وسط تصاعد الجدل الدائر حول مسلسل «فرقة ناجي عطا الله» الذي تبثه عدة قنوات فضائية، يلفت الانتباه عدم تطرق النقاش إلى تناول المضامين التي يعرضها المسلسل، والاكتفاء بإثارة مسائل أقل أهمية وقيمة منها، تقييم مستوى النجم عادل إمام بعد انقطاعه عن الدراما التليفزيونية 30 عاما، وموقف إسرائيل من المسلسل الذي يحتوي على مشاهد مثيرة، واتهام المؤلف باقتباس فكرة العمل عن فيلم أمريكي. أما عن مضمون المسلسل فتنبني نقطة التوتر التي تشكلت على أساسها دوافع البطل في تشكيل الفرقة على الخلاف الذي نشأ بينه وبين دوائر الأمن الإسرائيلية بعد أن ارتابت في تضخم ثروته، نتيجة عدم تناسبها مع مصدر الدخل الذي يتقاضاه من عمله في السفارة المصرية في تل أبيب، ما دعاها إلى التحقيق معه وتجميد أرصدته المودعة في أكبر بنوك إسرائيل، والإيعاز إلى الخارجية المصرية بسحبه من طاقم السفارة، ردا على عدم تعاونه في الكشف عن مصادر ثروته، وبناء على هذا الموقف تتملك البطل نوازع الانتقام الشخصي ويشرع في التخطيط للسطو على البنك واسترداد أمواله. وكما يلاحظ فالدوافع التي حركت البطل إلى خوض هذه التجربة، عبارة عن دوافع شخصية لا وطنية أو قومية، واتجاهه إلى الانتقام ناتج في الأساس عن تضرر مصالحه، فالواضح أن حدة التحول في مناصبة إسرائيل العداء بعد التوافق معها قائم على المصلحة ومبعثه الإحباط من ضياع كل فرص تنمية ثروته الطائلة أو حتى الحصول عليها، والبطل يشير إلى ذلك صراحة عندما يسأل من قبل أعضاء الفرقة عن طبيعة المهمة التي سيقومون بها، فيكشف لهم عن أنها سرقة البنك الذي جمد أمواله في تل أبيب ثم اقتسام المبلغ بعد العودة إلى مصر. ورغم أن ما سبق عرضه هو فحوى المضمون الذي يعرضه المسلسل وتلك هي الدوافع التي تنطلق منها فكرة البناء الدرامي للعمل، فإن البعض لا يتحرى الدقة في توصيف دوافع البطل، بل يذهب في ذلك إلى حد ردها إلى المشاعر الوطنية والقومية، لمجرد أن المسلسل يندرج من حيث الشكل في إطار موضوعات الصراع العربي الإسرائيلي، متجاهلا أن امتلاك البطل لثروة أزعجت إسرائيل بهذه الصورة الأمنية، يشير إلى أنه كان على وفاق معها لفترة طويلة، وهي الفترة التي استغرقها في تكوين ثروته محل النزاع، وخلال هذه الفترة كان شاهدا على جرائم إسرائيل في حق العرب، فلماذا لم يحرك ساكنا؟ ولماذا لم يتخذ من تلك الجرائم منطلقا لتغيير موقفه من إسرائيل؟ والمسلسل بهذا التناول وقع في عدة أخطاء معيبة وفادحة أولها تقديم صورة غير حقيقية عن واقع الصراع العربي الإسرائيلي، تقوم على إغفال القيمة التي تمثلها الأراضي المحتلة في معادلة الصراع بين الطرفين، بما أدى إلى طمس كافة الأبعاد الأمنية والنفسية بل والوجودية القائمة في موقف العرب في ارتباطهم بالأرض، ونزع عن القضية ثوابتها الأساسية، وهذا من شأنه إضعاف وعي الأجيال بثوابت الحق العربي. الخطأ الثاني أن تغييب الأرض من مجال الصراع مع إسرائيل واستبدالها بالمصلحة الشخصية مجسدة في الحصول على المال، لا يجعل لمبدأ النضال من أجل استرداد الأرض أي قيمة، بل يلغيه تماما ويخرجه من حسه القومي، ويقلص حدود العمل الموجه ضد إسرائيل كما يقلص مداه الزمني، على النقيض تماما من الأبعاد التي تجسدها الأرض فيما لو كانت هي الهدف من العمل النضالي. ثالث الأخطاء يتمثل في استغلال المأساة الإنسانية لضحايا الصراع مع إسرائيل، في إثارة التعاطف الإيجابي مع أهداف البطل الشخصية، بعيدا عن المجال النضالي الذي نشأت فيه هذه التضحيات من جانب أصحابها دفاعا عن حقوق أوطانهم. أما عن موقف إسرائيل فمن المستغرب لجوء البعض إلى الإشادة بالمسلسل ومضاعفة جماهريته من خلال إبراز هجوم إسرائيل عليه واتهامها له بإثارة العداء ضد اليهود، وبعيدا عن دوافع هؤلاء ما إذا كان المقصود منها التوظيف أو السقوط في السطحية، فإن إسرائيل لا تعارض المسلسل في الحقيقة بل تشجعه من خلال الانتقاد اللاذع وتأجيج الجدل حوله، وهدفها من وراء ذلك هو ترسيخ ذلك التناول المعيب المبني على إغفال ثوابت الحق العربي كاتجاه في كتابة الأعمال الدرامية، ومن المؤكد أن مراكز أبحاثها أدركت قيمة الفائدة التي تعرضها مضامين المسلسل لصالح إسرائيل فوجهت ردود أفعالها في الاتجاه الذي يدفع إلى الاعتزاز به وتبني وجهة النظر التي يعرضها، حيث تتراجع بجبهة المواجهة مع إسرائيل من الإطار القومي الذي يفوق إمكاناتها البشرية إلى النطاق الفردي. إن طبيعة المهمة التي أطلعت بها «فرقة ناجي عطا الله» تفتقر إلى تجرد العمل النضالي وطهره، وتظل ملوثة بأهداف المصلحة الشخصية، تماما كما يشير إليه اقترانها باسم ذلك الشخص صاحب المصلحة، حتى وإن حاولت استعارة طابع العمل النضالي من حيث الشكل، كما تجلى في جوانب التنظيم والعمل داخل إسرائيل.