نسمع من حين لآخر أخبارا عن اهتمام بعض الغربيين بحيواناتهم ومغالاتهم في تدليلها والارتباط بها، فننظر إلى اهتمامهم ذاك بازدراء ونعده شكلا من أشكال الثقافة الغربية لا يعجبنا، نحن ننسى أو نجهل أن أسلافنا العرب كانوا هم أيضا لهم حيواناتهم المفضلة التي نعمت على أيديهم بأنواع من التدليل والرعاية بعد أن نشبت بينهم وبينها علائق حب متينة، حتى إذا ما فقدوها بالموت بكوها ورثوها في شعرهم رثاء ساخنا لا يقل في حرارته عن رثائهم لأحبابهم وأهلهم المقربين. في ثقافة العرب أنهم يتعاملون مع الحيوانات بحميمية بالغة فيتحدثون إليها ويناجونها وربما حسدوها على حالها مقارنة بالحال التي هم عليها، فأبو فراس يناجي الحمامة يرى فيها شريكا يشاطره أسى البعد ويقاسمه الهموم: (أيا جارة الوادي لو تعلمين بحالي)، (تعالي أقاسمك الهموم تعالي). وأبو صخر الهذلي يغبط البهم التي ترعى حرة طليقة لا تخشى طردا ولا زجرا، مقارنة بحاله ووقوعه تحت ضغوط الرقابة التي حرمته من التمتع بلقاء الحبيبة (لقد تركتني أغبط الوحش أن أرى، أليفين منها لا يرعهما الزجر)، أما الوزير ابن عبدالملك الزيات فإنه بكى فرسه بكاء ملؤه الحسرة والجزع وذلك بعد أن أخذها منه الخليفة المعتصم، فرثاها بأبيات من يسمعها يظن أنه كان يبكي فراق حبيبته لا فرسا له: (أنساك؟ لازالت إذا منسية نفسي، ولا برحت بمثلك تنكب). الثقافة العربية تزخر بصور معبرة عن تعلق العرب بالحيوان، فهناك كثير من الشعر الذي يتغنى بالحيوانات المفضلة ويتباهي بها كالناقة والفرس وكلاب الصيد والصقور والظباء، وهناك كثير من المؤلفات النثرية عن الحيوانات مثل كتاب الحيوان للجاحظ وكتاب حياة الحيوان الكبرى للدميري ورسالة (القول في البغال) للجاحظ، و(المصايد والمطارد) لكشاجم، بل إن هناك مؤلفات مخصصة فقط للبحث في (أنساب الخيل) مثل مؤلفات ابن الكلبي وابن الأعرابي أوغيرها، ومؤلفات أخرى في أسماء الحيوانات وكناها مثل كتاب ابن خالويه عن (أسماء الأسد) التي بلغت خمسمائة اسم. بلغ من تعلق العرب بحيواناتهم أنهم اعتادوا ذكرها في تشبيهاتهم في الفضائل والرذائل على السواء، فهم يشبهون بها في الشجاعة والجمال والوفاء وفي الجبن والقبح والنكران وغيرها، فالشجاع من البشر أسد، والرشيقة من النساء غزال، والخبيث من الناس ثعلب والنذل ذئب، والقبيح قرد، والمغني الشجي بلبل، والشخص المكروه غراب، وجاء في بعض كتب التراث ذم لرجل فوصف بأن له: «نكهة الليث وصوت العير وخلق البغل ولؤم الذئب وبخل الكلب وقبح القرد وحرص الخنزير وزهو الغراب ونتن الظربان» .. أخيرا، هل أقول إن تعلق العرب بحيواناتهم بلغ بهم أن صار بعضهم يفضل الحيوان على الإنسان مثل ما فعل المرزبان عندما وضع كتابه ( تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب) !!. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة