xلا تزال الأزمة السورية تنتقل من طور إلى طور أكثر تعقيدا ودموية، فبعد فشل كل الجهود العربية والإقليمية والدولية لحل الصراع الدائر بوسائل دبلوماسية، وتأمين الوصول إلى مرحلة انتقالية بطرق سلمية، انفجر الوضع الأمني عن آخره وطال في الآونة الأخيرة دمشق وحلب اللتين ظلتا طوال أشهر الأزمة المديدة بمنأى نسبيا عن المواجهات الدائرة في أنحاء أخرى من البلاد. في هذه الأثناء يزداد النظام تعنتا وتصلبا وتزداد المعارضة تشرذما و تمزقا و تتمسك الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة بالسعي إلى تحقيق مصالحها بغض النظر عن الأثمان التي يترتب على السوريين دفعها. في الوقت نفسه لا يبدو أن أحدا يمتلك ترفا من الوقت للتفكير بما سيؤول إليه مصير هذه البلاد خلال الأشهر القليلة المقبلة بغض النظر عن نتيجة الصراع. التقرير الأخير الصادر عن مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين يقدم صورة شديدة القتامة عن الطريق الذي توشك سورية أن تسلكه، وعن حجم الكارثة الإنسانية التي نحن بصددها. ففضلا عن سقوط ما لا يقل عن عشرين ألف قتيل وعشرات آلاف المفقودين، ومئات آلاف المشردين بدأت تظهر صعوبات واضحة في تأمين الاحتياجات الأساسية من غذاء وطاقة ودواء لمعظم المدن والمناطق المنكوبة بعد أن غدت البلاد مقطعة الأوصال. كما أصبح تأمين موارد كافية للاهتمام بما يصل إلى 5.6 مليون سوري يمثلون القوة العاملة الأساسية في البلاد أمرا صعبا في ظل توقف آليات الإنتاج وصادرات النفط والسياحة والتجارة البينية. إضافة إلى فقدان فرص الاستثمار الخارجي الذي توقف تماما بفعل العنف المتصاعد، و موجات العقوبات الدولية. ومع امتداد فترة الأزمة واستمراريتها بدأت تظهر الآثار الكارثية للتضخم الذي زادت نسبه بما يتراوح بين 35 و70 في المئة، بل تجاوزت مائة في المائة لمواد أساسية مستوردة، ما زاد من صعوبة ظروف المعيشة الصعبة أصلا بالنسبة لكثير من السكان. على أهمية ما جاء في هذا التقرير إلا أنه لا يتناول في حقيقة الأمر إلا جزءا يسيرا من الحال المأساوية التي أضحت تعيشها سورية هذه الأيام. مع ذلك، فإن هذه القضايا لا يبدو أنها تشغل بال الكثيرين ممن لا يعنيهم في الصراع الدموي الدائر في سورية إلا نتائجه السياسية على المنطقة و موازين القوى فيها. ما يغيب عن بال الكثيرين في هذه المرحلة المفصلية هو أن النتائج الاقتصادية و الاجتماعية المترتبة على الأزمة السورية لا تقل أهمية عن نتائجها السياسية. وهي ستحدد مستقبل سورية لسنوات عديدة مقبلة، وسيكون لها تداعياتها الكبيرة على عموم المنطقة. ما تحتاجه سورية هذه الأيام هي خطة لحصر الأضرار، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه على أن تشارك فيها أطراف إقليمية و دولية بعد أن خرجت الأمور من أيدي السوريين، وعلى هذه الجهود أن تأتي سريعا و إلا ما معنى أن تنجح العملية و يموت المريض.