح أن حصول ملف الدرعية على إجماع كامل من دون الحاجة إلى تصويت من أعضاء المجلس المختص، هو دلالة على أهمية الموقع من ناحية، وعلى الجهد المبذول من قبل الهيئة العامة للسياحة والآثار، وقطاع الآثار والمتاحف فيه من الناحية الأخرى، ذلك الجهد الذي شخص أهمية الموقع تشخيصاً وافياً وبهذا التشخيص تمكن الفريق السعودي الذي حضر اجتماع اليونسكو في برازيليا عاصمة البرازيل من أن يهيئ القناعة بين الأعضاء من خلال تقديمه أدلة واضحة ومزايا مقنعة قادت في آخر الأمر إلى إجماع الأعضاء على أحقية الموقع في أن يدرج على قائمة التراث العالمي. ولفت الغزي إلى أن عناية خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين - حفظهما الله - بدعم الجهود الرامية للحفاظ على التراث، مثلت الدافع الحقيقي للعمل المتواصل الذي أداه القائمون على هذا الملف وعلى رأسهم سمو الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، للمحافظة على تراث هذا البلد وتشجيع البحث فيه ودعم المشاريع العلمية الميدانية والمكتبية والمشاركات في جميع المحافل الدولية ذات العلاقة، والمناسبات المحلية المتنوعة، سواء من حيث إبراز ما تحتضنه المملكة من آثار وتراث، أو التوعية بأهمية ذلك وعلى مستويات متنوعة أو تقديم المادة المكتوبة للقارئ بمستويات متفاوتة ليصل كلٌّ إلى ما يريد، ويقتنع كلٌّ بما يقرأ بقناعته الذاتية، كما أن دعم خادم الحرمين الشريفين وولي عهده حفظهما الله تمثل كذلك بموافقتهما على المشاركات الخارجية والنشاطات الداخلية التي تقوم بها الهيئة العامة للسياحة والآثار، وتجاوز دعمهما يحفظهما الله إلى التبرعات النقدية لشراء معالم تراثية أو ترميم معالم أخرى قائمة، أو تهيئة مبان تراثية لتكون متاحف عرض للقطع الأثرية والتراثية المنقولة، أو ترميم مساجد قديمة، كما أن كل ذلك يصب في خدمة السياحة وصناعتها المحلية. الدرعية تدخل عالم السياحية من بوابة التاريخ والتراث