تشهد الكثير من البلاد العربية حاليا ثورات شعبية عارمة، بيد أنها ليست على شاكلة الثورات السياسية والاجتماعية التي عصفت بالمنطقة العربية، فهي لا تسعى لإزاحة نظام سياسي فاسد ولم تندلع نقمة على ظلم بين أو قمع سافر أو قوانين جائرة، بل هي ثورة لله ورسوله، ثورة من أجل الدين وكرامة كل مسلم. ولكن أما آن لمسلسل المساس بأقداس المسلمين ومعتقداتهم أن ينتهي؟، فما أن تنتهي فتنة إلا وتثار أخرى، وما أن تهدأ زوبعة إلا وتعقبها سلسلة زوابع وهكذا. مما يثير الريبة في المتسبب الحقيقي في تلك الفتن المتتالية التي تدعي بعض الحكومات الغربية أنها لا تعلم عنها شيئا ولا تتحمل أي مسؤولية إزاءها، لقد ظهرت قبل فترة وجيزة فتنة الرسوم المسيئة لأشرف الخلق عليه الصلاة والسلام، وعندها وقف العالم الغربي صامتا بلا حراك ومتابعا بلا اكتراث الإساءات والافتراءات التي مست مشاعر ملايين المسلمين وأثارتهم بدعوى الديمقراطية واحترام الفكر وحرية التعبير. إن شعارات الحرية التي تطلقها الدول الغربية مجرد تبريرات تسوقها لتوجد لها مخارج من المواقف التي قد تسبب لها حرجا أو لوما، وها نحن نجد المسؤولين الآن في الدول الغربية وقد خرجوا علينا من مختلف منابر الإعلام مدعين أنهم لا يعلمون عن الفيلم شيئا، وأن بلادهم ليست مسؤولة عنه بأي صورة من الصور، مستنكرين تماما الإساءة لأي معتقد ومستائين من المساس بأي دين، ولكن متى ظهر هذا الاستنكار؟، لقد ظهر بعد ردود الفعل الغاضبة من المسلمين ومن الدول الإسلامية تجاه ذلك. إن من السهل لأي شخص أن يسيء للآخر، ومن اليسير تماما علينا كمسلمين أن نتعرض للمعتقدات الأخرى بالإهانة والتشويه، لكن ديننا يمنعنا عن ذلك لقوله تعالى (لا تسبوا الذين يدعون من دونِ الله فيسبوا الله عدوا بغير علم)، فالمسلمون يترفعون عن رد الإساءة بمثلها ويأنفون من أن يكون أعداؤهم قدوة لهم. لا يسعني سوى التشكيك في عجز الحكومات الغربية عن وقف مسلسل استفزاز المسلمين تحت أي مسمى ومن خلال أي ذريعة، فلو أن لدى تلك الحكومات أدنى هاجس أمني في أي أمر ما مهما كان بسيطا، سنجدها وقد سخرت كافة أجهزتها الأمنية والاستخباراتية لكشف أي غموض واستجلاء أي ريبة، حتى لو تطلب الأمر إلى التخلي عن مبادئ الديمقراطية وقواعد الشفافية في استجواب المشتبه بهم. ولكن ماذا لو قام بعض أبناء أي ديانة أخرى بإنتاج فيلم يسيء لليهود أو يشكك أو حتى يرتاب في إمكانية حدوث الهولوكوست، هل من الممكن أن يتم السماح بعرض الفيلم في أي مكان؟، وهل سيتم طرحه ومناقشته بشفافية وسيتم السماح بإبداء الآراء فيه بحرية وسعة أفق؟، سأترك الإجابة لذكاء القراء!.. إن ديننا الحنيف يدين التطرف بكافة أنواعه ومسمياته، والغالبية العظمى من المسلمين الأسوياء يرفضون الإرهاب وقتل الأبرياء دون وجه حق ويشمئزون منه بالفطرة، ولكن حكومات بعض الدول بكل أسف تستهين باستفزاز مشاعر المسلمين ويعطون الأمان للمحرضين للإقامة في بلادهم، وهم بذلك يعطون المبرر لمن يريد أن يتمسح بالإسلام ليقوم بأعماله الإرهابية ثم يلصقها بالدين نفسه، فهم من قدم الأسباب ووفر الذرائع ومهد الطريق وآمن المحرض.. عموما، فإن المسلمين وطوال تاريخهم الذي تجاوز الأربعة عشر قرنا لم يسلموا قط من المحن والفتن التي نثر بذورها أعداء هذا الدين العظيم، وها هم أحفاد الشرك والضلال يتوارثونها جيلا بعد جيل، إنها ليست المرة الأولى وبالتأكيد لن تكون الأخيرة، وياليت العالم يقرأ تاريخنا جيدا ليعرف أن المسلمين كلما ابتلوا في دينهم أكثر كلما ازداودا حرصا على الدفاع عنه واشتد تمسكهم به أكثر.. إن أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن الوليد وبقية الصحابة الأخيار لايزالون يجددون العهد لله ورسوله بأن يناصروه ويدافعوا عنه ويحموه طالما أن فيهم نفسا يتردد وقلبا يخفق كما فعل أجدادهم من قبل وكما سيفعل أبناؤهم فيما بعد.. والله لن نقول لكم إلا ما قال ربنا عز وجل فيكم: (قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار ).. صدق الله العظيم. twitter.com/mufti_dr